مختار محمود
عشية وفاة الكاتب الصحفي الكبير ياسر رزق..كان إبراهيم عيسى يوجِّه عبر برنامجه المذاع على شاشة “القاهرة والناس” مدفعيته الثقيلة ضد مُنتقدي فيلم “أصحاب ولا أعز”، ووصمهم بكل سوء، بل وتطرَّف في إساءاته واتهمهم جميعًا، دون استثناء أو تمييز، بالانتماء إلى التيارات المتشددة والتنظيمات الإرهابية.
الإعلامي المثير للجدل لا يمسك العصا من المنتصف، لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا، يُلبس الحق ثوب الباطل، ويُلبس الباطل ثوب الحق.
يدين “هيما” لهذا المنهج الشيطاني بالولاء والبراء والسمع والطاعة، فلولاه ما غلا سعره وأصبح مطلوبًا في الفضائيات الأجنبية والمحلية، بعدما كان نسيًا منسيًا في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك.
“عيسى” الذي يُنكر المعلوم من الدين بالضرورة، ويطعن في السنة النبوية الشريفة، ويُضعف حديث أركان الإسلام، ويتطاول على صحابة الرسول الكريم، وينفي مشروعية خطبة الجمعة
وناضل مع أقرانه لإجهاض مشروع مسلسل رمضاني عن سيف الله المسلول خالد بن الوليد، ويهزأ بإمام الدعاة إلى الله الشيخ محمد متولي الشعراوي، ويشتاط غضبًا عندما وجد صيدلانيًا يقرأ القرآن الكريم، ينتفض غاضبًا ضد منتقدي الفيلم، ويهب واقفًا لإحدى بطلاته؛ احترامًا وتقديرًا وتوقيرًا..خسر البيع يا ابن عيسى وربِّ الكعبة!! المثير في الأمر.. أنه في صباح هذا اليوم “الأربعاء الماضي”..كانت جريدة البيان الإماراتية تنشر آخر مقالات الصحفي الكبير ياسر رزق، الذي شمت الإخوان وكثير من السلفيين في رحيله المباغت، حيث طرح الراحل من خلاله وجهة نظره في الفيلم المذكور والمحتوى الذي تقدمه المنصة الأمريكية “نتفليكس” وشبيهاتها، ودورها الاستعماري في غزو العقول.
قال الكاتب الراحل إلى رحمه ربه في مقاله الأخير المُعنون بـ”غزو الأوطان وغزو العقول”: “مع ظهور المنصَّات التلفزيونية الأجنبية المدفوعة خلال العقد الأخير، وتعاظم تأثيرها بعد تفشي جائحة كورونا، وإغلاق دور السينما، وانكفاء أفراد الأسر أمام تلك الشاشات يقلبون في الأفلام والمسلسلات
بدأ الإنتاج الفني يتجه إلى الإساءة لرموز وطنية، والإقلال من شأن كفاح الشعوب ضد الاستعمار، وتحبيذ دعاوى تضرب في أسس العقائد؛ سعيًا لتلفيق دين مسخ هو «فرانكشتاين» الأديان، وترويج أفكار وسلوكيات تتناقض مع الفطرة السليمة للبشر”، مردفًا: “وبالأسلوب نفسه وهو التفجير من الداخل، انتهجت تلك المنصَّات، ومن أبرزها: منصة نتفليكس، أسلوبًا مستحدثًا، هو إنتاج أفلام ومسلسلات عربية، بفنانين عرب، تتناقض مع القيم العربية،
وتغزو العقل العربي بمفاهيم لا تجد غضاضة في التعايش مع الخيانة الزوجية، والتغاضي عن انحراف الأبناء، وصولاً إلى تقبل المثلية الجنسية..وليس: فيلم “أصحاب ولّا أعز“، هو الأخير في تلك السلسلة الممنهجة”. واستطرد “رزق” بكلمات قاطعة وعبارات بليغة، تعكس فطرة سليمة، لم يدنسها البحث عن المال والشهرة ولا “ركوب الترند”، حيث كتب رحمه الله: “حرية الإبداع ليس معناها أنها بلا سقف، فتكون وسيلة للإساءة إلى المعتقدات، وقيم المجتمعات، أو لإذكاء الفتن بين الشعوب”، مشددًا على أن “صعوبة حظر هذه الأفلام لا تعني الاستسلام دون مقاومة، لما يُراد أن يُفرض علينا من أفكار تضرب في صلب قيمنا ومعتقداتنا”.
لم يكتفِ “رزق” باستعراض جوانب الأزمة، بل طرح في ختام مقاله الأخير حلولاً لها، مطالبًا بـ”تضافر التعاون بين الجهات الإعلامية المسؤولة في مصر والإمارات والسعودية تحديدًا، لإنشاء منصَّة كبرى ذات قدرات اقتصادية، تسمح لها باستثمار القوى الناعمة العربية في إنتاج أعمال فنية عدة، بل وإنتاج أفلام بممثلين ومخرجين أجانب بارزين لهم شهرة عالمية، تنقي الصورة الذهنية النمطية للدول والشعوب العربية والإسلامية”، ومحذرًا من “أن غزو العقول أخطر من غزو الأرض، وأن القوة الناعمة في أحيان كثيرة أشد تأثيرًا على الشعوب من قوة السلاح”.
هذا ما خَطَّه واختتم به حياته كاتب كبير وصحفي استثنائي في وزن ياسر رزق- رحمه الله- بشأن أزمة الفيلم المُثارة والتي لن تهدأ أصداؤها أو تضع أوزارها في القريب العاجل، فهل كان الراحل ياسر رزق عدو الإخوان البارز إخوانيَّ الهوى أو سلفيَّ المزاج، كما يدَّعي إبراهيم عيسى على رافضي الفيلم ومنتقديه، أم إنه الكذب والتدليس والتزييف الذي يُتقنه “هيما” وأقرانه التنويريون الذين يناهضون الفطرة الإنسانية السليمة، فطرة الله التي فطر الناس عليها؟