الجمعة , نوفمبر 22 2024
روسيا

روسيا كييف !

لا يوجد خطأ في العنوان، هذا اسم حملته روسيا في مراحل مهدها الأولى.

يمكنك أن تعدل العنوان إلى “روسيا الكييفية” أو “روسيا في مرحلة إمارة كييف”.

هذا يعني أن مسقط رأس الدولة الروسية كان حول كييف وهي مدينتهم الأولى التي اعتبروها “أم المدائن” أو مهد العواصم.

موسكو مدينة أحدث بكثير من كييف.

ولم تنشأ إلا حين اضطر الروس إلى الزحف نحو الشمال والشرق بعيدا عن مسقط الرأس.

كانت روسيا كييف رقعة أرضية متصلة من المحيط القطبي الشمالي (البحر الأبيض) وحتى البحر الأسود في الجنوب.

واستمرت هذه الإمارة باسم “روسيا الكييفية” من نهاية القرن 9 وحتى نهاية القرن 11 وبداية القرن 12 حين تفككت إلى إمارات متصارعة قبل أن تقع تحت الغزو المغولي.

هذه الفكرة تعطينا توضيحا لأمر مهم وهو “الجذور التاريخية للصراع”.

لا يعني ذلك أن روسيا تعتبر أوكرانيا هي مهدها فحسب، بل إن أوكرانيا تعتبر نفسها هي الأصل والأم لروسيا وكل شعوب السلاف في شرق أوروبا.

على هذا النحو فإن التاريخ الجغرافي يحمل إشكالية القداسة.

خريطة العالم بها عديد من المواقع الجغرافية التي تكتسب هذه الصفات وأشهرها ثلاثة:

– فلسطين بحكم تراكب الهويات الدينية فوق بعضها البعض.

– باكستان التي قامت فيها دولة إسلامية بينما العقيدة الهندوسية تعتبر أن هذه هي الأرض التي أخذ الإله من ترابها طينة الخلق وكون الشعب الهندي.

وبالتالي يصعب نسيان هذه الأرض أو التسليم بأنها صارت تخص شعبا آخر وديانة أخرى.

– حالة شرق أوروبا ممثلة في أوكرانيا التي احتضنت العاصمة كييف والإمارة الروسية القديمة.

هناك بالطبع عشرات المواقع في خريطة العالم التي تحمل ما يمكن تسميته “الجغرافيا المقدسة” والتي تمثل وقودا للنزاع.

في حالة الهند وباكستان وكذلك في حالة فلسطين لدينا اختلاف ديني ولغوي وصراع عقائدي.

لكن الأمر مختلف في حالة أوكرانيا، إذ كان من المفترض أن يكون الوضع أكثر تناغما، فالأوكرانيون أشقاء للروس من حيث العرق تقريبا، ومتقاربين من حيث اللغة، ومن حيث الدين ليس لديهم فقط ديانة واحدة بل مذهب أرثوذكسي مشترك.

وبالتالي فإن ما يحدث هنا هو صراع بين دولتين أقرب لأن تكونا دولتين عربيتين مثلا أو دولتين مسلمتين في محيطنا الجغرافي.

وما يجري هو حرب فعلا بين الأشقاء في الديانة والعرق ساهمت عوامل خارجية في تأجيج النزاع بينهما.

أعتذر أنني حذفت البوست السابق الذي تناول الرواية التاريخية لعلاقة الأمير فلاديمير بالدين الإسلامي في القرن العاشر الميلادي.

ورغم أنني استعنت بالمعلومات من مرجع مهم ترجمناه من الروسية إلى العربية لمؤرخ وجغرافي كبير إلا أن التعليقات جاءت مخيبة للآمال وساهم عديد من المعلقين – الذين يظهرون هنا لأول مرة – في إفساد كل شيء.

أتمنى في المستقبل أن يتفهم السادة القراء مقصدي من الكتابة على هذه الصفحة وهو:”تبسيط معلومات معاصرة تهمنا جميعا، كي لا تبقى حبيسة المراجع والكتب التي لا يعرف الناس عنها شيئا، وليس لي ولأصدقاء الصفحة هدف من نشر هذه المقالات إلا أن نتشارك ونتقاسم ثمار ما لدينا من معلومات وأفكار بهدف فهم أفضل لعالمنا كي تكون حياتنا أقرب للسلام والتفاهم وأبعد عن التطرف والجهالة.

كتبه الاستاذ الدكتورعاطف معتمد

استاذ الجغرافيا بكلية الاداب جامعة القاهرة،والملحق الثقافي المصري الاسبق في موسكو

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

قومى استنيرى

كمال زاخر رغم الصورة الشوهاء التى نراها فى دوائر الحياة الروحية، والمادية ايضاً، بين صفوفنا، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.