الأربعاء , ديسمبر 25 2024
أكرم عياد

المجتمعات الدولية والحياة السياسية

بقلم : أكرم عياد

الأشخاص الذين يتمسكوا بالقواعد الأخلاقية والمثاليات، وليست للمصالح أو الالاعيب السياسية المتقلب،من سوء الحظ أن هؤلاء يصطدمون كل مرة بالحقيقة المرة، وهي أن القاعدة الأولى فى السياسة هي المصالح اولا، وليست الأخلاق أو المثاليات، وإذا نجحت جهة أو دولة فى الجمع بين الإثنتين أى المصلحة والمبدأ يكون ذلك أمرا جيدا جدا، لكنه نادر الحدوث إلى حد كبير.

قرأت للبعض على وسائل التواصل الاجتماعي ، أو حتى فى بعض وسائل الإعلام التقليدية، يستغرب من موقف بعض الدول من قضية اختفاء الكاتب الصحفي السعودي جمال خاشقجى، بعد دخوله قنصلية بلاده فى اسطنبول، وتبين فى النهاية انه قتل داخلها، أو قيام السلطات التركية بإطلاق سراح القس الأمريكي برانسون رغم أنها أصرت لأكثر من عامين على أنه مدان ومذنب.

الدول غيرالأفراد، هي تتصرف طبقا لمصالحها، حتى لو تصادمت هذه المصالح مع المبادئ والأخلاق أحيانا. في أزمة خاشقجي كانت المواقف طبقا للعلاقات والمصالح مع هذا الطرف أو ذاك. الدول ذات العلاقة الطيبة مع السعودية، أصدرت بيانات تضامن وتأييد لموقفها فورا، بغض النظر عن حقيقة ما حدث.

والدول التي في ى حالة صراع أو خلاف مع السعودية مثل قطر، بادرت أجهزة إعلامها منذ اللحظة الأولى إلى الشماتة في المملكة والترويج لكل الأخبار المسيئة لها.

الموقف المصرى كان معقولا إلى حد كبير مقارنة بالاستقطاب الحاد الموجود فى المنطقة، فهو أعرب عن قلقه فيما يتعلق باختفاء خاشقجى وهو أمر أخلاقي محترم، وفي نفس الوقت رفض أي محاولة لاستخدام الحادث للإساءة إلى السعودية، ثم اشاد اخيرا بالمعالجة السعودية للامر، والاقرار بانه مات داخل القنصلية، وكان ملفتا في البيان ايضا تعزية اسرة خاشقجى في وفاته.

طبعا كانت هناك مواقف موضوعية من بعض الدول الأوروبية، وانحازت إلى الجانب الإنساني في القضية، مطالبة بالكشف عن مصير الصحفي.

هذه البلدان ليست لها مصالح مع هذا الطرف أو ذاك، وبعيدة عن الصراع، وبالتالي فإن الموقف المبدئي لها محترم، لكنه لن يكلفها شيئا على الإطلاق، وهذه الفئة لا يمكن القياس عليها للأسف! نحلم بوجود عالم يتصرف على أساس المبادئ والأخلاق والمثل العليا، لكن هل نلوم من يتصرفون على أساس المصلحة فقط؟ ظني الشخصي أن الإجابة يصعب ان تكون جازمة، خصوصا حينما لم نكن نعرف بصورة قاطعة ما الذي حدث لجمال خاشقجى، حتى لو كان لدى بعضنا ظنون وهواجس ومخاوف، وبالتالي يصعب إصدار أحكام نهائية.

ثانيا، لا يمكن أن نلوم دولة اتخذت موقفا داعما لهذا الطرف أو ذاك، طالما هي لديها مصالح حقيقية. وربما كان موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أفضل مثال على كلامنا، هو رئيس أقوى دولة فى العالم، ورغم ذلك، فقد كان واضحا حينما قال إنه لن يوقف مبيعات السلاح للسعودية حال ثبوت تورطها فى قضية خاشقجى.

لأنه لن يضحى بأكثر من ١١٠ مليارات دولار تصب فى اقتصاد بلاده.

إذا كان ترامب فعل ذلك، فهل نلوم دولة صغيرة جدا جدا، واقتصادها مأزوم إذا قررت أن تتخذ موقفا لا يتصادم مع مصالحها، أو دولة صغيرة أخرى اتخذت موقفا عكسيا لكنه يصب أيضا فيما تعتقد أنه مصالحها؟ هيئات ومؤسسات وبنوك وشركات وشخصيات كبرى قالت انها ستتخذ موقفا اخلاقيا مما حدث لخاشقجى، وهذا امر جيد على المستوى الاخلاقي، لكنهم قالوا ايضا انهم سيرسلون وفودا على مستوى اقل حتى لا يخسروا الصفقات! إذا لا خلاف على ان نحلم بألا تتصادم المصالح مع المبادئ، لكن لو حدث التصادم فعلى الأقل يكون الانحياز للمصالح بطريقة رشيدة وعاقلة وليست سافرة وفجة وممجوجة.

أظن أن وسائل الاعلام التقليدية وكذلك التواصل الاجتماعي لعبت دورا مهما في تسليط الضوء على مساحات مهمة في العمل السياسي كانت موجودة طوال الوقت، لكن لم نكن نراها عن قرب، وربما يحتاج ذلك إلى نقاش لاحق. المصالح تتغلب على الحقائق، بين الدول والأشخاص، وهى تستخدم للإبتزاز عند تأزم المواقف فى حالة مثل جمال خاشفجى الذى يعلم الجميع أنه قتل داخل القنصلية السعوديه وإذابته فى الأحماض لكن مصالحهم مع السعودية أهم ، ولا مانع أن تستخدم عند اللزوم كورقة ضغط، أو أبتزاز،وكما حدث مع ريجينى فى مصر.

إيطاليا تلوح بملف ريجينى، لكنها لم تأخذ موقفاً حاسماً لمحاسبة من قتلوه. ؟!

فهل أصبحنا فى زمن الصفقات والمصالح.

شاهد أيضاً

“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “

بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.