هل الحفاظ على هوية الكنيسة وسلامة تعاليمها يعتبر تعصب وتشدد وفريسية ؟! ولأن الموضوع به لَبسْ كبير فكان لابد من الإفصاح لتوضيح بعض الأمور و ما حدث تحديداً بكنيسة المقطم، فهذا المقال ليس للهجوم على أحد، لأن كل الكنائس و خصوصاً الكنيسة البروتستانية لها خدمات جليلة جداً لا ينكرها أحد وهي كنيسة ضمن مجمع كنائسنا المصرية، ولا أحد ينكر أنها أنشط الكنائس في نشر الإنجيل.
فالجميع يعلم مدى الضغوط الكبيرة الواقعة على الكنيسة الأم في عدم التبشير داخل مصر لهذا نشاط كرازتها للخارج فقط، ولكن هنا سأوضح بعض النقاط الهامة، وأولها أن الإعلام و بعض قادة الكنيسة البروتستانتية تداولوا ماحدث بأنه طرد لفريق ترانيمهم من كنيسة المقطم، رغم أنه كان مجرد « قرار وقف الترانيم» وليس طرد المرنمين كما زعموا. والذين وعد الأنبا أبانوب أثناء إعلان قراره بإرجاعهم لحضن الكنيسة، فهو على مدار شهر يحاول أن يجعل مرنم الكنيسة الأخ نشأت واصف أن تنتقي الترانيم التي لها طابع عام مشترك بين الكنائس وتتوافق والطبيعة الروحية للكنيسة الأرثوذكسية ولكن المرنم لم يفعل ولم يأخذ بإرشاد أسقف الكنيسة وراعيها ولم يستمع لتعليماته!
فإضطر الأنبا أبانوب لمنع الترانيم وليس طرد المرنمين كما روج المغرضين ولا كما روجت وسائل الإعلام خصوصاً قناة صدى البلد لتأجيج المشاعر ضد الكنيسة و رموزها! فلنميِّز إذاً و نفرز ولنفهم بعين الحكمة وأن نتحرى الدقة قبل ردود أفعالنا، في الوقت تبذل فيه الكنيسة الجهود لتوحيد الكنائس المصرية بإقامة صلوات مشتركة وترانيم مشتركة بالمقطم تلك الصلوات التي أبهرت العالم وقت الثورات ليرفع الرب عنا كابوس الإرهاب والإضطهاد و فوضى حكم الإخوان، ولم يخذل الرب صلوات الكنائس التي سمع فيها الله صراخ شعبه من الأعماق، فحدثت المعجزة وإنزاحت الغًمّة.
موضوع قرار المنع له خلفيات كثيرة ولم يأتِ فجأة بل تمتد جذوره منذ حبرية البابا شنودة ولسنوات طويلة، إستطاع فيها المد التعليمي غير الأرثوذكسي التغلغل لداخل دير المقطم بتعاليم منافية لتعاليم كنيستنا التي بذل المسيح ذاته لأجلها فدائاً عنا . ولو لاحظنا فيديو قرار المنع سنجد نقاط كثيرة ألمح إليها الأب الغيور في مجمل كلامه، وأن قادة فريق التراتيل هم من كانوا وراء الشغب الحادث لأنهم منذ رسامته وهم يعيقون خدمته وحاول كثيراً ولمدة سنة إحتواء الأزمات المفتعلة والتي تعوق نهضته و إصلاحه للشأن الداخلي الكنسي لضمان سلامة الفكر الكهنوتي والتعليمي، حتى كانت حادثة فريق الترانيم الذي قيل له من بعض فتايات فريق الترانيم«إحنا مش عايزينك هنا، إيه إللي جابك عندنا»! فأراد شعب الكنيسة الرد على التطاول ، فقال لهم الأنبا أبانوب محدش يرد نيابة عني وقال:«يا شعب المقطم تمسك بكنيستك الذي يمثلها البابا تواضروس و حقارتي» فصفق الشعب لقرار جاء بلحظة لا يمكن السكوت بعدها على التدخل في شأن الكنيسة الداخلي بإسم المحبة واللاطائفية. ورغم هذا أعلن الأنبا أبانوب من منطلق أبوته للجميع أنه لن يعاقبهم و يعرف كيف يعيدهم لحضن الكنيسة لأنهم لاذنب لهم فهم مدفوعين من قادتهم.
