حمادة إمام
تدفق مئات الآلاف من مختلف فئات الشعب المصري إلى ميدان التحرير منذ ساعات الصباح الأولى، وقبل أن ينتصف ظهر أمس بلغ عدد المتظاهرين المطالبين بالتغيير وبرحيل الرئيس مبارك قد اقترب من نصف مليون مواطن، ولم يعد هناك مكانا لموضع قدم داخل الميدان.
وأنضم للتجمعات الحاشدة من الشباب في الميدان شيوخ وسيدات وأطفال، كما شاركت اسر بأكملها ومعهم أطفال رضع، وهتفت سهيلة رفاعي طفلة تبلغ من العمر 3 سنوات كانت بصحبة والدتها وأختيها “امشي بقي ياعم خلي عندك دم”ومر الالاف الوافدين من أرجاء ومناطق القاهرة والمحافظات المختلفة على 3 نقاط تفتيش من الجيش، إضافة إلى نحو 8 نقاط تفتيش من المواطنين علقوا على أجسادهم إشارات كتب عليها “أمن المواطن”، ولم يسمحوا بمرور أي شخص إلا بالبطاقة الشخصية للتأكد من هويتهم ومن عدم انتماءه للشرطة، بعد أن أنتشرت أحاديث عن وجود مخطط لإحداث الفوضى بالميدان، مندسين من الشرطة أو “جواسيس” سيضربون النار في المتظاهرين، وإحداث فوضى أو بلبلة بين المتظاهرين مما يؤدي إلى حدوث اشتباكات فيتدخل الجيش ويفض الميدان
وقفت عناصر “أمن المواطن” لتحذير المواطنين الوافدين من الانسياق وراء أي استفزازات تصدر من أي مندس عليهم من أعضاء الحزب الوطني او غيره، “محدش يستفزك.. مظاهرتنا سلمية.. مفيش هتافات حزبية..
ثورتنا شعبية” كما أكدت هذه العناصر.
كما رصدت ” محاولات عناصر من الحزب الوطني الحديث مع بعض المواطنين تحاول إقناعهم بتحميل حبيب العادلي وزير الداخلية السابق وحده مسئولية ما حدث والإبقاء على مبارك، وأن الأخير “جيد لكن من حوله هم السيئين”، لكن هذه المحاولات قابلها متظاهرون بهتافات “الشعب يريد إسقاط النظام” وقام عشرات المواطنين بتجميع القمامة المتواجدة بميدان التحرير في اكياس سوداء، كما لوحظ نظافة الميدان نتيجة لكنس المواطنين للميدان طوال الليل.
قبل أن ينتصف نهار أمس، كان عدد المتظاهرين المطالبين بالتغيير وبرحيل الرئيس مبارك قد اقترب من رقم نصف مليون شخص أستقبلهم المعتصمين بالميدان بالأغاني الوطنية وآلاف اللافتات والشعارات التي غطت الميدان، واضطر المواطنين إلى اللجوء للميادين والشوارع الجانبية.
وتحول الميدان الى ساحة كبيرة لمختلف أشكال الاحتجاج حيث تم تشغيل اغانى وطنية من خلال مكبرات الصوت، وردد المتظاهرون كلمتها بصوت عالي ، كما ردد ألاف هتافات وأناشيد في استقبال القادمين الى الميدان ومنها (اهلا اهلا برجال والميدان بيقول كمان))
كما شارك في المظاهرة عشرات من شيوخ الأزهر الذين قادوا عشرات آلاف من المتظاهرون في صلاة الظهر ووسط الميدان وجامع عمر مكرم وردد الشيوخ هتافات منها “مسلم مسيحي كلنا مصريين”.
وقال الشيخ على ابو العطا أنهم جاءوا “للمشاركة من أجل دفع الظلم البين الذي راه من هذا النظام في التضييق عليهم وأرزاقهم “، مضيفا “كلنا لدينا مظالم والشعب الان يتحد لدفع الظلم.
وجلس احد الشباب في الميدان متلفحا بكفن كتب علية “هذا كفني من أجللك يا مصر وحوله هتف المتظاهرون شديد الثورة عالي ودمه علينا غالي.
الشاعر سيد حجاب وقال هذا “يوم تاريخي ليس لمصر وحدها بل للشرق الأوسط والإنسانية كلها”، مضيفا تلك “المظاهرات الحاشدة تعني سقوط شرعية النظام وتفتح الطريق أمام الشعب لتكوين دولة ديمقراطية وتأسيس دستور جديد.
وأكد حجاب وهو يهتف وسط الجموع الغاضبة من أجل التغيير “اليوم هو المسمار الأخير للمشروع الاستعماري ، ونحن بدأنا العد التنازلي لسقوط إسرائيل”، وحول دور الجيش، قال حجاب: لدينا ثقة كبيرة في الجيش ، فهو النواة الصلبة للدولة المصرية لا النظام ، وسيفتح الطريق للحرية.
