الثلاثاء , نوفمبر 19 2024
المستشار خالد السيد

الفساد… أسبابه.. تداعياته.. سبل مكافحته .

المستشار خالد السيد
المحامي بالنقض والدستورية والإدارية العليا

إن الفساد مشكلة بل معضلة شديدة التعقيد، متعددة الجوانب، تتداخل أسبابها وظروف نشوئها ومبررات استمراها.
إن الفساد هو الانحراف بالسلطة الممنوحة عما قصد من اعطائها لتحقيق مكاسب غير مشروعة، فالفساد كمصطلح يغطي مجموعة واسعة من الممارسات السياسية والاقتصادية والادارية المشبوهة والمريبة، ويشمل مساحة واسعة من الاعمال والتصرفات غير الشرعية، فهو ظاهرة معقدة تتشعب اسبابها وتتنوع اثارها.


وللفساد أسباب متشعبة ومتداخلة ومعقدة منها انحلال البناء القيمي وضعف الضوابط الاخلاقية في مؤسسات الدولة والمجتمع، تغليب المصلحة الفردية على المصلحة العامة، الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، غياب المساءلة، وهذا الغياب إما غيابي قانوني أي أن المنظومة القانونية لا تتضمن تنظيمًا لآليات المساءلة، وقد تكون المساءلة منظمة قانونًا ولها وجود في المنظومة القانونية ولكنها غير فاعلة ولا تؤدي دورها المرجو منها، اختلال موازين توزيع الثروة على أفراد المجتمع، البحث عن مصادر غير مشروعة لزيادة الدخل.


وللفساد تداعيات مدمرة متشعبة ومتعددة أهمها زعزعة الاستقرار الاقتصادي وعرقلة النمو وزيادة الفقر والعجز عن مكافحته، وارتفاع أعباء توفير الخدمات العامة، أو على الاقل التوزيع غير العادل لها، أو تردي جودتها، عزوف الاستثمار الاجنبي عن الاستثمار داخل البلاد، الحد من نشاط الفرد وجهده حينما يدرك أنه لا سبيل لتحقيق الأهداف في ظل وجود طرق ملتوية سهلة وقصيرة.


إن الفساد ظاهرة تتطلب مواجهتها اتباع استراتيجية شاملة متكاملة سياسية وادارية ومجتمعية ووقائية واقتصادية ثم قانونية عقابية في نهاية المطاف.


إن أول خطوة لمكافحة الفساد هي تنمية المنظومة القيمية الدينية في المجتمع وبث المدركات الاخلاقية والثقافية بين عموم المواطنين، وزيادة الوعي بمخاطر الفساد، ويتم ذلك من خلال المؤسسات التربوية والمجتمع المدني وأجهزة الاعلام ورجال الدين والمفكرين والمصلحين ممن يمكن الاستعانة بهم في خطة منظمة مدروسة.


كما أن التشريعات تعد أهم وسائل مكافحة الفساد على الاطلاق، لأن التشريع هو الاساس الذي تبى عليه كل مفاصل ووسائل مكافحة الفساد الأخرى، فالشفافية لا يمكن اقرارها والعمل بها الا بقوانين وتشريعات تنظمها وتفرضها، وضمان ظروف النزاهة لا تنهض بها الا القوانين، وانشاء المؤسسات الفاعلة في الحد من الفساد والقضاء على بعض صوره لا يقع الا بتشريع.

فالعمل على اصدار تشريعات محكمة وواضحة تسد مخارج الفساد ومداخله تتطلب القيام بدراسات لبعض أهم صور الفساد المتفشية وايجاد الحلول لها وترجمتها بقوانين، واصدار القوانين اللازمة لتجريم كل صور الفساد ووضع جزاءات صارمة وعقوبات رادعة لمرتكبي جرائم الفساد عمومًا، واعتماد استراتيجية تمنع وتحد من النصوص التي تعطي حصانات قانونية من الملاحقة الجزائية لمرتكبي جرائم الفساد مهما كانت مناصبهم أو طبيعة اعمالهم.


كما يجب أن يخضع كل من يتولى منصبًا في الدولة لعملية مساءلة من قبل الجهات التي قامت بتعيينه أو اختياره، والمساءلة هي وضع كل من يتولى منصب أمام مسؤولياته وايجاد نظم لمراقبة ادائه وبخاصة في حال التقصير في الاداء او التخلف عن الاداء، وقد عرفها برنامج الأمم المتحدة الانمائي على أنها الطلب من المسؤولين تقديم التوضيحات اللازمة لأصحاب المصلحة حول سبل استخدام صلاحياتهم وتصريف واجباتهم والاخذ بالانتقادات التي توجه اليهم وتلبية المتطلبات المطلوبة منهم وقبول المسؤولية عن الفشل او عدم الكفاءة او عن الخداع او الغش.
وقد صادقت مصر على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد في عام 2005، كما أن قانون العقوبات المصري يجرِّم الرشوة الإيجابية والسلبية ومحاولة الفساد وإساءة استخدام المنصب واستخدام الموارد العامة لتحقيق مكاسب خاصة والابتزاز، وعلاوة على ذلك يجرم قانون مكافحة غسل الأموال لعام 2002 والتعديلات اللاحقة غسل الأموال.
وقد ناقشت ندوة تحديات الفساد واثاره السلبية على المجتمع والتي أقامتها الأكاديمية العربية الدولية بالتعاون مع قطاع التنمية الإدارية والموارد البشرية بوزارة الطيران المدني، وتحت رعاية معالي الطيار/ محمد حسام كمال وزير الطيران المدني وبحضور الشركة المصرية العربية الدولية للمحاماة والتحكيم الدولي المنعقدة بتاريخ 31/ 1/ 2016م أسباب ظاهرة الفساد واثاره وسبل الوقاية والمكافحة ودور الهيئة الرقابية الإدارية في مكافحة الفساد.


وفي النظام السعودي بعد الاطلاع على المادة الثامنة والخمسين من النظام الأساسي للحكم الصادر بالأمر الملكي رقم أ/90 بتاريخ 27/8/1412هـ، وبعد الاطلاع على الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، وبعد الاطلاع على نظام الوزراء ونواب الوزراء وموظفي المرتبة الممتازة الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/10 بتاريخ 18/3/1391هـ، وبعد الاطلاع على الأمر الملكي رقم أ/14 بتاريخ 3/3/1414هـ، تم إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بتاريخ 13/4/1432هـ.
إن المعركة ضد الفساد هي نضال طويل الأمد يتطلب تعهدًا دائمًا بتغيير السلوك على جميع الأصعدة، فالمعركة ليست معركة الجهات المتخصصة في مكافحة الفساد فقط بل هي واجب يجب أن يشترك فيه جميع سلطات ومؤسسات الدولة، ويساهم فيه المواطن العادي ومؤسسات المجتمع المدني بشكل فاعل لمواجهته والتخفيف من حجمه واثره.
المدير التنفيذي للشركة المصرية العربية الدولية للمحاماة والوساطة والتحكيم الدولي

شاهد أيضاً

رحمة سعيد

كيف نحمي البيئة من التلوث؟

بقلم رحمة  سعيد متابعة دكتور علاء ثابت مسلم  إن البيئة هي عنصر أساسي من عناصر …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.