ماجد سوس
في الآونة الأخيرة ظهر على مسرح الأحداث شخص يدعى “حنين عبدالمسيح” اختلف مع أحد رجال الكنيسة -على الأرجح- فقرر أن يحارب كنيسته الأرثوذكسية علنًا في الصحف والمجلات والفضائيات بعدما أصدر كتابان، الأول بعنوان “عبادة الأصنام في الكنيسة الأرثوذكسية” والثاني بعنوان “الرهبنة بدعة أرثوذكسية”.
لقد تصور هذا الرجل أنه يستطيع أن يهدم أو يعمل على زعزعة العقيدة الأرثوذكسية الحقيقية المبنية على الحقائق الكتابية متناسياً أنه إن وجد ضعف في الارثوذكسيين أو حتى في أحد رعاتها أو خدامها فهذا لا يبطل نقاء الارثوذكسية.
بعد أن اصدر حنين سلسلة مقالات وبرامج وكتب في هذا الشأن ، على الفور سعد وهلل له غير الارثوذكسيين من جهة ، ومن جهة أخرى المسلمون المتشددون ولا سيما الجماعات المتطرفة والتي نشرت آراءه وكتاباته على الموقع الخاص بها في شبكة الإنترنت.
وبالطبع تسابقت الفضائيات العربية ذات التوجه الإسلامي على نشر هذه الأكاذيب.
وقامت إحدى البرامج باستضافة هذا الرجل وعمل مناظرة بينه وبين أحد الآباء الكهنة والذي يبدوا انه يجيد البحث الاكاديمي ولا يجيد المناظرات فتصور المدعو حنين انه كسب جولته بصوته العالي وضعف مناظره وأنه إنتصر على الكنيسة
دعونا نطالع بعض افتراءاته ففي كتابه “الرهبنة بدعة أرثوذكسية”:اعتبر المدعو “حنين” أن الرهبنة والبتولية ليست طريق الله وأن الكنيسة الأرثوذكسية ابتدعت الرهبنة في القرن الثالث، هروبًا من العالم وأن البتولية تؤدي إلى المرض النفسي والكبت الجنسي وتفوه بكلمات جارحة عن الآباء الرهبان وتعاليم الأنبا باخوميوس أب الشركة، الشهيرة بالقوانين الباخومية. وللرد على ذلك نقول:
1 – أن السيد المسيح له كل المجد كان بتولاً ولم يتزوج ورغم أنه بارك الزواج إلا أنه لم يمنع البتولية بل على العكس طوّب في (متى 12:19) أولئك الخصيان الذين خصوا أنفسهم من أجل ملكوت الله، فمن استطاع أن يحتمل فليحتمل.
وهو هنا بالطبع يقصد المعنى الروحي أي البتولية التي هي ترك الكل من أجل الواحد. وقوله هنا يقصد به أنها دعوة عامة، حيث أكد أن “من ترك بيتًا أو أخوة أو أبًا أو أمًا أو إمرأة أو بنين أو حقولاً لأجل إسمي، يأخذ مائة ضعف ويرث الحياة الأبدية”.
وقد كان الرب يسوع يذهب إلى الجبال ويبيت ممضيًا الليل كله في الصلاة (مر46:6). أليس هذا ما يفعله الرهبان والنساك اليوم.
2 – القديس يوحنا المعمدان، أعظم مواليد النساء، الذي كان أول ناسك في العهد الجديد، كان أيضًا بتولاً، يعيش في المغائر والجبال يأكل الجراد والعسل وقد قال عنه السيد المسيح: “ماذا خرجتم لتنظروا، أنبيًا، نعم أقول وأفضل من نبي” (يو26:7).
3 – إيليا النبي كان بتولاً، متوحدًا في جبل الكرمل وكان من أعظم رجال الله المشهود لهم، حيث وصل إلى درجة السياحة الروحية واختطف إلى السماء بمركبة نارية.
4 – بولس الرسول، الذي كان بتولاً أيضًا، بل ويعتبر من مؤسسي مبدأ البتولية في الكنيسة، كتب يقول: “غير المتزوج يهتم فيما للرب أما المتزوج فيهتم للعالم، كيف يرضي امرأته”. وكتب أيضًا “بين الزوجة والعذراء فرقًا، غير المتزوجة تهتم فيما للرب لتكون مقدسة في الجسد وفي الروح وأما المتزوجة فكيف ترضي رجلها” (1كو32:7) وختم بكلامه بأن من يتزوج يفعل حسنًا ومن لا يتزوج يفعل أحسن. أليس هذا الكالم يتفق مع بتولية الرهبنة.
