سألتُ نفسي: لماذا أكتب؛ وهل سيأتي الوقت الذي يغضب فيه المصريون لكرامتهم وبلدهم وجُزُرهم وأرضهم ونيلهم وخيراتهم وأبنائهم المعتقلين ظُلما؟هل يمكن أن يغضب المصريون على المنافقين والطبّالين والفاسدين واللصوص والبرلمانيين والوزراء والدعاة الدينيين؟
هل هناك احتمال لغضب المصريين اختيار الرئيس للجهلة لتسيير أمور الوطن في الحكومة والبرلمان والمحافظات؟هل صحيح أن المصريين سيهبّون هبة كرامة إنسانية واحدة إذا قيل لهم بأن الرئيس لا ينصت لأحد، ولا يستطيع الضباط أو القضاة أو المستشارون أو المسؤولون أو الوزراء أو المحافظون أن يفعلوا شيئا صغيرا لا تراه العين المجردة ولا يؤذي نملة؛ لكن بغير رغبة رئيس الدولة؟
هل يستطيع المصريون الاعتراض الخافت وغير المسموع على تعديل دستور الدولة الذي يسمح للرئيس أن يحكم مدىَ الحياة، ولابنه بعد موت الوالد؟هل انتهت حِصة مصر في النيل الذي وهبنا الحياة؟
هل سيغضب المصريون إذا اكتشفوا أن من يعيش حياة الرفاهية ويبني قصورا واستراحات في طول مصر وعرضها بدلا من المدارس والمستشفيات قد فعل مثلما فعل زين العابدين بن علي وعمر حسن البشير وبوتفليقة والحسن الثاني وحسنى مبارك واحتفظوا لأنفسهم بمليارات من خيرات الشعب الفقير؟
مئات وآلاف الأسئلة المُحَيرة لم أعثر على إجابة لها؛ وبدأت أضع علامات تعجب على كل شيء!
هل هربت روح الله التي نفخها في شعبنا وظلت حاضرة لخمسة آلاف عام، وتمكن السيسي من طردها من أرض مصر التي كانت مباركة؟
هل فقــْــدُ المصريين القدرة على قراءة سطور الاتهام لحاكمهم هي لعنة سماوية أم هي سكون ما قبل العاصفة ولو بعد مئة عام أو مئتين؟
أليست البلادة والصمت والسكوت والخوف والرعشة وتبرير الجرائم تنضوي تحت الموت السريري لأعرق شعوب الدنيا؟لماذا اختار الرئيس أعفن وأقذر وأضعف واجهل وأفسد إعلاميين لشرح نهضته المُزيفة؟ ألم يكن هذا تحديا لقدرة المصريين على الغضب؟
أعود لأسأل نفسي: لكن المصريين يعرفون كل كلمة آنفة الذِكْر، وكل مصري يُقسْم بأنه خائف على نفسه وعائلته ومنصبه ومركزه ووظيفته وأمواله؛ فما هي الفائدة من كتاباتي يوما بعد يوم، وعاما بعد عام، وصرخة بعد صرخة؟
ليست مشكلتي في الكتابة فقد قضيت جل عُمري أضع سِنَّ قلمي في عيون الطغاة والفاسدين والظالمين؛ لكن المشكلة الآن أن المصري.. صاحب حضارة الكتابة والقلم والصورة والمعابد والكتب المقدسة يقرأ بشق الأنفس عدة أسطر ثم ينهار من التعب والإرهاق والملل، فالقلم الذي أقسم به رب العزة أضحى عدوَ المصريين الأول.
لماذا لم يوقظ المسجد والكنيسة بدعم سماوي من الله روح الكرامة والغضب من أجل هدية الحياة التي أُعطيتْ للمصريين فاستخدموها ثمانية عشر يوما خلال مئة عام ثم ناموا بعدها؟ سؤالي لنفسي وليس لقرائي الكرام:
هل أكتب للتماثيل والحجارة والصمت والخوف والسكون والرضا على الذُل؟هل في عُمري بقية لاقناع أبناء بلدي، بعيدا عن المذاهب والأيديولوجيات والأحزاب والمسجد والكنيسة بالغضب لعدة دقائق؟
سؤالي لنفسي: لماذا لا أقذف بالقلم من فوق قمة جبل، وأعود للانضمام لعالم الصامتين والمبتهجين لفتات الكرامة والسعداء بــ “لا أسمع، لا أرىَ، لا أحس ولا أتكلم”؟
أنتظر منذ سنوات طويلة أن تردّ نفسي علي وتجيبني عن سبب الكتابة التي لا تُحرك شعرة من موقعها، فالكتابة للمصريين عبث وضياع عُمر وهباء منثور!
بعد ساعة أو أقل تعود إليَّ روح التمرد فأكتب من جديد ويسمع أبو الهول حفيف قلمي، ويصلني أنين شباب معتقلين بدون محاكمة بطلب الاستمرار!هل هناك فائدة؟
محمد عبد المجيد طائر الشمال عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين أوسلو النرويج