أنطوني ولسن / أستراليا
أقل ما يوصف به هذا العصر أنه عصر ” الساندويتش ” ، أو عصر الخطف . لم تعد توجد اللقمة الهنية التي تتعب الأم أو الزوجة في أعدادها لتجمع شمل الأسرة حولها ، ويشعرالصغير أن له كبيرا يحترمه ويعمل الكبير على مراعاة الصغير والأهتمام به . لم يعد هذا في زمننا الأن .
كيف تجد الزوجة الوقت الكافي لطهو الطعام . وأين الأم التي تعمل على لم شمل هذه الأسرة ؟ أنها مشغولة بوظيفتها ، أو بزينتها ، وكلاهما لا يعطيانها وقتا كافيا لمراعاة الزوج والأولاد . إن كان الأولاد صغارا وجدت من يرعاهم لها . لأنها .. أي الأم .. ليس المهم عندها العمل من أجل الأسرة ، لا .. المهم أنها تخرج وتبتعد عن ” دوشة البيت والأولاد ” . وعندما تعود لا تريد أن تعرف ما مر به إبنها أو إبنتها خلال اليوم . إنها مرهقة متعبة . وكذلك الأب . فيعيش الأبناء على ” الساندويتش ” والأكل الجاهز .
هذه نظرة خاطفة أيضا عن حياة الناس في هذا العصر . إذا طبقنا هذا الكلام على القراءة مثلا ، نجد أن نسبة من يقرأ جديا قد أتخفضت كثيرا جدا وهبط مستوى القاريء . وأيضا مستوى الكتابة ذات القيمة الفكرية والأدبية العالية لم يعد لها وجود . الكاتب الذي يبحث ويفتش ويدقق قبل أن تمتد يده ألى القلم ليكتب ليس عنده وقت . والصحيفة التي تجري وراء الخبر وتحقق فيه تحاول إرسال صحفييها لتقصي الحقائق أختفت . ومن يحاول أن يفتش في صحفنا العربية ، سيجد الكثير مما ينطبق عليهم هذا القول .
أنها صحف الأنترنت والفضائيات والأخبار السريعة دون التحقق من صحة الخبر أضافة الى صحف الحوادث وأخبار الفنانات والفنانين وتصليت الأضواء عليهم فيزداد بيع هذه الصحف وليس من المهم طمأنت القاريء قدر أثارته ليواصل شراءه للجريدة أو المجلة .
ومع ذلك ومما لاشك فيه يوجد من يهتم بالقراءة ” ويفتش ” في الكتب . لأن الكتاب فيه المعرفة ، والمعرفة هي رمز التقدم والرقي .
من يقرأ كثيرا ستكون حصيلة المعرفة عنده كبيرة ويستطيع أن يسجل المعرفة سواء على الورق أو على الكومبيوتر أو على أحدث الأجهزة الإلكترونية بما فيها المحمول الذي أصبح هو الوسيط بين الأنسان وما يحدث في العالم .
يأتي بعد القراءة دور السمع ، والسمع يتم عن طريق الأذاعات . كجالية عربية في المهجر نشكر الله ونحمد فضله على أننا في دولة ساهمت بأموال دافعي الضرائب على ربط كل مهاجر ببلده على شكل تخصص ساعات بلغته . مهمة العاملين في البرنامج العربي شاقة لأن البوتقة العربية ألى جانب الحديث باللغة العربية لكنها قد تختلف لتعدد اللهجات والأنتماءات الدينية أو العقائدية . يحتار الأذاعي في أرضاء كل هذه الأطراف .
وأن كانت الأذاعة هي البوق الذي ينقل المعلومات التي كانت تنقلها الكلمة المكتوبة ألى الإنسان في سلف العصر والأوان .
إلا أنها أيضا تواجه مشكلة الكلمة لأن المذيع عليه أن يقرأ ويُعد من قراءاته المادة التي يتحدث بها ألى الناس . أين الكلمة الجيدة ذات المعاني والأصول ؟ صعب أن يجدها .
وهكذا يجد المذيع نفسه ينحت في صخر لتقديم برامج يرضى عنها الجميع خاصة أن هناك بعض الفئات تحاول أن تكون لها الأغلبية فيما يقدم في البرنامج العربي المتعدد اللهجات والأنتماءات الدينية أو العقائدية فيجد المسئول نفسه يواجه المصاعب في أرضاء الجميع لوجود أصوات تعلو فوق الجميع .
أخيرا نأتي الى المشاهدة التلفزيون يجب أن نشكره ونلعنه .
نشكره لأنه يجمع شمل الأسرة اذا أتفقت أراءها ومزاجها على مشاهدة شيء معين واحد .
ونلعنه لأن كل من يجلس حول شاشته لا يريد من الآخر أن يفتح فمه ، لأنه يريد المشاهدة ومتابعة ما يشاهد . على هذا لا يجب المقاطعة . وأظن كلنا مررنا بهذا .
عمل التلفزيون على أنطواء أفراد الأسرة كل على نفسه . قلّ الحديث بين أفراد الأسرة الواحدة . لم يعد أنسان هذا العصر يجيد الحديث مع الناس . لا يعرف سوى الحديث عن الطقس ، أو عما شاهده في الأمس . زاد الطين بلة وجود الفديو الذي دخل البيوت ليشعل نار الفرقة بين أبنائها . الزوجة تريد مشاهدة هذا الفيلم . والأبناء يريدون مشاهدة نوع آخر من الأفلام موجود بالفيديو .
الزوج لا يعرف أن كان يستطيع مشاهدة نشرة الأخبار فقط أم لا . عملت بعض الأسر على شراء أكثر من جهاز ” تلفزيون ”
وأكثر من جهاز فيديو . نضيف ألى كل هذا التلفون ” المحمول ” الذي أصبح مع كل إنسان رجل أو أمرأة شاب أو شابة ، وصدقوني رأيت أطفال في سن الرابعة فما فوق يعرفون كيف يستخدمونه . فتصبح المشاهدة مجرد روتين لا يأخذ مأخذ الجدية وحب المعرفة ويجب أن نواكب الحياة .
لهذا نجد أنفسنا نعيش عصر ” الساندويتش ” ، والسرعة والخطف . لا يهتم أحدنا بالآخر . لا يهتم بنا احد . تزداد الأنعزالية الفردية في المجتمع . تكثر حالات الطلاق وحالات الإنتحار ، وينغمس الشباب في المجون والمخدرات .
وهكذا تضيع وحدة الأسرة وتتفكك . وعليه تضيع وحدة المجتمع . لأن الكلمة المؤثرة لم يعد لها وجود . قلّ القاريء ، أنطوى المستمع ، ولاذ بالصمت المشاهد .