علق الصحفى المعروف خالد محمود على خبر نياحة الأب يوحنا قلته على صفحته الشخصية على الفيسبوك مستنكراً حالة التجاهل الغريبة لرجل بهذه القيمة والمكانة قائلا
في أواخر التسعينات ، اخبرني الصديق الكاتب الصحفي حمدي عبد الرحيم في نهاية يوم عمل ، اانني يمكن أن انتظره قليلا لنذهب لنلتقي بمفكر مسيحي مستنير هو الأنبا يوحنا قلته ، وهي فرصة لحوار صحفي ونقاش فكري وفتح نافذة مختلفة.
كنت اسمع عن الأنبا يوحنا قلته والأب جورج قنواتي والأب وليم سيدهم اليسوعي ، بوصفهم رواد الاستنارة المسيحية في بلادنا ، فاغتنمت الفرصة لارى الرجل عن قرب ، لأن التجربة علمتني أنه دائما ما تجد شيئا مختلفا عندما تلتقي الشخص بنفسك.
انشغل حمدي حال وصولنا الى “كنيسة السجود” في حوار صحفي نشره لاحقا في صحيفة “الدستور”تقريبا ، بينما اكتفيت أنا بمتابعة الحوار الصحفي في هذه المرة ، لاكتشف عبر التأمل أنني أمام مثقف صاحب موقف وقضية وتكوين كل مافيه استثنائي.
جمع الانبا يوحنا قلته التعليم الديني (اللاهوتي ) الي التعليم المدني ، فعقب تخرجه من المدارس الكاثوليكية وتوليه موقع كنسي مهم ، التحق بكلية الاداب جامعة القاهرة فحصل على ليسانس آداب لغة عربية، ثم تقدم باطروحة عن أدب طه حسين لنيل الماجستير أعقبها باطروحة عن المستشرقين ، لنيل الدكتوراه ، ولم يقنع بهذا بل شق طريقه ككاتب ومفكر ليؤلف عشرات الكتب ثم ليمارس التدريس الجامعي كأستاذ للأدب الفرنسي
ثم انتظم في احد المجلات كصحفي محترف بعد أن حصل على عضوية نقابة الصحفيين .
تمخضت كل هذه المسيرة عند يوحنا قلته ليكون فكره الخاص الذي نشره في كتبه ودوريات عديدة ، وكان تكوينه الجريء والذي تلمح فيه خشونة التحدي الصعيدى ، بوصفه من ابناء القطنة بطهطا بسوهاج، وإيمانه أنه على طريق طه حسين في جمعه للثقافة الدينية والمدنية
وراء إيمانه بحقه في خوض معارك كبرى لا يكون فيها الا نفسه ومعتقده.
كان يوحنا قلته تنويريا ، لكنه كان منصفا ، فقد امن بان الاستنارة الدينية هي نافذة ينبغي أن يعممها المثقف على كل رؤية دينية ، لذا اختار ان تكون استنارته شاملة ، وكان يعرف نفسه بانه “اسقف مسيحيا ثقافته اسلامية مسيحية “
كما يقول القمص حلمي القمص يعقوب في كتابة سيرة يوحنا قلته الذاتية، بل أنه كتب مقالا زلزل الراي العام في 21 يناير 1998 بعنوان “رمضان كريم –تأمل مسيحي “، قال فيه ان “شخصية سيدنا محمد مازالت أكبر من اكتشاف كل جوانب عظمتها”، مشددا في المقال أنه يتناول شخصية النبي الكريم من منظور إنساني “ولا يتمنى أن يظن به احد أنه يتنكر لإيمانه وعقيدته أو يلصق به تهمة النفاق والعياذ بالله”.
لم يكتف يحنا قلته ، وكان يمكنه أن يكتفي بهذه المعركة، لكنه فجر قنبلة في نهاية حياته ، أن الحوار الديني ، والذي انخرط فيه طيلة حياته مواجهة للتطرف والتعصب، لن يكتب له النجاح الا باقامته داخل حاضنة من الحوار الفلسفي
اكتفي بهذا التعليق السريع ، عن الرجل الذي تواصلت معه بعد الحوار الذي بدات به لحوارات وتصريحات صحفية عابرة ، ثم سافرت بعدها للعمل في الصحافة الخليجية لتنقطع صلتي بخطوط كثيرة شبيهة
ولم اتذكر الرجل إلا وأنا أعمل عمل صحفي منذ أيام بعد معرفتي بوفاته.
كان اكثر ما احزنني عن الرجل حالة التجاهل التي لقيها حيث لم يكتب عنه سوى مقالين أو ثلاثة ، ربما بسبب أجواء كورونا والحروب وحالة الضياع التي نعيشها ، وربما لصحة المثال الذي يقول أن “الحق لم يبق لي صاحيا” وفي حالة يوحنا قلته، كان الرجل خصما طبيعيا للمتعصبين فى أكثر من اتجاه.
الف رحمة ونور عليه.