سؤال قديم متجدد دائما ما يراسلني به بعض الأصدقاء ومناقشته على الخاص، حبيت أشارككم فكرته، لتأمل فكرة الخلاص الفدائي، وهي فكرة واقعية نعيشها في اليومي.
لماذا كان الخلاص المسياني عن طريق الفداء…” الفداء بالألام على الصليب وإراقة الدماء” وهل لم يكن هناك طريقة أخرى ليتم بها خلاص الإنسان؟!
الله لم تأتِ حكمته الإلهية وخطته الخلاصية منفصلة عما يدور بذهن الإنسان، ويعلم أن الإنسان دائما ما يجد لنفسه المبررات لأفعاله، خصوصا أفعال الشر. والقتل المقدس اصبح طبيعة إنسانيتنا الساقطة منذ جريمة الإنسان الأولى.
فقتل قايين لهابيل وأحقاده عليه كانت بدواعي مقدسة. وهو أن الله تقبل تقدُمة هابيل ولم يقبلها من قايين. عرف الإنسان طريق الدماء وكيف يريق دماء الأخرين ولم يشبع يوماً من تكرار إراقتها !
جوهر الخلاص المسياني جاء من هذه الحقيقة، لأن الله يعلم بسابق علمه أن الإنسان وهو يرتكب حتى أبسط شروره يحاول تغليفها بوازع ميكافيلي إنتهازي في رداء ملائكية، فالهدف الأسمى بنظره يبرر له أفعاله، وهذه الأهداف السامية والمغلفة بالنُبل” من وجهة نظرهم”، تنتهجها البشرية منذ فجر التاريخ بغض النظر عن طريقة الوصول لهذه الأهداف، المهم بأقصر الطرق إختصاراً ولو فوق أشلاء الضعفاء.
أنا ومن بعدي الطوفان، فليس مهماً الأذى الي نلحقه بمن حولنا، فليذهبوا للجحيم! بغض النظر عن الطريقة التي نمارس بها تلك الميكافلية والتي غالباً لا تمل الدوران في حلقة مفرغة، تكرر نفسها كل مرة .
فالغاية تبرر الوسيلة أياً كانت هذه الوسيلة.
من هنا بُنيّت فكرة الفداء الخلاصي على التضحية بواحد عوضاً عن الجميع كما تشاور اليهود و أجمعوا بل صمموا على قتل السيد المسيح للتخلص منه. فكر الإنسان ومنطقه المعوج حين يقبل على إرتكاب الفظائع ليبرر ما إقترفته يداه
فقد تجسد المسيح وهو يعلم أنه سيخضع لنفس هذا الفكر الفاسد ولكنه كان لابد أن يسير طريقه، درب الآلام لنهايته ليتمم خلاصه الذي أتى لأجله، ويمنح الحب اللامتناهي على صليب ألمه، ليس لأجل اليهود الذي تنكروا له
وأنه المُخلّص فقال عنهم ليس لنبي كرامة في وطنه، بل لأجل العالم والبشرية جمعاء لتخليص طبيعة الإنسان الهالكة وليس الشعب اليهودي الذي خرج من نسلهم: (لأن ابن الإنسان قد جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك) – لو19.
جاء التشاور على قتله بعد إقامته لـ لعاز من موته وبعثه لحياة جديدة، فكانت لتلك المعجزة تحديداً ردة فعل عنيفة على رؤساء الكهنة والفريسيين وحُراس الهيكل بل وعامة اليهود الرافضين لرسالته التي أساساً كتبها الوعد الإلهي في توراتهم.
ولكن نظراً لأطماعهم وما يجنونه من أموال الهيكل وسلطان الهيمنة وخوفاً على كراسيهم من الإحتلال الروماني، جاء منطقهم بالتضحية بواحد عن باقي الشعب:
48 إِنْ تَرَكْنَاهُ هكَذَا يُؤْمِنُ الْجَمِيعُ بِهِ، فَيَأْتِي الرُّومَانِيُّونَ وَيَأْخُذُونَ مَوْضِعَنَا وَأُمَّتَنَا».
49 فَقَالَ لَهُمْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَهُوَ قَيَافَا، كَانَ رَئِيسًا لِلْكَهَنَةِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ: «أَنْتُمْ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَ شَيْئًا،
50 وَلاَ تُفَكِّرُونَ أَنَّهُ خَيْرٌ لَنَا أَنْ يَمُوتَ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ عَنِ الشَّعْبِ وَلاَ تَهْلِكَ الأُمَّةُ كُلُّهَا!».
51 وَلَمْ يَقُلْ هذَا مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ إِذْ كَانَ رَئِيسًا لِلْكَهَنَةِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، تَنَبَّأَ أَنَّ يَسُوعَ مُزْمِعٌ أَنْ يَمُوتَ عَنِ الأُمَّةِ،
52 وَلَيْسَ عَنِ الأُمَّةِ فَقَطْ، بَلْ لِيَجْمَعَ أَبْنَاءَ اللهِ الْمُتَفَرِّقِينَ إِلَى وَاحِدٍ.
53 فَمِنْ ذلِكَ الْيَوْمِ تَشَاوَرُوا لِيَقْتُلُوهُ.
– يوحنا 11
أطماع الإنسان وخوفه على الكراسي والمناصب والجاه والأضواء وصراعه الدائم ضد أخيه في الإنسانية كان دائما وراء إرتكاب أبشع جرائمه عبر تاريخه.
لنرى المشهد الميكافيلي اليومي بين الطرفين، أن دماء المستضعفين والمساكين تهرق على أرصفة المارة، وأن هناك من يستحلون هذه الدماء بنفس المنطق، التضحية بواحد عن باقي الأُمّة… فَمِنْ ذلِكَ الْيَوْمِ تَشَاوَرُوا لِيَقْتُلُوه !