الأحد , ديسمبر 22 2024
الدكتور عاطف معتمد

نفر ما فى كويس !

في عام 2004 وصلت إلى مدينة الأحساء في شرق السعودية للتدريس في جامعتها بقسم الجغرافيا.

انضممت إلى 5 أو 7 من الزملاء المصريين القدامى الذين يستقلون سيارة ميكروباص خاصة تمر عليهم أمام مساكنهم، تأخذهم في السابعة صباحا مع أولى المحاضرات وتعيدهم في نهاية اليوم نظير اشتراك شهري بسيط للغاية.

كان سائق الحافلة شاب هندي حديث الزواج، هاجر من موطنه في ولاية كيرلا التي كنت أقرأ عنها في كتب الجغرافيا والأساطير.

كنا ننادي هذا الشاب الذي يقود سيارتنا المشتركة باسم “زين”.

لا علاقة لهذا الاسم باسمه الحقيقي الطويل المعقد الذي اطلق عليه في موطنه في كيرلا.

يختار الهنود في دول الخليج والسعودية أسماء قصيرة ذات دلالة، فكلمة “زين” ليست في الحقيقة اسما بل هي رد شائع في السعودية يقابل في مصر كلمة “جميل” أو “ماشي” أو “عال العال”.

توطدت علاقتي بزين الذي كان في مثل عمري تقريبا، كنت أصغر الركاب سنا وأبعدهم في السكن، وقد أتاح لي هذا أن أتخير المقعد المجاور لزين في قمرة القيادة وأسأله عن كيرلا وأهلها.

اللغة كانت العائق الوحيد بيني وبين زين، لم يكن يعرف من العربية سوى كلمات قليلة أشهرها “في” أو “ما في” علاوة على كلمة “كويس” المصرية التي تعلمها منا، وأي إنسان عند زين (من رئيس الجامعة حتى ساعي البريد) يسمى نفر.

بعد عام رزق زين بمولود، وفي طريق العودة أخبرني بالأمر وسألني: هل تعرف الاسم الذي اخترته للمولود؟ فتعجبت وضربت له عدة تخمينات نفاها جميعا بابتسامته العذبة.

ثم قال لي فيما معناه ” أنا أسميته عاطف”! سألت زين وأنا لا أصدق نفسي من السعادة “ولماذا اخترت له هذا الاسم؟ فأجابني “نفر في كويس !”.

شعرت بسعادة غامرة وكان كلما ركب معنا أحد من الزملاء المصريين أحكي له القصة وأخبره أن زين أعطى اسمي لمولوده الجديد.

فرح زين بحكايتي في اليوم الأول، وفي اليوم التالي حين حكيتها لزميل من قسم اللغة العربية لم يعد زين يهتم بها، وفي اليوم الثالث وبينما أحكي القصة لزميل في قسم التاريخ ركب معنا ولم يكن قد سمع بالأمر فاض الكيل بزين ونظر إلى في المرآة بينما اتفاخر بينهم باسمي وقالي لي:”على فكرة… عاطف اسم في كويس ..بس نفر ما في كويس”.

شاهد أيضاً

“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “

بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.