وقرار المنع جاء نتيجة لعدم أهلية الخدام وعدم سلامة الفكر التعليمي الذي يُبث داخل الكنيسة فلكل طائفة مبادئها وأسس تعليمها للحفاظ على سلامة فكرها و خدمتها. وهذا لا يغضب أحداً. فالمشكلة إذاً ليست مشكلة ترانيم تثرينا ونستمتع بها ولا نميز بينها في حال توافقها وتعاليم الكنيسة حد أننا لا نستطيع أن نفرق بينها وبين ترانيم كنيستنا. ففريق كورال المقطم هو فريق ضخم يضم كافة الطوائف المسيحية وهي ذاتها الترانيم التي أمتعتنا في إحتفالات يوم الصلاة العالمي بالمقطم وجمع تحت مظلته كافة الطوائف المسيحية.
بل المشكلة هي ألا تصير الترانيم مدخلاً لمحو روح التعاليم الأرثوذكسية والفكر الكهنوتي تدريجياً، وهذا ما ألمح إليه الأنبا أبانوب حين قال أنه بدأ يجد بعض الشباب يعترض على سر التناول الإعتراف مقلدين خداماً كبار بفرق الكورال.. فسِرِّ التناول ليس ضرورياً للنمو الروحي! .
ولا يهم الإعتراف لأنك لو إعترفت بقلبك خلُصت!.. و المعمودية مجرد إشارة رمزية وليست إتحاد في المسيح!…ألخ وقد علمنا تاريخ الكنيسة في محاربتها للتعاليم الدخيلة أن التهاون والتنازل شيئاً فشيئاً عن تعاليمنا الرسولية المستلمة يؤدي لأن يصير التهاون والتنازلات قاعدة مُسلَّم بها مع الوقت وهنا مكمن الخطورة.
ولو نتذكر ماذا فعلت بدعة آريوس بالكنيسة الأرثوذكسية وكيف بدأت بدعته من تراتيله والتي كانت يحفظها الناس ويتداولونها، وهي في الحقيقة كانت تحوي في باطنها تعاليم هرطقته ضد التعاليم الأرثوذكسية، فيقول المؤرخ «شاف – Schaff» وهو أكبر المؤرخين في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية أن شخصية آريوس كانت جذابه جداً وبليغ في الخطابة وكان شاعراً رائعاً ألف ولحن تراتيل كثيرة جداً أعجب بها الناس وحفظوها وكان فناناً موهوباً بصورة غير عادية، وعندما سألوا الأنبا أنطونيوس كوكب البرية ومؤسس الرهبنة بمصر والعالم أي الإيمان هو الصحيح فقال لهم إيمان أثناسيوس لأنه دارساً للكتاب المقدس و لاهوتياً مدافعاً وحامياً وغيوراً على الإيمان الصحيح، في وقت كاد العالم كله أن يتحول للآريوسية عن طريق تراتيله وأشعاره التي تحوي بدعته يمررها ليفسد بها تعاليم الكنيسة، فالكتاب المقدس حذرنا من الثعالب الصغار المفسدة للكروم. ولولا يقظة أثناسيوس لضاع الإيمان الأرثوذكسي المستلم في سبيل إنتشار تراتيل آريوس، حتى حُسم الأمر وعُزل آريوس الخبيث عن كنيسة المسيح وإندثرت تعاليمه وتراتيله وإنتصرت تعاليم الأرثوذكسية بمجمعي نيقية 325م و القسطنطينية عام 381م بصدور قانون الإيمان النيقاوي القسطنطيني.
لأن الإنجيل شدد بآيات صريحة منذ البداية على التمسك بالتعاليم المستلمة«اعزلوا الخبيث من بينكم»«1كو5: 13»، و « إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَأْتِيكُمْ وَلاَ يَجِيءُ بِهَذَا التَّعْلِيمِ، فَلاَ تَقْبَلُوهُ فِي الْبَيْتِ، وَلاَ تَقُولُوا لَهُ سَلاَمٌ.» «2يو9: 10».
