ماجد سوس يكتب :
كم من قضايا خسرناها بسبب فقداننا لها، كم من مواقف خذلتنا رغم أن الحق كان معنا بسبب عدم وجودها فينا، كم من مراكز وفرص ونجاحات لم نحصل عليها بسبب عدم استخدامنا لها، بل كم من أشخاص خسرناهم وخسرونا بسببها، إنها “الحكمة” يا إخوتي التي قال عنها سليمان الحكيم: طوبى للإنسان الذي يجدها، لأن تجارتها خير من تجارة الفضة، وربحها خير من الذهب الخالص، هي أثمن من اللآلئ، وكل جواهرك لا تساويها، في يمينها طول أيام، وفي يسارها الغنى والمجد. طرقها طرق نِعَم، وكل مسالكها سلام. هي شجرة حياة لممسكيها، والمتمسك بها مغبوط. (أم ٣: ١٥-١٩).
وسليمان هذا هو أعظم ملوك الأرض وأغناهم، ظهر الرب له وسأله عمَّا يطلبه، فاختار سليمان الحكمة ولم يسأل مجدًا أو غنى، فحسُن الكلام في عينيّ الرب، وأعطاه الله ما سأله وما لم يسأله فقال له الله: من أجل أنَّك قد سألت هذا الأمر ولم تسأل لنفسك أيَّاما كثيرة، ولا سألت لنفسك غِنى، ولا سألت أنفس أعدائك، بل سألت لنفسك تمييزًا لتفهم الحكم. هوذا قد فعلت حسب كلامك، هوذا أعطيتك قلبًا حكيمًا ومميِّزًا حتى أنَّه لم يكن مثلك قبلك، ولا يقوم بعدك نظيرك (٢ أخ ١: ٧- ١٢).
هكذا الله يا أحبائي مستعد أن يترآى لكل واحد في شعبه ليفيض عليه ببركاته متسائلا ماذا تريد أن أفعل لك، فهو من قال “اسألوا تعطوا، اطلبوا تجدوا” (مت ٧:٧) على أن من يتبع خطوات سليمان الملك ويطلب الحكمة سيفرح قلب الله، وقد آشار إلينا الوحي الإلهي بذات الأمر على لسان معلمنا يعقوب الرسول قائلا: “إن كان أحدكم تعوزه حكمة، فليطلب من الله الذي يعطي الجميع بسخاء ولا يعير، فسيعطى له ” (يع ١: ٥). فالحكمة تعطى مجاناً ولجميع الناس، شريطة أن تعلن احتياجك لها وتثق في وعد الروح.
الإنسان الحكيم هومن يرى الأمور بعين طاهرة مسالمة فهو لا يظن السوء يترفق بالآخرين فتخرج الكلمة من فمه بحساب تبني لا تهدم، لا يعرف أن يجرح القلوب والنفوس بلك كلماته كالبلسم الذي يطيب الجراح، يعرف متى يصمت ومتى يتكلم.
من الكلمات التي لا أستسيغها ولا أقبلها حين يقال: عصبي بس طيب، كيف تقترب العصبية من الطيبة! كيف يعمل الهدم والبناء في آن واحد، كيف يسيران معاً، فجرح المشاعر أثناء العصبية لا يمكن أن يشار إليه بالطيبة مطلقاً، إنما الأدق أن يقال إنه ضعفٌ يخسر مع الإنسان غيره حين يتعصب، ويكسبه حين يعتذر، أما العصبي فهو شخص ينقصه شيئين أولهما الحكمة النازلة من فوق والخبر السعيد أنها متاحه لكل من يطلبها بإلحاح. الثانية، ان يطلب أن يمتلئ بالروح حينها سيميت أعمال الجسد ويحيا منتصراً على عصبيته.
تجد شخصاً يفتخر مجاهراً أنه صريح وأنه يقول للأعمى أنت أعمى في وجهه! وتناسى البركة التي يأخذها إن قاد أخوه الأعمى دون أن يجرحه بعماه، تناسى الرب الذي علمنا أن نترفق بالخطاة، تناسى تلك المرات التي ستره فيها الرب حتى لا يظهر خزيه أمام الناس. لا تقل عن هذا الشخص أن يقول الحق مهما كلفه الأمر وإنما قل أنه شخص فاقد للحكمة الإلهية النازلة من فوق.
حكت لي إنسانة إنها تقدمت يوما للتناول من الأسرار المقدسة في إحدى الأديرة فوجدت الكاهن عصبي جدا، يشخط وينطر، ويصرخ في وجه المتناولين بحدة وجفاء وحين تقدمت للتناول نهرها أمام الجميع بالرغم من أنها قالت له بصوت واطي، انها لم تعترف منذ فترة حين سألها عن هذا بصوت عال أمام الجميع! شعرت بحرج شديد، خرجت من القداس وقررت أن لا تأتِ إلى هذا المكان مرة أخرى. تعجبت حين قيل لي هذا رجل قديس ! وتعجبي هنا ليس لرفضي قداسته، فلا مانع أن يقال عنه الكثير من الفضائل ولا سيما وأنه قد تنيح ولكن علينا ونحن نعلن قداسته أن نقول للناس أنه كان يحمل ضعفاً كغيره من مواليد لنساء فقد كان فاقداً للحكمة غير مترفقاً بالخطاة وهذا لا يقلل من آمانته وجهاده مع الله فالكتاب يطالبنا أن ننظر إلى نهاية سيرتهم ونتمثل بهم فماذا ولو وجدنا شخصا يأخذ من قديس سلبيته ويتبعها.
مثلنا الأعلى يا أحبائي وهو الرب يسوع، كان يسير بين مخلوقاته محباً، حكيماَ، متضعاَ، مترفقا بالخطاة والضعفاء، هادئاَ لا يسمع أحد صوته، يجول يصنع خيراً وحين صنع قوات وعجائب أخلى ذاته قائلا تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب وقيل عنه انه كان ينمو في الحكمة والقامة والنعمة، ونمو يسوع في الحكمة يعني ما أظهره من حكمة بإرادته ليتلاءم مع نمو جسده لكنه كلي الحكمة بل هو حكمة الآب (١ كو ٢٤ :١) وهو مستعد أن يعطي لك ولي حكمة روحية تؤهلنا كي نحيا كأولاده وسط هموم وأتعاب وتحديات هذا العالم فقط لنطلبها بإيمان وثقة بيقين الاستجابة.