الجمعة , نوفمبر 22 2024
الكنيسة القبطية
نانا جاورجيوس

متحرشون لكن متدينون بالفِطرة !

نانا جاورجيوس

وكمْ ذا بمصرَ من المُضحِكاتِ ولكنه ضَحكٌ كالبُكاءِ، وكم رأينا قطيع من وحوشٍ همجية مفترسة بصورة أشباه من بشر، و رأينا كيف يرتدي الإنحطاط الأخلاقي ثوب تدين الفطرة ويمارس طقوسه على مذبح شرف إمرأة تُقدم بكل مرة كقربان من لحم حيَّ ! فالمضحك و المبكي أن يصير المصريين أكثر شعوب العالم تديناً بالفطرة كما أصدرت مؤسسة غالوب الأمريكية لإستطلاعات الرأي تقريرها عام 2009، فهل هي مصادفة أن نكون أكثر الشعوب تديناً بالفطرة، في حين تصدر الأمم المتحدة تقرير إحصائي مصوَّر عام 2013 بأن 90% من نساء مصر يتعرضن للتحرش في الشوارع والأماكن العامة والجامعات و وسائل المواصلات ؟!

نعم لا توجد إمرأة بمصر إلا وتعرضت بطريقة ما للتحرش يصل حد الإغتصاب أحياناً، ولكن هذا لا يمنع أننا شعب متدين! وكلما زاد تديننا وغطّى الرجل إمرأته ونساء بيته كلما لهث خارجه عن مفاتن المرأة! فأكبر نسبة تحرش عالمياً بالإناث سجلتها أفغانستان التي تغطت فيها المرأة تماماً كأكياس الزبالة من شعر رأسها لضافر قدميها، تلتها بالمرتبة الثانية المرأة المصرية، بحسب تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان بمصر!

فالمسألة أبداً لم تكن لها علاقة بملابس المرأة، بل تفشي فكر مريض و موروث ثقافي طفا على السطح في هيئة تدين نتيجة للفتاوي الجنسية المخجلة التي منحت المرضى والموتورين والمهووسين من الذكور حق ملاحقة المرأة لأنها كائن مركوب بنظرهم، فآدميتها لديهم إنحصرت بكونها مجرد جسد لمتعة الرجل! وصل هذا الفكر حد أنه عندما تتعرض إمرأة للتحرش وتصرخ ألماً و معاناةً نفسية وجسدية للإستغاثة بنخوة الرجولة، فتتجمع الناس ليلقون باللوم عليها ويعنفونها ويصبون جام سخطهم عليها بأبشع الألفاظ النابية وعبارات التشفي الذكورية للإجهاز عليها نفسياً ومعنوياً وأدبياً، و ردهم العقابي دائماً جاهز:«إيه إللي خرّجها من البيت تشتغل.. إيه إللي ودّاها التحرير تتظاهر»

لا لشيء سوى أنهم يرتكبون الفعل ذاته ويرون أن هذا حقهم. حق منحه لهم تجار الدين وشيوخ الفضائيات التي تعبث ليل نهار بفكر الشباب المكبوت جنسياً والغير قادر على الزواج لحالته المادية وفقره وإنتشر تعاطيه للأقراص المخدرة، فأصبحنا مجتمع يحكمه الخطاب الديني مخلوط بموروث ثقافي منحرف يقلل من مكانة المرأة ويحتقرها ليجعلها مجرد آلة للجنس الذكوري، وسط فتاوي برهامية لتحريض الرجل لأن يستندل ويترك زوجته لمغتصبيها حفاظاً على النفس! فغاب مفهوم النخوة والكرامة والشرف والتعفف؟! لهذا غالباً ما تصمت الضحية خوفاً على سُمعتها وسُمعة عائلتها ليضيع حقها بمجتمع به تقصير أمني، فأفراد أمنه هم مكون يحمل نفس فكر مجتمعهم ونفس الثقافة الذكورية، فقليلاً ما نجد رجال أمن تتصدى للمجرم وتنتزع منه الضحية كما حدث لآخر ضحيتهم بالتحرير ليلة الإحتفال بتنصيب الرئيس السيسي وانقذها الضابط الشهم الذي لم يستمع لفتوى الشيخ برهامي وقام بواجبه الوطني!

تفشت ظاهر التحرش والإغتصاب بمجتمعنا المتدين و المقهور في آن واحد، فالتحرش معناه ممارسة القهر والإذلال بمجتمع تشوه فكره وثقافته. وتركيبة المتحرش النفسية والفكرية دائماً ما تؤهله وتدفع به للتحرش حد الإغتصاب لأنه يشعر بأنه الطرف الأقوى والأنثى هي الأضعف

وقهر المرأة في الفكر الذكوري ليس وليد ثوراتنا الميمونة بل موروث فكري واتته اللحظة ليتعرى و تسقط عنه ورقة التوت مع مظاهرات المتأسلمين والمساحات الفضائية التي منحت لهم لغظهار فكرهم الديني فمنحتهم الفوضى الخلاقة الفرصة والمساحة ليطفو كل قبح فكرهم على السطح، ولكنه فكراً كامناً و مخزوناً بذاكرة الثقافة لمجتمع ذكوري تشرب فكر فتاويهم الجنسية التي تبث ليلاً و نهاراً على قنواتهم للتحقِّر من المرأة وأنها عورة وناقصة عقل ومركوبة وأشد فتنة على الرجل. فهي كائن متدني ومن واجب الرجل ضربها و كسر ضلعها و أن تلعنها الملائكة حين تعصى رجلها !

