الدكتور عاطف معتمد
أرسل لي أحد أصدقاء الصفحة الكرام يقول إنه يراجع مع حفيده مادة الدراسات وتوقف معه عند طريقة كتابة اسم هضبة “الجلف الكبير” بصحراء مصر الغربية فقد كتبته الوزارة عدة مرات ” الجُــــلف” بضم الجيم، وسألني هل هذا صواب؟ أخذا في الاعتبار أنه ينتمي لجيل عاش طيلة عمره ينطقها “الجِلف” بكسر الجيم.عدت إلى نسخة العام الحالي من الكتاب 2021-2022 وتأكدت من الأمر، ليس فقط في صفحة واحدة بل في عدة صفحات.
وتبين لي أن كتاب الوزارة قد أخطأ في كتابة الاسم، وأرجو منهم تصويب ذلك في الطبعات الجديدة وأرجو أيضا تعميم ذلك على المعلمين في المدارس بتصويب الخطأ وعدم طباعة الكتاب الحالي مجددا إلا بعد تصويب الاسم، وذلك للأسباب التالية:-
الطريقة التي كتبت بها الاسم الحالي “جُلف” ستنقل لعقل التلميذ أن في صحراء مصر الغربية هضبة تشبه ملعب الجولف الكبير، ذلك الملعب المفروش بالأعشاب والنجيل الأخضر والذي يلعب عليه الأثرياء وعلية القوم لعبتهم المفضلة في أزيائهم الملائكية البيضاء.
وغني عن البيان أن هذه الهضبة من أفقر مناطق مصر في المياه ولا تتلقى أمطارا وتتعرض لغزو كثبان رملية عديدة على الحدود الليبية ضمن البحر الواسع العظيم من الرمال المسمى “بحر الرمال العظيم”.- أننا بهذا نهدر جهود 100 سنة مضت من الدور الذي قام به المستكشفون المصريون حينما كتبوا عدة مقالات في دوريات علمية أجنبية ومصرية عن هذه الهضبة وكتبوا اسمها عشرات المرات بكسر الجيم.
وقد بدأت هذه الجهود على يد الأمير كمال الدين حسين من الأسرة الملكية في عام 1923 و سار على نهجه عدد من الأمراء (مثل يوسف كمال وعمر طوسون) منتبهين إلى أهمية تأسيس مدرسة وطنية في الجغرافيا ووضعوا تركيزهم على استكشاف صحراء مصر الغربية التي كانت تعرف اصطلاحا في تلك الفترة باسم الصحراء الليبية. ولقد جاءت رحلات الأمير كمال الدين حسين في أعقاب ما توصلت إليه قوات الجيش البريطاني خلال احتلال مصر وحملاتها على استكشاف الصحراء الغربية خاصة أن الإيطاليين حين كانوا يحتلون ليبيا في الحرب العالمية الأولى هاجموا مصر من عدة محاور من الغرب ولا سيما من جهة واحة الكُفْرة القريبة من هضبة الجــِلف الكبير.
جاء استكشاف الأمير كمال الدين حسين استكمالا لما قام به رجل القصر الملكي السياسي الداهية الماكر والجغرافي الرحالة “أحمد حسنين باشا” الذي قام برحلات إلى هذه الصحراء وجبل العوينات.
وخلال هذه الرحلات التي مضى عليها 100 سنة كانت الأوصاف تشير إلى الهضبة التي نتحدث عنها بأنها منطقة وعرة فظة يصعب السير فيها أو اجتيازها بمعايير وسائل النقل في عام 1920.
هذه الهضبة وفقا لأوصافهم غليظة الصخور، خشنة البيئة. وفي اللغة العربية يعرف الرجل الغليظ السلوك خشن القول بصفة الـ “جــِلف”، فيقال رجل جــِلف ويجمع على رجال “أجلاف”.
كل العلماء المصريين الكبار في الجيولوجيا والجغرافيا الذين داسوا بأقدامهم على هذه الهضبة من أمثال رشدي سعيد وبهي عيسوي ومحمود عاشور ونبيل إمبابي وغيرهم كثر، هؤلاء نشروا أبحاثهم ومؤلفاتهم في دوريات عالمية، وعندهم جميعا اسم الهضبة بكسر الجيم، تمشيا مع الوصف الذي أطلقه أول مرة الأمير كمال الدين حسين في عام ١٩٢٣.
وبناء على ما سبق، فإن الصواب أن نقول هضبة الـ” جــِلف” الكبير، وكل طريقة أخرى جاءت في كتب الوزارة تحتاج إلى تصويب فوري ووقف الطباعة وتعميم على السادة المعلمين في المدارس.
لا توجد صعوبة في تخيل الاسم، فهذه الصحراء غليظة جِلفة وخشنة تحتاج قوة وعزم في الاستصلاح والتعمير، وتحتاج إلى ثورة في الجغرافيا المصرية من أجل استثمار ما في هذه الهضبة الجلفة الصعبة من معادن وخامات تقدر بالمليارات، وبالطبع يحتاج الاستثمار فيها إلى عمال أقوياء بعضلات مفتولة يرتدون “عفاريت” زرقاء وبرتقالية، لأن المكان ليس فيه عشب أخضر ولا يصلح معه لعب الجولف الذي يرتدي فيه الأثرياء ملابس ملائكية بيضاء.