حدوته من ضمن حواديت كثيرة احتضنها هذا الطريق، بدأت الحدوته بلقاء مع المرحوم الاستاذ عطيه رضوان والصديق العزيز د. محمد ابو اليزيد وثالثهم د. منصور بريك وأشار إلي المرحوم عطيه بالانتقال الي الاقصر، لكن لم يكن الوقت قد حان لذلك حتي تولي د. منصور بريك الاشراف العام علي مصر العليا أو الأقصر، فقط حينها بعد نقل الدكتور هليل غالي لخلاف دب بينه وبين محافظ الأقصر علي طريقة العمل بطريق الكباش في المنطقة الخاصة بحديقة خالد بن الوليد”احد المتنزهات القليلة العامة لأبناء الاقصر “ومنذ اللحظات الأولي لتولي منصور بريك مهمته أدرك خطورة الموقف وتوجه الي طلب المعاونة من صديقه مارك لينر رئيس البعثة الأمريكية ومساعديه د. محسن كامل و د. انا تفارس وطلبت البعثة من منصور بريك الاستعانة بثلاثة من تلاميذ البعثة الذين تلقوا التدريبات بالجيزة وتشرفت بأن كنت أحد هؤلاء الثلاثة مع الأصدقاء الطيب خضري مفتش اثار اسنا وقتها
وعامر جاد الكريم مفتش آثار قنا وقتها وبالفعل في مطلع مارس 2006 حضرنا نحن الثلاثة وما اتذكره أن من بقي معنا من البعثة الأمريكية كانت السيدة تفارس والتي عرضت علي منصور بريك منحنا مرتب من البعثة لكن كان يجمعنا دائما منصور بريك قائلا الأمريكان دول بيساعدونا وفعلا لم نتقاض اي مليم ووعدنا منصور في وقتها كما قال للبعثة بأن المجلس الاعلي للآثار سيمنحنا مكافأة كبيرة نظير عملنا لثلاثة أشهر وبعد عدة أشهر وصلتنا المكافأة الكبيرة والتي كانت 83 جنيه وكنت أنا والطيب الاكثر تواجدا بالبعثة وكان صديقنا الثالث يذهب كثيرا لقنا فكان أهله يبحثون له عن عروسة له ويأتيه الهاتف بالعودة لمشاهدة العروسة وذهب علي الأقل ست أو سبع مرات حتي انتهت اخيرا بالخطوبة
وكانت ايام مرهقة فقد كنا نعمل من السادسة صباحا تقريبا حتي الثانية ظهرا بالموقع ثم نستكمل العمل بالتوثيق بعد الغداء حتي السادسة وما بعدها يوميا، وكنا نستكمل هذا العمل بمقر إقامتنا بمركب مركز تسجيل الآثار الراسي امام متحف التحنيط لمدة شهر ثم انتقلنا بعدها الي شقة بشارع مشمش علي حساب البعثة الأمريكية والتي كانت وقتها تقريبا ب 600جنيه للشهر، واذكر أننا وجدنا ترحاب غير عادي من زملائنا بمعبد الأقصر ..