5 – يوحنا الحبيب، الذي كان بتولاً وعاش أكثر من مائة عام بكل طهارة وعفة والذي تحدث في معظم كتاباته وعظاته عن محبة الله ومحبتنا بعضنا لبعض، تاركًا لنا مثالاً حقيقيًا أن التبتل والتوحد بفكر الحب وهو أساس البتولية والرهبنة وليس هو الضغط النفسي الذي أثاره في مقالاته.
6 – كان مرقس الرسول البتول الذي شهد عنه يوسابيوس القيصري والفيلسوف العلامة “فيلو” كان متحليًا بالطهر والعفاف وبث روح الفضيلة في قلوب المصريين فاعتزلوا العالم ولجأوا إلى الكهوف والمغائر عاكفين على تسبيح الخالق.7 – وماذا عن المائة وأربعة وأربعون ألفًا البتوليين الذين لم يدنسوا أنفسهم مع النساء وبيضوا ثيابهم في دم الحمل بل وكرسوا حياتهم للرب، كما ذكر لنا سفر الرؤيا.هذه عينة من رجالات الله البتوليين والنساك، الذين أخرجتهم كلمة الله في كتابه المقدس. فهل ترى -عزيزي القارئ- أحدًا منهم كان مريضًا نفسيا أو مكبوتًا جنسيًا، كما ادعى السيد حنين؟أما عن الرهبان الذين أتهمهم حنين بأبشع الإتهامات، فسأضع أمامك عزيزي القارئ بعض الأمثلة عن هؤلاء الذين أناروا البرية بمسلكهم الرهباني:
1 – القديس أنطونيوس الكبير، أبو كل رهبان العالم والذي تهكم عليه السيد حنين في مناظرته، فقد كان غنيًا جدًا يملك 300 فدان، وقد سمع يومًا كلمة الله في إنجيله “إن أردت أن تكون كاملاً، فاذهب وبع كل أموالك وأعط الفقراء وإتبعني” نجده قد نفذ الوصية بحرفيتها حتى لا يكون كالشاب الغني الذي فقد دعوة المسيح لتلمذته.أما أنه بدأ يتعبد قرب “النيل” فرأته إمرأة تستحم وقالت له: إن كنت راهبًا، عابدًا فليس لك أن تسكن بين الناس. فما الخطأ في هذه القصة؟، إن كان الرجل لم يضعف أمام المرأة بل أخذ كلماتها كأنها من الله وباتضاع شديد إنتقل إلى البرية الداخلية وتوحد فيها ناسكًا، عابدًا، مصليًا من أجل العالم كله.أنطونيوس هذا، الذي تهكم عليه “حنين” لم يهرب يومًا من خدمة الكنيسة، كما ادعى، بل عندما سمع عن إضطهادات الإمبراطور مكسيميانوس الامبراطور للمسيحيين، نزل إلى الأسكندرية يعضد المعترفين ويثبت الكنيسة على إيمانها القويم. مشتهيًا الشهادة. ثم عاد إلى مغارته، وعند ظهور بدعة آريوس، نجد أنطونيوس يترك البرية وقد بلغ من العمر مائة عام ليساند تليمذه البابا أثناسيوس ويثبت الناس على إيمانهم المستقيم.
2- القديس مكاريوس الكبير الذي كان يرافقه الشاروبيم وله أولاد روحيين بالآلاف نجده وقد دافع أيضًا عن الإيمان القويم ضد بدعة الأريوسيين فيتم نفيه إلى جزيرة فيله، ليربح الجزيرة بأكملها للإيمان بالمسيح بعد أن شفى إبنة حاكم الجزيرة من روح شريرة.
3 – مارإفرام السرياني، قيثارة الروح، الذي لم يهرب من الخدمة بل دافع عن الكنيسة وإيمانها حتى أنه كان يؤلف الشعر ليحوله الشعب لأغاني روحية تثبته على إيمانه الأرثوذكسي القويم ضد تعليم أريوس التي أنكر فيها لاهوت المسيح.
