الثلاثاء , نوفمبر 19 2024
الكنيسة القبطية
نانا جاورجيوس

بدعة آريوس وكيفية تصدى التعاليم الأرثوذكسية لها

ويرمز لبدعة آريوس بـ « شق ثوب المسيح»، كما رأى البابا بطرس خاتم الشهداء البابا الـ17 رؤيا أثناء سجنه، وشاهد فيها السيد المسيح واقفاً بثوبٍ ممزقٍ، فقال له: «من الذي مزّق ثوبك يا سيدي»، قال «آريوس» فحاول البابا إرجاع آريوس عن معتقده الخاطئ وكان شماساً مكرّساً فلم يرجع، وإستمر في بدعته للنهاية، وعندما نال البابا بطرس خاتم الشهداء أكليل الشهادة، وتولى بعده تلميذه أرشلاوس الكرسي.

فحاول أريوس وتظاهر بالتوبة و بالرجوع عن معتقده الخاطئ ، حتى أن البابا صدق حيلته فحالله بعد أن كان محروماً من الكنيسة على يد البابا بطرس، فرقاه البابا أرشلاوس من رتبة شماس مكرّس لرتبة كاهن، ولم يدم البابا أرشلاوس على الكرسي سوى ستة أشهر وتنيح.

فأتى بعده البابا ألكسندروس البطرك الـ19 و أكد على« مساواة الآب لأقنوم الإبن الكلمة في جوهر لاهوتي واحد»، ليؤكد ويشدد على الإيمان الصحيح ضد بدعة آريوس، وهو الإيمان الصحيح الذي حمله في قلبه وعلى عاتقه أثناسيوس الرسولي طيلة خدمته منذ أن كان شماساً، وهي العبارة التي أضيفت في قانون الإيمان النيقاوي «مساوي للآب في الجوهر» حيث إنكر آريوس إلوهية السيد المسيح متأثراً بالفلسفة اليونانية، وأعتبر أن الإبن الكلمة المتجسد الذي هو«اللوغوس – λόγος »وهي كلمة يونانية بمعنى« الكلمة » ومأخوذة من الفعل

« ينطق» و« النطق المعقول- العقل المنطوق به» ومن هنا جاء معنى« الكلمة» بمعني «عقل الله الناطق أو نطق الله العاقل»، و هي كلمة تقابل لقب «الإبن»، وقد إعتبر آريوس « اللوغوس الكلمة » إله مخلوق وليس من جوهر الآب، وأنه كائن وسيط بين الآب وبين العالم المخلوق، لأنه لا يليق بالله أن يتصل بالخليقة عن طريق التجسد لأنه أسمى من أن يكون له علاقة وإتحاد لاهوته مباشرة بطبيعة إنسانية مخلوقة ! فاللوغوس عند آريوس أقل مرتبة من الله الآب ! وهذا اللوغوس فقط أداة لخلق العالم.

وإن كان المسيح هو الخالق للعالم وكائناته كما يقول الإنجيل:«كل شيء به كان وبغيره شيئاً مما كان»«يو1: 3» و« كان في العالم، وكون العالم به…» «يو1: 1» و «الذي به أيضاً عمل العالمين»«عب1:1و أيضًا :« فإن فيه خلق الكل، ما في السموات وما على الأرض، ما يرى وما لا يرى، سواء كانوا عروشًا أم سيادات أم رياسات أم سلاطين.

الكل به وله قد خلق .»«كو1: 16» و:« ورب واحد: يسوع المسيح، الذي به جميع الأشياء، ونحن به»«1كو8: 6».

فالسيد المسيح هو صورة الله غير المنظور :«الذي هو صورة الله غير المنظور بكر كل خليقة»«كولوسي1: 15» وهو كديَّان للبشرية فى مجيئه الثانى قال أنه سيأتي في مجده ومجد أبيه، فالمجد الإلهي واحد في الطبيعة الإلهية للآب والإبن ، وأحيانا كان يقول أنه سيأتي في مجده فقط، مما يدل على أن المجد الإلهي للاهوت إلهي واحد متحد الأقانيم:«ابن الإنسان متى جاء بمجده ومجد الآب والملائكة القديسين »«لوقا9: 26 »

وأيضاً: «فان إبن الإنسان سوف يأتي مجد أبيه مع ملائكته وحينئذ يجازى كل واحد حسب عمله»«مت 16: 27».

