مختار محمود
إذا كنت مُلمًا بقواعد اللغة العربية، فسوف تسخر من الخطأ الفادح الذي يكتنف عنوان هذا المقال؛ فالصحيح أن يكون: “يا ليتني براقٌ”، وليس “براقًا”؛ باعتبارها خبرًا مرفوعًا للحرف الناسخ: “ليت” التي تنصب المبتدأ وترفع الخبر.
ومن أسفٍ أن هذه الجملة المرتبكة: “يا ليتني براقًا” اسم أغنية دينية لا تتوقف المحطات الإذاعية والتليفزيونية عن بثها في المناسبات الدينية منذ ثماني سنوات.
الأغنية مجهولة المؤلف والملحن يغنيها “محمد رحيم” بطريقة لا تخلو من “الخنفة والشحتفة” وعدم الوعي.
ويتعاظم الأسف عندما تدرك أن الخطأ اللغوي الفاحش لا يتوقف عند اسم الأغنية فقط، ولكنه يمتد إلى معظم كلمات الأغنية، ما جعلها أغنية شائهة ضائعة مهترئة.
النوايا الطيبة لا تكفي وحدها لتقديم أغنية متكاملة أو عمل فني ناضج وجيد.
الأغنية الدينية في مصر يتم إعدادها على عَجَل وتفتقد إلى أدنى العناصر الكافية لإخراجها بشكل متميز.
المنشدون والمطربون غير العرب مثل: سامي يوسف وماهر زين ومسعود كرتس يقدمون أناشيد وأغاني تخلو من الخطأ واللحن والارتباك ويسمعها العالم بأسره ويتجاوب معها.
يقع معظم كلمات هذه الأغنية في فخ الخطايا اللغوية الشنيعة من أولها إلى آخرها.
في الكوبليه الأول من الأغنية الذي يقول: يا ليتني براقاَ يعانق السماء/ ويحمل الرسول نبي الأنبياء/ يا ليتني صحابي في رحلة النقاء/ أو طيراَ وتشرف بحراسة غار حراء، تظهر ثلاثة أخطاء بارزة على الأقل وهي: “براقًا”، كما أوضحنا سلفًا، وكذلك كلمة “طيرًا”، وأخيرًا.. نصب كلمة “غار” رغم إنها مجرورة؛ باعتبارها مضافًا إليه مجرورًا.
الكوبليه الثاني الذي تقول كلماته: شهادة وحج وزكاة صوماَ وصلاة/ سلامًا ونورًا ويقينًا من عند الله، يُعتبر من أكثر الكوبليهات ارتباكًا وعشوائية على الإطلاق. تتعاظم الأخطاء اللغوية الكارثية في هذا الكوبليه: نعتذر، نعتذر، نعتذر نحن المسلمون وفي رقابنا ذنب/ نعتذر، نعتذر، لك يا رسول العالمين يا جد الحسين/ أطفالاَ وشيوخاَ ورجالاَ ونساءَ وشباب/ لعليٍ والصديق وعثماناَ وابن الخطاب؛ فجري رفع المنصوب “المسلمون”؛ رغم إنها مفعول به للاختصاص، كما جرى تصريف الممنوع من الصرف “عثمانًا” دون ضرورة، ونصب “ابن” رغم إنها مجرورة.
الكوبليه الأخير من الأغنية الذي يقول: وصلِ وسلم على أشرف من خلق الله/ محمد وأحمد محموداَ هو عند الله/ شهادة وحج وزكاة صوماَ وصلاة/ سلامًا ونورًا ويقينًا من عند الله، يشهد انتحارًا للمنطق وهتكًا لأبجديات اللغة العربية، وبدا الأمر وكأنه “تطجين وتجديف ولت وعجن”.
وأمام هذه الحالة المستعصية والمتردية فإنه يجب أمرٌ من اثنين: إمَّا منع عرض وإذاعة هذه الأغنية وإعدامها؛ باعتبارها “وصمة عار”، وإمَّا إعادة تصويرها وتصويب ما بها من أخطاء وخطايا معيبة.
هذه الأغنية تعكس حال وواقع الأغنية الدينية في مصر التي تعاني إهمالاً على جميع الأصعدة، ولا تحظى بأدنى درجات الاهتمام والجودة. الهُواة لا يصنعون غالبًا أعمالاً عظيمة.