الحاجة هانم صديق الاستاذ يحيي عبد اللطيف، المرحوم الاستاذ عمر يوسف واحمد بغدادي واشرف وحسين فوزي والكثير من الزملاء والاصدقاء، وسريعا ينتهي الانتداب بالاقصر
وفي الليلة الأخيرة يطلب مني الدكتور منصور إذا كنت مازلت عند طلبي وحديثي بالنقل الي الاقصر فلم أتردد واقمت في الاسبوع الاول تقريبا باستراحة البر الغربي ثم أقمت معهم في استراحة الشركة بشارع عبدالحميد العمدة، وتشرفت بالتقرب من الصديق العزيز د. محمد ابو اليزيد وكان كرمه زائدا بشكل غير عادي مع الجميع وأعتقد أن راتبه من مشروع المياه الجوفية كان ينتهي كما تنتهي مرتبات الآثار سريعا، وتمت إجراءات نقلي من البحر الأحمر الي الأقصر وتسلمت عملي الجديد بآثار الكرنك حيث المرحوم حمدي عبدالجليل واطال الله في عمر الاستاذ ابراهيم سليمان المدير العام والاستاذ امين عمار
وبدأت قصة جديدة بالكرنك واكتشافات السد الحجري والميناء بالكرنك في ظل طفرة كبيرة احدثها محافظ الأقصر من أعمال تطوير وتحويل الاقصر الي متحف مفتوح، وتشرفت بانني عملت مساعدا للدكتور منصور بريك في كل المواقع التي عمل بها في شرق الاقصر ، طريق الكباش في قطاعات كثيرة من قطاعاته الخمس، حفائر أمام الصرح الأول بالكرنك، حفائر ومجسات الكورنيش تمهيدا لعمل الكورنيش الحالي والممشي السياحي بين قاعة المؤتمرات حتي مستشفي الاقصر العام سابقا الكرنك الدولي حاليا، حفائر مدخل معبد الأقصر الشرقي-المدخل الحالي بجوار مسجد سيدي ابو الحجاج، حفائر قصر يسي باشا مبني الحزب الوطني سابقا والنيابة الإدارية شمال غرب معبد الأقصر، حفائر وأساسات منطقة أبو الجود
كان منصور بريك شديد الثقة بي وأحمد الله أنني لم اخلف ظنه في يوما وان استطاع للأسف بعض الزملاء الايقاع بيني وبينه وكانت قطيعة استمرت عام كامل، لكن يحسب للرجل أنه استطاع أن يحافظ علي الخريطة الأثرية وكان ذكيا في التعامل مع د. سمير فرج وكان يجد لنا الوقت لنعمل وان كان تحت ضغط غير عادي، لكنه كان يختار رجال غيورة علي الآثار والتي تجاهد أن يسبق قلمها ومسطرينها جرافات المحافظة لأننا كنا في معركة مع الوقت في ظل محافظ تتساوي عنده ساعات الليل والنهار عملا، ومن جميل الذكريات التي اذكرها مع شخصية جميلة رحمها الله وهو العامل البسيط الخلوق رجب مساعد
وكان طباخ منصور بريك وكان حينما يرانى أنا والطيب خضري راجعين من الشغل وآثار التراب تغطي ملابسنا واحنا داخلين الشقة وكان صاحب فكاهة فأحضر علبتين سجائر كليوباترا بوكس لينا ولما سأله منصور وابو اليزيد بعد الغدا ليه جبت لمؤمن والطيب سجائر قالهم دول غلابة يا بيه مش شايفهم متربين، وكانت جلساتنا لا تخلو من الهزار والدعابة، وكانت حياة منصور بريك لا تخلو من اختلاق قصص لتحفيزنا علي العمل والتي كانت تصل في بعض الأحيان للوقيعة بين الزملاء بسبب هذا الهزار
وشخصية أخري لدي معاها ذكريات وهو الاثري الأمريكي الرائع الذي توفي بالقاهرة ودفن بدير الشايب بالاقصر حسب وصيته فكان مثلنا غير مهندم في ملابسه في الموقع وكنت أقول حتي الأمريكان مبهدلين سألت ابو اليزيد مين ده فرد اكتب اسمه ” تيد بروك” علي النت وانت تعرف فصعقت من كثرة ما كتب هذا الرجل الذي عشق مصر وكان موسوعة علمية متنقلة واذكر له احترامه لمواعيد العمل وكان يزورنا تقريبا يوميا في وقت الإفطار وكنت اسعد بتقاسم وجبة افطاري معه والحديث عن الأقصر وتاريخها وقد تعلمت منه الكثير، ولا انسي شخصية رائعة اخري
