بقلم .. محمد فتحى
لقد اهتدى المصريون قبل التقويم الشمسي إلى التقويم النيلي، أو التقويم الذي يبدأ ببداية وصول فيضان النيل إلى منطقة معينة ذات أهمية سياسية أو قيمة حيوية، وأنه إذا كان المصريون قد اهتدوا إلى التأريخ بالشهور قبل عهده وهذا مؤكد، فهو تاريخ اعتمد على الدورة القمرية الشهرية التي يمكن ترسيم بدايتها ونهايتها في يسر وسهولة. فهذا التقويم الذى يعرف اصطلاحًا بالتقويم النيلي، يبدأ ببداية وصول الفيضان إلى منطقة بعينها ذات أهمية سياسية أو دينية، وهي فيما يبدو منطقة توسطت مدينتي “أونـو” (عين شمس والمطرية)، و”إنـب حـﭻ” (منف) وتقرب من جزيرة الروضة الحالية.
وطوال احتفالهم بوفاء نيلهم بقدوم الفيضان، لاحظ قدماء المصريين شيئا فشيئًا أن هذا الحدث (فجر وصول فيضانه) يقترن بظاهرة سماوية معينة بعينها، وهى استمرار ظهور نجم الشعرى اليمانية ذي الضوء الساطع، والذي اعتبروه أنثى وأسموه “سوبدة” (سوبدت). ولما استقرت هذه الظاهرة في أذهانهم، أصبحوا يترقبونها عن قصد وأطلقوا على هذا النجم اسم “جالبة الفيضان”.
وقد اعتبروا خلال التاريخ المصري جميعه يوم بدء فصل الفيضان الذي يوافق بزوغ نجم الشعرى اليمانية وظهوره في الفجر المبكر (حوالي 19 يوليو من التقويم الحالي)، بمثابة أول يوم في أول شهر في أول فصل من فصول السنة الثلاثة، وهو فصل الفيضان آخت (وعدّوا هذا اليوم يوم رأس السنة).
ثم حسب الفلكيون المصريون القدماء ما بين كل طلوع صادق وطلوع صادق آخر للنجم ’سوبدة‘ فوجدوه 365 يومًا، ووجدوه يتضمن اثني عشر شهرًا قمريًا وكسورًا لا تصل إلى نصف شهر، فأكملوا العدة الخاصة بكل شهر قمري ثلاثين يومًا، وتبقت عندهم خمسة أيام احتسبوها نسيئًا وأعيادًا، واعتبروا السنة ثلاثة فصول وقسموها كالتالي:
1- آخت “فصل الفيضان”. ويبدأ من منتصف شهر يوليو حتى منتصف نوفمبر. ويتم فيه بذر الحبوب، أي أن هناك ربط بين كلمة “آخت” بمعنى “أفق” وفصل آخت، على أساس أن بذر الزرع يشبه بزوغ الشمس من الأفق. ويضم فصل “الفيضان” أربعة شهور، أسماؤها كما وصلتنا في القبطية هي: تحوت، باؤفي، أتحير أو حتحور، كحوياك (كيهك).
2- برت “فصل خروج النبت من الأرض”، وهو يوازى فصل الشتاء.ويبدأ من منتصف شهر نوفمبر حتى منتصف مارس. ويظهر فيه خروج الزرع بالكامل من الأرض أي أنه “فصل الإنبات”. ويضم فصل “بذر البذور” أربعة شهور، أسماؤها كما وصلتنا في القبطية هي: طيبي ، مخير، فمنوث، فرموتي.
3- شمو أي “فصل التحاريق” أو فصل الصيف. يبدأ من منتصف شهر مارس حتى منتصف يوليو. ويتم فيه نضج النبات وحصاده، وتصاب فيه الأرض بالجفاف. ويضم فصل “جـني المحصـول” أربعة شهور، أسماؤها كما وصلتنا في القبطية هي: ﭘـاخونس، ﭘـيني، إﭘـيفي، مسوري.
وكان من المتوقع أن تتم هذه الخطوة البارعة في عصر نشيط نزع أهله إلى التجديد، إلا أنه للأسف لم يسجل المصريون شيئًا عن مراحل هذه الخطوة في حينها أو في عهد آخر من عهود الدولة القديمة، أو في عهد زوسر، ولكنهم أرّخوا بالفصول والشهور الإثنى عشر بالفعل بعد عهد زوسر.