4 – الأنبا باخوميوس، أب الشركة، الذي تهكم عليه “حنين” دون استحياء، هو الذي وضع القوانين الباخومية التي تنظم حياة الشركة الرهبانية بقوانين روحية تحفظ طهارتهم وعفتهم. ليس كما انتقد حنين منهجه في الإرشاد الرهباني متهمًا الرهبان بالفجور والكبت الجنسي الذي يؤدي للمرض النفسي بل متمثلا ببولس الرسول، لسان العطر، الذي كان يرشد تلميذه تيموثاوس “أما أنت فاهرب من الشهوات الشبابية”. فهل كان تيموثاوس، الأسقف، مريضًا نفسيًا ومكبوتًا جنسيًا حتى يطلب منه معلمنا بولس أن يحفظ وديعته أم هو يضع طريقًا ليحفظ الإنسان نفسه وطهارته من ساعة التجربة، كما فعل يوسف الصديق.
عزيزي القارئ.. هؤلاء الرهبان العظام هم الذين أسسوا الرهبنة في القرن الثالث والرابع لم يبتدعوها كما إدعى “حنين” ولم يهربوا إلى الصحراء لأنهم فشلوا في حياتهم، بل تركوا مجد العالم بإرادتهم الكاملة من أجل عظم محبتهم في الملك المسيح. فباخوميوس كان قائدًا كبيرًا في الجيش واعتزل منصبه ليترهب. وأرسانيوس كان معلمًا لأولاد الملوك يعيش في قصر الإمبراطور ترك كل هذا وترهب. مكسيموس ودوماديوس كانا ابنا امبراطور الروم فالنتيان، تركا القصر وترهبا أيضًا. مارمينا العجائبي ابن حاكم مريوط، ودميانة العذراء الراهبة ابنة حاكم إقليم البرلس، بدءا خدمتهما في العالم لينتقلا إلى الرهبنة، ويختما حياتهما شهيدين عظيمين على إسم المسيح.
أما في عصرنا الحديث فنجد آباء الرهبنة العظام أطباء وصيادلة ومحامين ومهندسين وأساتذة جامعات… إلخ، ليسو بمرضى نفسيين بل اختاروا الطريق الملوكي عن وعي تاركين غنى العالم ومناصبه، تائهين في براري وجبال ومغاير وشقوق الأرض. وهم لم يكن العالم مستحقًا لهم (عب38:11).على سبيل المثال لا الحصر، القمص مينا المتوحد (البابا كيرلس السادس) وسيرته العطرة منذ أن كان متوحدًا في طاحونة رادًا الآلاف إلى حضن الكنيسة بقداساته اليومية.
والراهب القمص أنطونيوس السرياني (البابا شنودة الثالث) الذي أرسل رهبانًا للكرازة في شتى بقاع المسكونة فنشروا الارثوذكسية بتعاليمها النقية.
والراهب الأب متى المسكين باعث النهضة الرهبانية الابائية في العصر الحديث صاحب الفكر المستنير والذي انار بتعاليمه المسكونة
وهناك العديد من الاباءالمطارنة والاساقفة والرهبان الذين استخدمهم ويستخدمهم الرب يسوع في كل مكان وزمان فالرهبان مع الكهنة والشمامسة والعلمانيين هم أعمدة الكنيسة التي أساسها الرسل الكرام وحجر زاويتها يسوع
أما عن الكبت والغريزة الجنسية التي إتهمت بها الرهبان زورا وبهتاناً فهي تتسامى وتتحول إلى رغبة نقية لإتحاد النفس بالمسيح في زيجة روحية مستيكية مقدسة، فائقة العقل، كما يسميها الآباء، وكما قال معلمنا بولس “خطبتكم لرجل واحد لأقدم عذراء عفيفة للمسيح” (2كو2:11).
هذا هو عمل النعمة الفائق الذي يعمل في أولاد الله القديسين الذين ولدوا بالإيمان ليس من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل، بل من الله ولدوا. إلا إذا كان للسيد “حنين” رأيًا آخر وينكر عمل النعمة فله هو أن يستشير الإخصائيين النفسيين ولا يكيل الإتهامات لهؤلاء القديسين جزافًا حتى أنه دفعني أن أضع عنوانًا لمقالي بالعامية، لأول مرة، لأنه بالفعل حنين باع كنيسته يا ولاد بكل ما فيها من أمجاد.