كان أول من أمد يديه الينا علميا وهو الدكتور راي جونسون مدير شيكاغو هاوس والذي دعمنا بنسخة مصورة من كتاب الاقصر الرائع المرحوم د. محمد عبدالقادر، ويخطر ببالي الان اثري متميز وهو جندي مجهول دوما وهو الاستاذ علي الحناوي الذي تحمل الكثير من مهام العمل في طريق الكباش من وقتها حتي الآن وكان يأتينا بالفطير المنزلي كل خميس قائلا هذا من ام علي ، ومن الذكريات التي لا ننساها حين يتجمع ثلاثتنا- أثناء اعمال الرسم والتوثيق فقد جلس الصديق عامر جاد الكريم أسفل شمسية ممسكا قلمه ولوحته وكانت تعاونه في اخذ المقاسات الزميلة العزيزة الأستاذة اسماء عمر الفاروق والتي للاسف تركت العمل وتحاول جاهدة العودة له، فظلت هي تحت أشعة الشمس تأخذ المقاسات وعامر تحت المظلة حتي شاهدنا ذلك وتوجهنا وكنا كمن امسك حرامي بشكل دعابي حتي لاحظ أن أسماء البنت تعمل تحت الشمس ونقلنا لها الشمسية وتركنا عامر حتي تفحم في الشمس، وكانت بيننا الحاجة هانم صديق والتي كانت تعرف أننا نحب أن نترقق السمع لها أثناء شرحها للقطع التي وجدناها بالطريق
وكانت وقتها قد تعلمت مصطلح سيجلاته عن الفخار من السيدة تفارس وكنا ننتظر أن تقول سيجلاته بالانجليزي حتي نضحك جميعا معا وكانت نعم الاخت والداعم وكذا اخي وصديقي احمد عبد النظير واحمد بغدادي ود. احمد حسن وطاهر وغيرهم الكثير ، والكثير وهناك الكثير من القصص وتلك بعضها وهي غير مرتبه أو منظمه كما جالت بخاطري سطرتها لكم، ومنذ ذلك الوقت وأنا أتجول بالاقصر بين جدرانها ومعايدها ومقابرها وترابها الغني المقدس الذي تشرفت بأن اكون احد منقبيه
تحية احترام وتقدير لمن ذكرتهم هنا وتحية اجلال وتقدير لمن لم تسعفني الذاكرة لذكرهم وهم كثر فطريق الكباش أو “ابو الهول علميا وعمليا”، معركة آن لها أن تنتهي باحتفال اسطوري سيشهده العالم بدأ في العهد الملكي وانتهي في عهد الجمهورية الجديدة، تشرفت بأن اكون احد جنوده وكنت مساعدا لأشهر حفاري مصر، شكرا الي المدينة التي صنعت بها اسمي واحتضنتني فجعلتني ابن من أبنائها، شكرا الي المدينة التي منحتني هدية السماء زوجتي الأثرية شيماء منتصر ابو الحجاج وهي ابنة رجل يعرفه معظم الاقصريين فقد كان من الشخصيات التي ربطتني بالاقصر وتاريخها وقصورها وكان داعما ونقلة في حياتي، شكرا الي كل عامل تشرفت بالعمل معه والي كل قيادة تحملت هذا العبء علي مدار سنوات طويلة، مليون مبروك لوزارة السياحة والآثار مليون مبروك للمجلس الاعلي للآثار تاريخ يكتب وإعادة احياء للأقصر، هنيئا لأبناء الاقصر وان شاء الله نري عهدا جديدا بعد الافتتاح وتعود الزيارات والسياحة الي سابق عهدها.
شكرا الي أمناء المجلس الاعلي للاثار د. زاهي حواس الذي فتح لنا افاق التدريب والدكتور مصطفي امين وصاحب الحظ الوفير د. مصطفي وزيري والسادة الوزراء د.زاهي حواس – المرحوم د. احمد عيسي د. محمد إبراهيم د. ممدوح الدماطي – دكتور خالد العناني وزير السياحة والاثار الحالي، شكرا لجهود جنود لا تنسي ارتبط اسمها بطريق الكباش كتيبة معبد موت بقيادة المرحوم عمار حنفي والأستاذ احمد عربي والأب الروحي لطريق الكباش المرحوم الدكتور محمد الصغير وتشاء الاقدار ان ينهي الابن ما بدأه الاب فيغلق ملف الطريق الصديق مصطفي الصغير.
هنيئأ لمصر جمهوريتها الجديدة.
علي ان نلتقي بقصص اخري عندما يحين وقتها فما زال بالجعبة الكثير والكثير. ارق التحياتد.
مؤمن سعد