كل هذا مُخزَّن بذاكرة مجتمع حتى أصبح موروث ثقافي إنتشر كالنار بالهشيم حين ظهرت تجمعات البشر عبر التظاهرات، فمجتمعنا الذكوري الميمون لا يأخذ من التدين إلا ما يغذي نصفه التحتاني! وصل حد أن إنفجر كبت المرضى و المصابين بهوس التدين وكلما إرتكب أفعاله المشينة ضد إمرأة بالخارج هرع لبيته ليغطي نسائه حفاظاً عليهم وخوفاً من أن يرتكب أخرين بحقهم ما يفعله هو بالنساء الأخريات! نحن تربية ثقافة مشايخ نحتت بذاكرتنا شعار«الرجال قوامون» لتحريض الرجل على زوجته والأخ على أخته، والأب والأم يستقون بالإبن على إبنتهم! فتربي الولد على أن يفعل ما يشاء خارج البيت بينما البنت بنظر مجتمعها تقاس أخلاقها وتدينها وحريتها وسلوكها وأفعالها بمعيار ذكوري!

وكأن ما يفعله الولد خارج البيت لن يطول أخته أو أمه أو زوجته من الأخرين الذين يحملون نفس الثقافة والفكر! فأصبحت المرأة يوماً عن يوم مثقلة بأعباء حملها لها المجتمع فقيّد حريتها بالبيت وخارجه، مجتمع إضمحلت فيه الشهامة والرجولة وبرزت فيه الذكورة والفحولة! فأصبح مجتمعنا متدين بالفطرة و مقهور أيضاً بالفطرة، يمارس فيه المتدين الأقوى العنف والتحرش والإغتصاب بأشكاله ويعطي لنفسه كامل الحق لممارسة تدينه وذكوريته ضد المتدين المقهور والتي هي الأنثى. حد أن أصبحت المرأة المقهورة نفسها – والتي هي كائن درجة ثانية – تساعد الرجل في نشر فكره، فرجولته لا تترجمها إلا فحولته وهي العورة والأضعف والأحقر وعليها التغطي أكثر
درءاً لفتنة الرجل المسكين الذي أصبح ضحيتها فلتساعده وتختفي أكثر تحت خيمتها السوداء! هي ذاتها المرأة المقهورة عندما تصير بموقف القوى فتتبدل الأدوار وتنقسم على ذاتها وتمارس على غريمتها الأضعف ما يمارسه الرجل فيها، كما حدث و تحرشت حرائر الإخوان بأستاذة الطب بجامعة الأزهر وقاموا بتعريتها و بتصويرها ونشر الفيديو على مواقع الإنترنيت لإذلالها وقهرها وكسر أنفها! حرائر الإخوان التى حوَّلن ميدان رابعة لماخور دعارة بإسم الدين والشرع والتغرير بالفتايات القاصرات وتأجيرهن و إجبارهن لممارسة الزنا تحت مُسمى جهاد النكاح! والسؤال، لماذا لا تتعرض المرأة للتحرش بدول الغرب الكافر – كما يصفونه متدينينا- خصوصاً التحرش الجماعي كما تتعرض له المرأة بمجتمعاتنا المتدينة من مهانة وإذلال وقهر وتحرش وإغتصاب جماعي، فالمنطق يقول إن تديننا يرفع مكانتها حقاً كما يدعي تجار الدين؟

ولكن العكس هو ما نراه الآن من إنتهاكات للمرأة بصورة يومية وفي وضح النهار وتحت الأضواء الكاشفة و وسط تبلد مشاعر مجتمع مات ضميره بالسكتة وأُعميت عينه وخرس لسانه ! جريمة متكررة مكتملة الأركان، ولكنها جريمة لا تجد الضحية فيها من يدافع عنها ويحميها من براثن الذئاب المجرمة نتيجة إنحطاط إخلاقي مجتمعي و وضاعة قيم نتيجت عن شعارات رنانة كاذبة نقنع بها أنفوسنا ونخدر بها ضمائرنا. فأصبحنا نغض الطرف عن هذه الجريمة التي تزداد شراستها كل يومٍ، فـ ساد المجتمع تيار الإنتقام الشهواني ونسّينا آدميتنا وتجردنا من مشاعر الحب، حد أن الحيوانات تتعفف أن تفعل مثلما وصلنا إليه من وحشية.لا لن نصفهم بالحيوانات فالحيوان يتميز بالعفاف و برئ مما يفعلون وهم لم يرتقوا لمستوى هذا الحيوان الذي لا يعرف أنثاه ولا يقربها إلا بالحب و بمشاعر العاطفة! جريمة التحرش أعمق مما نتصورها ولها أسباب لا تُحصى وأبعاد أخطر من كونهم جماعات منظمة تهدف لضرب الوطن و زعزعة إستقراره لعقاب شعب خرج يرفضهم ويرفض تجارتهم العفنة وشذوذ أفكارهم الغريبة عليه، و رغم أن يد الجاني واحدة منذ بداية ثورة يناير وتشير إلى أنهم هم من قاموا بكل جرائم الإغتصاب بالتحرير و بميادين الثورات لترويع الشعب، منذ أول ضحاية لهم وكانت مذيعة قناة سي بي إس نيوز الأمريكية«لارا لوجن» حين نزعوا ملابسها بالتحرير يوم11 فبراير 2011

