بقلم المحامي نوري إيشوع
في قريةٍ نائيةٍ قابعة في ظلال العشق الإلهي، أمضيتُ طفولتي على وقعِ أنين الألم الأرضي الذي يسرق
فرحةُ كل من يحب الحياة والإنسان والأرض المعطاة، كبرنا على صليل مناجل الحصّادات
وأناشيدهن الحماسية التي أثارت فينا
حب الأرض و الشجر وحتى الحجر، كبرنا على أصوتهن القروية المعروفة بالبساطة
وعلى أغانيهن اللواتي كنّ يبشرنَ بغدٍ أجمل و بحياةِ وردية مزركشة بالحلي المنسوجة من خيوط شمسنا
الصباحية الجميلة وتختفي بخجلِ وبغسقِ بنفسجي أحلى من عروسِ لابسة ثوب العرس الذهبي، المغطى بالمخمل.
في تلك الطبيعة الهاربة من قسوة الإنسان وعلى غفلةٍ وبدون ميعاد، أرسلها القدرُ إلي مع رياح المحبة
الحقيقة الصادقة، و أنا البريء براءة الطفولة التي لاتعرف بعد الزيف و النفاق، الحقد والرياء
كنت حينها عفيفاً عفة العذارى اللواتي أنتظرنا النور وهن حاملات مشاعلهن المملوؤة بالزيت
جاءت الينا كسندريلا تحمل في شخصها البساطة المستحيلة والكبرياء الذي يغلب عليه التواضع، أميرة
ولا كل الأميرات، منطق، جمال، صورة رائعة منحوتة في صخور المحال، إبتسامة كإنها
براعم بإطلالتها البنفسجية كالياسمين في صباحات قريتنا الجميلة، ضحكتها موسيقا قادمة
من عالم الجان، إنسانية، حب ووفاء، كإنها أجمل حقيقة في عالم الأحلام.
عشقتها من أول نظرة، غرقتُ في بحور عينيها دون شراع، أحببتُ طهارتها وأبهرني خجلها الأنثوي العذري
بادلتني حبي وعشقتني كما عشقتها فالتقت عيوننا دون خوف، تحركت مشاعرنا و أحمرت وجنتانا
لترسم أحلى لوحة روحية ولا أجمل، لتتفتح براعم عشقنا كشقائق النعمان، لتعلن منذ تاريخه، تشكيل
إتحاد روحي أبدي و الى حين قيام الساعة، إتحاداً لا تفصله نائبات الزمان، لا تفرقه المسافات الشاسعة ولا سنين الفرقة العجاف
عشقتها ولا زلت، كتبتُ إسمها على شراييني، مزجتُ عشقها مع نبضات قلبي الحزين، فبدأتُ
أعيشها حقيقة واقعة ممزوجة بوقعات الأنين، اصبح خيالها الملائكي قبلتي ولم يفارقني لحظة واحدة
ويرافقني في حلي و ترحالي، أثناء نومي و يقظتي، في فرحي و حزني، في أوج قوتي وفي ضعفي.
بادلتني حبي العذري، تحادثنا حكايات الحب والهيام دون أن نتكلم، عشنا أجمل قصة حب عذري دون أن تصارحني أو أصرحها و لكنها كانت و لازالت حبي العذري الأول و الأخير و ستبقى.
دارت الإيام و مرت السنون، بعد طول فراق إبتلعته مسافات الغربة، وبعد أن غرقت أحلامنا
في سباتِ عميق عمق سبات ضمائر الإنسانية التائهة، لكن على حين غرة و من غير ميعاد
ظهرت حبيبتي العذرية دون سابق إنذار بإطلالتها الملائكية و ضحكتها الوردية الرنانة
ونطقها السماوي الذي يبشر بغدِ عذري ولا أجمل لتقول و بثقة بإن إتحادنا الروحي هو أبدي
وعشقنا حقيقة إنسانية لا تموت رغم سنوات العمر العجاف.
أعادتني بذاكرتي الى قريتي الجميلة والتي عشقناها بسهلها و هضابها، بزرعها و ترابها، بصيفها الرائع و شتائهاالقاسي قسوة الجفاء، بشبابيكها و أزقتها، بصخبها و هدوءها.
أعادتني بذاكرتي للحظات إلتقاء عيوننا لتحرك فينا من جديد عشقِ روحي، عذري فقدناه في زمن المال
و الحرب.
هذا التلاحم الروحي جاء ليبشرنا بغدِ اجمل و بمستقبل منير، ينير قلوبنا الحزينة بنور الحب الذي لم تلوثه النزوة و لم تلمسه أهواءنا أو الشهوة.
عشقتها بالأمس البعيد وعشقتني دون أن تصارحني أو أصارحها ولكنني اليوم أعلنتُ لها حبي دون خجل بجرأتي المعهودة دو خوف أو وجل، لانه حبنا روحي، عذري وطاهر. أحببتها و سأبقى أحبها ما حييت.
حتى لو نعتتني بأبشع الصفات، شيطان، إبليس، لكنها سأحبها ما حييت وإتحادنا الروحي باٌقٍ رغم الظلم البعيد و الغد عيدنا نحن الأثنين و هم أطهر عيد.