وللأخوة الأحباء أبناء الكنيسة البروتستانتية أقول لهم لولا محافظة الكنيسة الأرثوذكسية على الإيمان الصحيح كما تسلمته بفكر رسولي و آبائي و بكهنوته و تقليده وطقوسه ضد بدعة آريوس وجميع البدع التي توالت عليها، ماكانت الكنيسة البروتستانتية علمت شيئاً عن المسيحية ولا وصل إليها إيمان المسيحية الصحيح في القرن السادس عشر ولإنتهت المسيحية بسبب محاربة البدع للكنيسة!.
لسنا متشددين بل متمسكين بإيماننا، ولسنا متعصبين ولا فريسيين كما تصفنا البعض، ولسنا عباد أوثان ولا طائفيين! ولكننا ضد من ينكر علينا مسيحنا وأن هويتنا الأرثوذكسية لا تمثل المسيحية، فتمسكنا بإيماننا ليس معناه إحتقار عقائد الأخر وليس معناه عدم المحبة !
ونعلم أن هناك قسس إنجيليين رائعين يخدمون بمحبة حقيقية كالقس سامح موريس الذي أعتبر المثال الحقيقي للمحبة واللاطائفية ويسعى للوحدة الكنيسة وله بصمة واضحة في كنيسته ويفهم يعني إيه كنيسة تحافظ على هويتها. فإن كانت المناداة بالمحبة و اللاطائفية هو التهاون في أساسيات إيماننا وطقوسنا فليسمحوا لنا بإقامة مذبحاً بكنيستهم لنرفع عليه خدمة ذبيحة قداسات وتسبحة العشية وألحاننا القبطية وطقوس أسرارنا المقدسة ؟! أحبائنا بالكنيسة البروتستانتية نحن شعب الكنيسة الأم التي حضنت ومازالت تحتضن كل الكنائس من جميع الطوائف وليس أبناء كنيستكم فقط، وعندما أتمسك بإيماني وتعاليم آبائي وأسرار كنيستي لا يعني هذا تعصباً وإنغلاقاً لأن الإنجيل علمنا«تمسك بما عندك»، و « احْفَظِ الْوَدِيعَةَ» .
نعم الإيمان واحداً بين مختلف الكنائس لإله واحد وكتاب مقدس واحد، ولكن روح التعاليم والطقوس التي تؤدي لهذا الإيمان ليست واحدة، فعندما نسمع إن هناك إجتماعات مغلقة و سرِّية تتم داخل كنيستنا وخصوصاً من الأخوة بالكنيسة الخمسينية ، فالإجتماع مفهومه إجتماع عام لجميع شعب الكنيسة، وعندما يصير الإجتماع سرِّياً يكون هناك شيئاً ما و خطأ ما يحدث لعمل إستقطاباً فكرياً لأبنائنا، وهو ما دعى بعض شباب الكنيسة للتهاون في ممارسة سري التناول والإعتراف. كذلك إستقطاب شبابنا وأبنائنا بدعوتهم لحضور إجتماعات خارج كنيسته وأخذ أرقام تليفوناتهم ومتابعتهم بإجتماعات منزلية لهم ولأسرهم وتوزيع كتيبات تحمل تعاليم تخالف تعاليم كنيستنا الأرثوذكسية و دعوتهم لحضور حفلات ترانيم موسيقية و مسرحيات ورحلات ترفيهية غير أرثوذكسية وتسهيل إلحاقهم بكليات لاهوتية لا تؤمن أساساً بالكهنوت ولا بأسرار مقدسة طقسية فهذه كلها عمليات يتم فيها تدريجياً خلع أبنائنا من حضن الكنيسة و من تعاليمها الأرثوذكسية وما نشأ وتربى عليه،
والإنجيل كان صريح في وصيته :{ تجنبوا كل أخ يسلك بلا ترتيب وليس حسب التعليم الذى أخذه منا }«2 تسالونيكي3: 6» كلنا واحد في المحبة ونبذ روح التعصب و الطائفية لأن المحبة تبني ولكن ماذا تعني المحبة وكلنا واحد وأنت تريد أن تفرض تعاليمك داخل كنيستي لتذيبني في عبائتك! وأنت لا تعترف بالكهنوت ولا بأسراري المقدسة وتشكك بطقوس كنيسة التسليم الرسولي وميراث تعاليمها تقليدها الآبائي ؟! و أنت تعلم أن هذه الطقوس والتقليد المستلم هي أقدم من الإنجيل المكتوب نفسه، فطقوس الكنيسة بالنسبة لنا حياة معاشة أسسها التلاميذ للكنيسة الأولى قبل تدوينهم للإنجيل المكتوب.
