الدكتور طارق فرج
تابعت بشغف شديد ماتردد على السوشيال ميديا مؤخرا من سؤال غريب انطلق من تويته لصديقة وتحول بسرعة البرق الى ترند والى بوستات كثيرة متداولة تكرر السؤال لماذا لايظهر المصريون القدماء على قبورهم ومعابدهم باللبس الشتوي؟ وهو سؤال منطقي ووجيه وبغض النظر عن ردود افعال الناس الايام الماضية التي تراوحت بين الجد والهزل فمنهم من قال مازحا – وانا منهم بالطبع – انه لم يكن عندهم شتا زمان هههه ومنهم من قال ان الفنان قصد بتصويرهم بملابس قليلة اظهار تفاصيل الجسد والعضلات ومنهم من قال – وهذا ما استفزني لكتابة هذا المنشور – ان المناخ وقتها كان مختلفا وانه كان حارا جدا طوال8 شهور اما الاربعة شهور الباقية فكانت معتدلة!!!
ولذلك اجدني مضطرا للاجابة عن هذا السؤال في حدود ما اعرف عن هذا الموضوع ومستعينا كعادتي بحول الله وقوته فاقول:ان المصريين عرفوا الفصول الاربعة وسجلوها آلاف المرات ومنهم بالطبع موسم الشتاء ببرودته القارسة وقد ألمحوا الى هذا الصقيع في مرات كثيرة اذكر منها مثال واحد لضيق المقام وهو ماسجله رئيس الشرطة ماحو في مقبرته بتل العمارنة بالصورة والكتابة… فيظهر جالسا في مكان مفتوح في زمهرير الشتاء القارس وثمة رقية او وعاء فيه جمرات نار واضحة يصطلي بها ليتغلب على برودة الجو عندما سمع بموءامرة على فرعون
هكذا اذن عرف المصريون الشتاء ببرودته ولم يكن هناك ثمة تغيير مناخي كما زعم بعضهم والآن يلح علينا السؤال مرة اخرى اين تصويرهم بملابسهم الشتوية؟ وللاجابة عليه ألفت النظر الى قاعدة اساسية وبديهية فى الفن المصري القديم وهي تعتبر من اخص خصائصه وغالبا ماتغيب عن بال السادة الزملاء من ان الفنان المصري كان عندما يهم بتصوير امر ما فانه كان يسجله ” كما يعرفه لا كما يراه ” وركزوا جدا في هذا المقولة فالفرعون يصور بالنقبة فقط ولكن عندما يقتضي الحال ويشتد الصقيع كان يرتدي ثوبا ثقيلا فوق النقبة ولكن الفنان مقيد بالقاعدة السابقة فيرسم الثوب الثقيل فوق النقبة ولكن outlines بخطوط خارجية فتظهر النقبة واضحة ايضا كما لو كان الثوب شفافا وهنا اكرر الفنان يرى الفرعون متدثرا بثوب ثقيل امام عينيه ولكنه لايستطيع تصويره على هذه الحالة لانه مقيد بالقاعدة السابقة وانما هو يصوره في كامل لياقته
وفي نفس الوقت يصور الثوب الثقيل بالخطوط الخارجية الدالة عليه فتظهر النقبة العامل الاساسي في الشعائر الدينية من تحت الثوب… والمصريون العاديون كانوا يرتدون الملابس الشتوية لاجدال في ذلك… فقد كانت ملابس طويلة تتخذ شكل المعاطف التي تمتد من الرقبة حتى تصل الى القدمين وهي ظاهرة معروفة منذ بواكير العصر التاريخي وراجع لذلك كتاب Quibel, Hierakonpolis, I, Pl. 41 وتظهر في مقبرة ببني حسن في عصر الدولة الوسطي نرى فيها امير الاقليم واثنين موظفين كبار وهم جلوس يرتدون هذه المعاطف وراجع لذلك كتاب Newberry, Beni Hassan I, Pl. 29 وهناك صاحب مقبرة في سقارة ترجع للاسرة السادسة يظهر بهذا المعطف الثقيل وراجع لذلك Capart, Une rue de tombeaux a Saqqarah, I, Pl. 13f. 16 بل اني اذهب الى ابعد من ذلك واقول ان لدينا نماذج منها عثر عليها فلندرز بتري في حفائره في دشاشه Petrie, Deshasheh, p.31&Pl.35 كما عثر عليها العالم الفرنسي شاسيناه في حفائره
Chassinat, Fouilles d’Assiout, Pl. 33 والغريب ان يفسرها هنز بونيت على انها ثياب نوم او نوع من اردية الموتى ولم يقل ذلك الا لكونها لم تظهر في رسومهم وراجع H. Bonnet, Die aegyptische Tracht bis zum End des Neuen Reichs, Leipzig, 1917, p. 61. ومن الجدير بالذكر ان المرجع الاخير هو عمدتنا في موضوع الثياب عند المصريين… وهكذا نرى انهم كانوا يتدثرون بالثياب الثقيلة ولكنهم اغفلوا تصوير تفاصيلها نقشا ورسما نزولا على قواعد الفن لديهم لكن ذلك لم يعجزهم فصوروها في تماثيلهم فكانوا يظهرون في تماثيل كثيرة متدثرين بثياب ثقيلة ليس لاسباب دينية او شعائرية دائما
وانما هم كانوا بشرا مثلنا من حقهم ان يظهروا بمعطف غال او نفيس ويسجلون ذلك في صورة مجسمة هي التماثيل ولدينا منها الكثير الذي يثبت ذلك ولابأس عليه ان يبعث فى العالم الاخر على هذه الصورة بعد ذلك وقد نأى بنفسه عن قواعد الفن الصارمة فيما يتعلق بالرسم او النقش على الجدران … وارجو ان اكون اوضحت بعض الشيئ هذا الامر الملغز الذي شغل الناس الايام الماضية وألقاكم على خير ان شاء الله.