الجمعة , نوفمبر 22 2024
هناء ثروت

الانتحار الشرعى

قطعا كلنا نعتبر أن الانتحار هو كُفر، هو عدم الرجاء وقلة الإيمان، هو قتل للنفس التي حرم الله قتلها، وكثيرا ما نطلق الأحكام على المنتحر دون النظر الى ما عناه هذا المنتحر او المنتحرة، وما هي الضغوط التي تعرض لها، شباب في عمر الزهور، في مقتبل الحياة، يحمل بين اضلاعه قلب مليء بالحب والحرية والامل، يفكر في المستقبل وكأنه جنة من جنات الله على الارض، يعبر مشقات التعليم حتى يصل الى ما يريد، يُصدم بسوق العمل ومتطلباته الغير متوافقة مع ارادته ورغبته ولكنه يحاول ويحاول حتى يصل الى ما يريد ويحقق ذاته واحلامه.

ثم يلاقي الضربة وراء الاخرى،حتى تسقط ارادته ورغبته في الحياة ككل، ويفكر في إنهاء حياته، ويقع وابل من الاحكام على هذا البريء، القاتل الرحيم، القاتل الذي فعل جريمته لينهي أزمة ما.

وربما لم نفق بعد من انتحار بسنت وهايدي حتى نستيقظ على انتحار فتاة اخرى تدعى ماريان، وإذا نظرنا الى هذه القصص لوجدنا حلقة مهمة جدا موجودة ولكنها كالعدم، الاهل ، الاسرة ، الدائرة المُقربة، بالبلدي الصدر الحنين والحضن المفتوح لهؤلاء، نعم بسنت وهايدي وماريان – وبالمناسبة على سبيل المثال فكم من حالات الانتحار لا نعلم عنها شيئًا- فهؤلاء البنات فقدوا دائرة الأمان، وجدن انفسهن ظهرهم للخلاء، لا سند وأذن تسمع، ولا حضن يحتوي، كن تحت ضغط لا يعلم به احد سوا الله، وقبل أن نرميهم بالكفر والحرام ومصير جهنم الذي ينتظرهم، اين امهاتهم ما الذي كان يشغلكم عن بناتكن، اين الحضن الدافي، اين الاذن المنصتة، اين حائط الصد الذي يحميهم من ضلال وفساد هذا العالم، اين كنتم من هذه الضغوط التي ارهقت كاهل بناتكم، لماذا لم تنزعن عنهن هذه الضغوط؟

لماذا تركتوهم لذئاب العالم تفترسهن دون رحمة، نعم، اني اقسو عليكن، فإذا كان هناك مجرم او متهم في جرائم الانتحار هذه فهما الابوان وبالاخص الأم، اين تواصلك مع بناتك، اين معرفتك بمشاكلهم وما يلاقوه من قسوة وافتراء، أم انكم انتن اللاتي دفعوتهن الى الانتحار، والحجة (بنربي بناتنا) بناتكم انتحرت، اختارت البُعد عن احضانكم الباردة القاسية، تتحججون بالمشاكل الزوجية، وكل تركيزكم كيف تكسبون الحرب الزوجية، ألا تدرون ان ايا كانت نتيجة حربكم الزوجية هذه فأنتم خاسرون.

قديمًا عندما كنت طفلة وكنت أجلس بين جدتي وأمي وخالاتي، كنت استمع الى نصيحة جدتي لهن، وكيف ان هدوء البيت وسلامه سره الأم فهي رمانة الميزان، وكيف كانت تدعوهن الى الاحتمال و(التفويت للهفوات) عشان المركب تمشي وعيالكم تتربى صح، ولكن جاء بعض المتفزلكين وتمردوا على هذه النصائح واعتبروها خنوعًا ورضوخًا، فهيا بنا نثور، هيا بنا نطالب بالمساواة –وانا لا انكر حق المرأة في تحقيق وجودها وايضًا لا انكر ان هناك ازواج سلوكهم في الارض قساة ناكرين للجميل- ولكن دعوني اتكلم عن الشريحة الكبرى على الرغم ان هناك حلولا لهؤلاء اشباه الرجال، فما أراه اليوم من افكار متطرفة اذا جاز القول في حرية المرأة والدفاع عن وجودها شيء مستفز، الا تنظرين الى حقوق اولادك، هل افادك عندك مع زوجك، تركيزك معه وكيف تنتصرين عليه أهو يستحق ان يضيع اولادك بسببه.

سامحوني فأنا أم، لدي فتاتين في عُمر الزهور لا أملك أي امنية في الحياة سوى أن أراهم ناجحين متفوقين ليس في الدراسة فقط ولكن في معرفة قيمتهم بنفسهم، وكيف انهم مقبولين لدينا مهما كان الامر، فحسرتي على البنات التي انتحرن بأساليب قاسية جعلني اتكلم في الممنوع.

ختامًا، ايها الاباء والامهات، اولادنا معرضون للخطأ، ان يقعوا في الخطأ بقصد او عن غير  قصد، فكونوا سند وضهر وحماية مهما كانت اخطائهم، فالمجتمع في كل الحالات لن يرحمكم فأنظروا الى اولادكم فقط، رحم الله المنتحرين، فهو اعلم بهم واحن وارحم عليهم من هذا المجتمع القاسي المفترس

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

قومى استنيرى

كمال زاخر رغم الصورة الشوهاء التى نراها فى دوائر الحياة الروحية، والمادية ايضاً، بين صفوفنا، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.