بقلم : إيليا عدلي
هل هناك علاقة ما بين شباب الثورة وحوادث الطرق؟! قد يبدو للوهلة الأولى سؤالاً ساذجاً أو غريباً ! لزاماً على قائد أي سيارة أن يثبت على مساره كما ينبغي من سرعة ورزانة ، وإنتباه للطريق ومناورات صحيحة للسيارات القادمة في الإتجاه المعاكس ، والسيارات التي تريد التخطي ، حتى لو كانت سرعتها غير قانونية ، فمهمة قائد المركبة الأساسية هي الوصول بها لمقصده ، سليمة بغير حوادث أو كوارث قاتلة لا يمكن تصحيحها..كذلك الشاب الثوري الناضج يقود ثورته ، هدفه منها الوصول بها لمقصده ، والمقصد هنا هو أن تأتي الثورة بثمارها التي حددها السواد الأعظم من مناصريها..فما بالنا لو كان هناك الكثير ممن يريدون اعاقة أو قلب هذه الثورة قبل وصولها ، يحتاج ذلك قمة الإنتباه والتركيز والجهد.
الثورة هي نار غاضبة ومندفعة وسريعة فائرة في بدايتها ، ولكن في مراحلها الوسطى والمتأخرة تحتاج إلى الهدوء ، لدخول الكثير من الحسابات السياسية والثورية التي تستجد وتتوالد.
الثورة تدفع نظاماً ثقيل الوزن جداً لا يستطيع تحريكه إلا قوة أغلبية الشعب بوزنه الثقيل ، ولا تستطيع فئة وحيدة أو حزب أو جماعة أو تيار فعل ذلك منفرداً ، كذلك الثورة الحقيقية..هي صاحبة السبيل السلمي الأخلاقي اللاطائفي اللاإثني التي تؤمن بالمواطنة والمساواة ليشارك الجميع بقيادتها ودفعها للأمام.
ما حدث بثورة 25 يناير هو ذروة فوران الثورة وضجتها وتضحياتها واندفاعها وهفواتها وبراءة شبابها وصدقهم ونقاءهم ، الذي نتج عنه سرقة الثورة وانحرافها الشديد عن مسارها ، كما تنحرف بك السيارة عن الطريق الممهد إلى طريقاً صحراوياً مليئاً بالمطبات والغبار ، ما أسهل وأكثر حوادث السيارات في طرق كهذه بفعل سوء الطريق أكثر من إهمال قائد المركبة.. وسريعاً ما انضم الشعب بكل ثقله وقوته إلى شباب الثورة كما تملأ إناء العجين بالدقيق فوق الخميرة القليلة ليختمر الجميع ، فشباب الثورة هم الخميرة الصالحة التي بدأت ووراءها الكل..وكانت ثورة 30 يونيو التي جاءت لتصحيح مسار الثورة لتعود إلى الطريق الممهد المنشود ، وهي ليست منفصلة عن 25 يناير ولكنها إكمال المسيرة والانتقال لمرحلة أخرى للثورة.
مع ثورة 30 يونيو اكتسب الثوار خبرة وتجربة وحكمة ونضج ، من خلالها عرفنا من خان ومن استحوذ ومن انسحب ومن اندس. فهمنا من يترصد لمركبتنا ومن اتلف فراملها عمداً لتصطدم أو تنقلب، ولازال أعداء الثورة الحقيقية يغيروا جلودهم كالحرباء ، ويرتدي الذئاب ثياب الحملان بكل فجاجة وبجاحة ، لذا نحن بحاجة إلى الانصاف والموضوعية في تقييم النظام الحالي الذي اختاره اغلبية الشعب وقالت له الصناديق “نعم” ، هو ليس نظاماً مثالياً ولا معصوماً ، بل هو ثوب به الكثير من الثقوب ، ولكن مساندته في هذه الظروف حماية من سقوط دولة. ليس معنى مساندة النظام الحاكم هو التطبيل له بل على العكس ، يجب نقده ومراقبته واظهار سلبياته ، وفي نفس الوقت انصافه وشكر ايجابياته ، وعدم الانعطاف الشديد يميناً أو يساراً بما يعرض مركبة الثورة للتحطم..الثورة مستمرة عاقلة ناضجة سلمية.