كما أكد الإعلامي حسين عبد الغني “كل من يتفاوض حاليا مع النظام او مع السفارة الأمريكية باسم الشباب ليس من حقهم التفاوض باسمهم.. لا تفاوض إلا بعد رحيل مبارك.. بعد رحيل مبارك سنبحث عمن يقودنا في فترة انتقالية ثم يجري بعدها انتخابات هذه ثورة شعبية ديمقراطية.. لا إخوان ولا وفد ولا حركة 6 أبريل”.
نحترم زويل والبرادعى ولكن
“نحن نحترم أحمد زويل كما نحترم البرادعي وغيرهم ولكن علينا إعطاء الفرصة للشباب”، وكان متظاهرون قدرت أعدادهم بنحو 30 ألف شخص قد قضوا ليلتهم إما بتناوب إلقاء الشعر والزجل ، أو إشعال نيران من الخشب ألتفوا حولها للتدفئة والحديث عن آمالهم في “استنشاق عبير الحرية”، وفضل قسم أخر الخلود للنوم والراحة “عشان بكرة يوم طويل”، وعلى مقربة أنشغل آخرون بإعداد مسرح من الخشب ليتمكن قيادات ميدانية شبابية في الميدان من مخاطبة الجماهير، وتجهيزه للفرق الموسيقية التي ستشدوا بأغاني حماسية، ومن بينها وسط البلد واسكندرية.
كما تواجد في ميدان التحرير بعض أفراد الجالية الأمريكية في مصر يحملون لافتات باللغة الإنجليزية مفادها أنهم يؤيدون الشعب المصري في مطالبه، فيما حمل بعض المتظاهرين في الميدان لافتة كبيرة مكتوب عليها “ارحل يا مبارك” ووجهوها إلى السماء لكي تراها الطائرات التي تجوب الميدان باستمرار.
ونظم العشرات من المتظاهرين بميدان التحرير لجانا شعبية على كل مداخل الميدان لرؤية البطاقات الشخصية للمتظاهرين خوفا من تسلل عناصر من الشرطة للميدان.
ووجد ايضا لافتة أخرى مكتوب عليها “أهالي النوبة يؤيدون ثورتنا المصرية”، وأخرى احتلت مساحة كبيرة لأحد مباني ميدان التحرير “سيبها وخلي عندك دم”
اللهم يا حنان يا منان جئناك وأنت القوي ونحن الضعفاء..اللهم إنا مغلوبون فانتصر ” دعوات تعالت بها أصوات الآلاف المعتصمين بصلاة الفجر وأعينهم تفيض من الدمع في ساحة ميدان التحرير.
فمنذ الساعات الأولي من الصباح الذي جاء لينهي ظلام “ليلة المليون” كما اسماها المعتصمون بالميدان تعالى أذان صلاة الفجر في مكبرات الصوت التي توجد بجوار شاشة العرض العملاقة التي تتوسط الميدان واصطف المعتصمون في صفوفهم كأنهم جيش اصطف للقاء العدو .
جاءت صلاة الفجر لتنتهي بها ليلة غير عادية حيث ينتظر الجميع قدوم مليون متظاهر للميدان بعد الدعوة لمظاهرة مليونية.
الليلة شهدت أحداثا تحمل مليئة بالإرادة والرجاء والأمل وصمود الذين ليس لهم حدود ، فبعد منع بث قناة الجزيرة قام المعتصمون بوضع 3 تلفزيونات موزعة في الميدان تم ضبطها على قناة الجزيرة ليكون الثوار على دراية بما يحدث بحسب احد المنظمين الذي قال لن ينجح احد في فرض إرادته علينا فنحن كسرنا القيد خلاص ، وهؤلاء فتيات رفضنا إلا أن يكن لهن دور فأخذن يحمسنا الشباب على الصمود والبقاء في الميدان وهم يهتفون ” الجدع جدع والجبان جبان قولوا للشباب هنبات في الميدان “
تكتمل صورة الأمل والفرحة بما تم تحقيقه حتى الآن بمجموعات الشباب الذي وقف يردد بحماس الأغاني الوطنية على أنغام (الدي جي) المتواجد أمام “كنتاكي” في الجانب الأخر من الميدان.
الأمل ينفجر في الميدان بعد بيان الجيش الذي أكد فيه انه لن يتعرض للمتظاهرين وانه يؤمن بمشروعية مطالب المعتصمين، ويخرج بعدها احد قيادات الجيش المتواجدين في الميدان ليخاطبهم عبر الميكروفون الذي يتوسط الميدان ليطالب المعتصمين بالتحلي بضبط النفس وعدم السماح لأي من مثيري الشغب بأن يندسوا بداخلهم ، مضيفا أن الجيش منذ أن نزل للميدان وهو لم يقم بإطلاق رصاصة واحدة