فالإنجيل هو البشارة التي نشر وبشر بها التلاميذ بكلمة مقدسة حيَّة وليست مكتوبة والتي أسسوا عليها طقوس الأسرار المقدسة بفكر كهنوتي آبائي ، فكيف نتهاون بإسم المحبة واللاطائفية ونتنازل عن كنوز إرثنا المزخر بإنجيلنا والمستمدة منه هذه الوديعة الإلهية المستلمة. نحن نحبكم ونقدر مجهوداتكم في نشر كلمة المسيح الإنجيلية المكتوبة ولكن المحبة لاتعني أن نتنازل عن إيماننا ونتهاون في تطبيق طقوس كنيستنا.
الأرثوذكسية ليست عقيدة نظرية نقرأها بإنجيل بل هي طريق ومنهج مقدس و حياة معاشة توحدنا في المسيح لأن مسيحنا إله حي نتفاعل معه ونتحد فيه وليس إلهاً نظرياً يسكن بين صفحات الإنجيل وليس إلهاً ورقياً و مسطحاً بين السطور، مسيحنا هو ««مســــيح المـــــذبح»» الذي نرفع ذبيحته المقدسة لنتحد به في بكل قداسٍ إتحاداً حقيقياً لا ريبة فيه، نعيش معه في طقوسه المقدسة حياة شركة أرضيين مع سمائيين يصير فيها المسيح هو رأس كنيستنا ونحن أعضاء جسده المبارك، نحن لا نعبد إله غير منظور بل ننظره ويتلامس معنا بكل قداسٍ بكلمته الحيِّة المعاشة وما احلى أن نتذوق مسيح المذبح الذي أعطانا جسده ودمه في عشائه الأخير، فذوقوا ما أطيب الرب الموضوع فوق مذبحه، وما ألذّ حلاوة نعمته بأسراره المقدسة.
وهذا هو الفارق بين من يتكلم عن مسيح ملموس فوق المذبح ومسيح نظري غير منظور، ولا علاقة حقيقية توحدنا في جسده إلا من خلال التناول من أسراره لترميم عمل الروح القدس فينا.نحن إستلمنا هذه الأسرار وديعة إئتمننا عليها المسيح هكذا وستظل هكذا ولا نستطيع أن تغير كنيستنا ثوبها ولا نمط عباداتها لترضي الناس على حساب المسيح! ، فليس هناك بعد مذبحنا وأسرارنا المقدسة وحياة الشركة مع القديسين. فإن كان كل هذا يُنظر إلينا به على أننا فريسيين وغير مؤمنين وعبدة أوثان.. وليكن! فما يهمنا إيماننا وليقل المشككين ما يقولون!!
فما قام به الأنبا أبانوب هو من صميم خدمته ومن منطلق غيرته على كنيسته وحفاظاً على شعب رعيته أن تتبدد خراف المسيح التي أئتمنه عليها. لا للزحف التدريجي لتعاليم تهدف لإذابة تعاليمنا وطقوسنا وتقليدنا الرسولي الأول. وشيئاً فشيئاً نجده يفرغ الكنيسة من روحانية أسرارها المقدسة لتصير الكنيسة بالنهاية مجرد مظاهر طقوسية فارغة و عارية من عمقها الإيماني والروحي، فهي كنيسة تنمو متجددة بعمل وموهبة الروح القدس وتسعى لروح التجديد والإضافة لتتماشى نهضتها وتطويرها ونموها الروحي مع روح العصر الذي نحياه.
فلم يأتِ السيد المسيح لتأسيس كنيسته التي إقتناها بدمه لتكون كنيسة طائفية ومنقسمة لأنه لم يأتِ ليدعو طوائفاً، فلا يستطيع أحداً أن يدَّعي أن المسيح سيقبل هذه الصلوات والترانيم والتسبحة من الكنيسة الفلانية ولن يقبل تلك! لأن المسيح يريد جسده مكتملاً و واحداً بلا تمزقات ولا إنشقاقات، وكنيستنا حريصة كل الحرص على الوحدة الرسولية وهي وحدة يسعى إليها البابا تواضروس مع جميع الكنائس الأخرى وإزالة العقبات وأسباب الإنقسامات