وإعتدوا عليها جنسيا وعبثت أيديهم الغادرة بجسدها وسط ذهول فريق برنامجها وصيحات صرخاتها التي لم تشفع لها، ونتيجة صمتنا على هذه الجريمة توالت الجرائم بمجتمع غابت فيه هيبة قانونه فكانت جريمتهم الأخيرة ليلة الإحتفال بتنصيب الرئيس السيسي وإغتصاب لأم وإبنتها بالتحرير وتمزيق ملابسهم وسكب الماء الساخن على جسدهم بعد تمزيق جسدهم بالأسلحة، جريمة هزت المجتمع لبشاعتها وهناك أكثر من الخمس حالات أخرى تم إغتصابها جماعياً بتلك الليلة بحسب ما ذكر الضابط الذي أنقذ الفتاة وأمها من أيديهم وكم من حالات أخرى لم تُسجل ولم يُفصح ضحاياها عن مأساتهم وربما حالات أبشع من التي تم تصويرها بعدما أتمموا طقوس عبادتهم عليها لمدة ساعة ونصف و الأمن غير قادر للوصول إليهم لكثرة المجرمين الذي تعدى عددهم مابين الخمسين والمائة وحش كما ذكر الضابط الذي أنقذهم بعد فوات الأوان .

وبتكرار الجريمة أصبحنا نتمتع بجدارة بذاكرة السمك، نُصاب بذهول ونُصدم للحظات ثم ننسى فنعاود صدمتنا ثم ننسى!، ننسى وكأننا لم نشاهد ولم نسمع صرخات إستغاثة لفتاة أو سيدة تُغتال آدميتها وتذبح على مذبح أبناء الهلاك و تنتهك كرامتها و حُرمة جسدها بحفلة جماعية لشواذ شبه آدمية، تصير ضحيتهم وليمة لوحوش مفترسة، يفتكون بها بهوس جنوني تعجز الكلمات أن تعبر عن حجم المأساة ولحظات الرعب التي تعيشها كل ضحية! على مرأى و مسمع من مجتمع كان هو ذاته الجاني الفعلي في حق المرأة منذ نعومة أظافرها حين إرتباط مفهوم إنجابها بجلب العار للأسرة، وعليها تحمل خِلِّقتها كأنثى بنصف رجل!

وإللي يقول محتاجين نطبق الشريعة للقضاء على ظاهرة التحرش، وإللي يقول نخصي المتحرش ونعدم المُغتصِب، وإللي يقول نحن بحاجة لتفعيل «قانون التحرش»، نعم، ربما تردعهم إلى حدٍ ما هذه العقوبات وتقلل من تفاقمها وتفشيها بظاهرة مجتمعية ولكن لن تمنعها، فقبل العقاب نحن بحاجة لأن نصلح مجتمعنا من الداخل و مما أصابه من تشوه أخلاقي دميم، فعندما يحتقر رجل إمرأة ويقول لها أنها عورة وناقصة، فليفهم أنه إبن إمرأة عورة و زوج إمرأة مركوبة، وأبو فتاة ناقصة عقل، لأن نسائه ضمن هؤلاء من وصفهم بالتحقير! فنحن بحاجة لزرع قيم وأخلاق من جديد بمفاهيم تعيد لنا إنسانيتنا المنتهكة والضائعة، لأننا وصلنا لقاع المجتمعات بالضحك على أنفسنا بمقولة أننا شعب يتصف بمكارم الأخلاق والتدين ونحن أبعد ما نكون عنهما! مجتمع غطى نسائه بمظاهر تدين كاذب من الخارج وإنتزع عنها إنسانيتها حد الإنحطاط و الوضاعة وإنتزع عنها مكارم أخلاقها الحقيقية وأفقدها تدين القلب وسلبها نقاء الفكر وإغتصب طهارة سلوكها وحولها لآلة تمارس ما يُبث فيها من فكر ذكوري مريض!

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

قومى استنيرى

كمال زاخر رغم الصورة الشوهاء التى نراها فى دوائر الحياة الروحية، والمادية ايضاً، بين صفوفنا، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.