والإنجيل نص صراحة على مساواة الآب بأقنوم الإبن حيث قال:« الذي إذ كان في صورة الله، لم يحسب خلسة أن يكون معادلا لله، لكنه أخلى نفسه، آخذا صورة عبد، صائرا في شبه الناس»« فيلبي2: 6».

فلماذا الآب مساوٍ للإبن، لأن لاهوت الله لا ينقسم ولا يتجزأ ويملأ الوجود، لهذا الإبن الكلمة المتجسد كما يقول الإنجيل:« فيه يحلِّ كل ملء اللاهوت جسدياً »« كلوسي2: 9» والسؤال:« إن كان الإبن الكلمة الأزلي هو الخالق قبل تجسده الإلهي ومعادلاً لله وحل فيه كل ملء اللاهوت جسدياً.. فكيف يكون أقل مرتبة من أقنوم الآب كما إدعت الآريوسية؟!» هذه هي العقيدة الصحيحة عن طبيعة لاهوت الإبن الكلمة كما أعلنها الإنجيل وتنبأت عنها التوراة عن المسيا المتجسد و حفظت العقيدة طقساً حياً عايشته كنيسة الرسل ورسختها التعاليم الأرثوذكسية منذ التسليم الرسولي وتناقله لنا الآباء بحرص وأمانة وتشديد حتى وصل إلينا.

لهذا أي تعليم دخيل يتم كشفه لأن الإيمان تعاليمه ليست نظرية وليست محفوظة ومدونة فقط، بل طقوس إيمانية حية تمارس، لهذا يخبرنا المؤرخ الكاثوليكي «شاف – Philip Schaff» أن آريوس كان شاعراً ومرنماً وموسيقياً ومبدعاً موهوباً أستطاع أن يدس هرطقته في عقول الناس وفكرهم وإيمانهم وكان يمررها إليهم ضمن تراتيله بطريقة سهلة الحفظ وتداولتها الناس وإنتشرت هرطقته ! ولولا كنيستنا الحيّة و تعاليمها المُعاشة تتناقل تعاليمها الإيمانية في طقوسها وحفظت لنا الإيمان، وتصدت لهذه التعاليم الغريبة لكانت إندثرت التعاليم الصحيحة وسادت الهرطقات.

ويذكر لنا المؤرخين كيف مات آريوس موت غريب بإنسكاب أحشائه من بطنه في الحمام، ومات مفصولاً عن حياة الشركة بالكنيسة الأرضية فحرمه الله من حياة الشركة السمائية.

هذا هو الإيمان بتعاليمه الأرثوذكسية وسلامة فكرها الكهنوتي والسرائري منذ عهد التلاميذ، وكما حفظه و حماه أثناسيوس بمجمع نيقية وأكمل مجمع القسطنطينية قانون الإيمان لتحافظ كنائس العالم على الإيمان الصحيح كما تسلمته الكنيسة الأولى من تلاميذ الرب يسوع و القديسين.

حيث كان أثناسيوس الرسولي محاوراً قوياً لم يهب أحد ، حتى قيل له « العالم ضدك يا أثناسيوس» فقال لهم« وأنا ضد العالم», و إحتمل آلاماً كثيرة ونفى كثيراً وأثناء نفيه بأوروبا جذب نفوس كثيرة من الوثنيين للمسيح. كان خلالها كرسي روما والإسكندرية متحدان في كنيسة واحدة.

ساد العالم مسيحية آريوس إلا الكرسي المرقسي السكندري الذي حافظ على الإيمان الصحيح، وعلينا نحن أيضاً أن نحفظ إيماننا كما تسلمته كنيستنا الأولى مهما كلفنا من ثمن، لأنه ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس.

شاهد أيضاً

رحمة سعيد

كيف نحمي البيئة من التلوث؟

بقلم رحمة  سعيد متابعة دكتور علاء ثابت مسلم  إن البيئة هي عنصر أساسي من عناصر …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.