ماجد سوس يكتب :
من منا لم يتذوق مرارة الوحدة أو الغربة يوماً، والغربة التي أقصدها هنا ليست غربة الأوطان فحسب إنما تغرب النفس، غربة المشاعر أيضاً، الغربة التي يشعر معها الإنسان أنه يقف وحيداً بين الناس كأنه تائهاً وحيداً في صحراء. ما أقساه شعورا مريراً، إحساسٌ يترك معه جرحاً في النفس لا سيما إن كان من تسبب في إحداثه هو الآخر.
منذ عدة سنوات كتبت مقالاً عن أهمية أن يكون غذاء المحبة بعد القداسات، إن وجد، مجاناً بلا مقابل وقلت أن الغذاء من الأمور التي تساعد على وحدة الشعب كما يقول المصريون، ينشأ بينهم العيش والملح وأدركته الكنيسة الأولى ووضعته كخدمة ذات أهمية في بناء العلاقات الكنسية حتى أنها رفعته مكانة بحيث من يقدمه هم الشمامسة واختارت قديساً عظيما كاسطفانوس رئيس الشمامسة ليشرف بعد الصلوات على موائد الطعام.
مقالي هذا كان رد فعل لموقف قصه علىّ أب أتى حديثاً من مصر ومعه زوجته وأولاده حين تصور أن الطعام يقدم مجاناً فأخذ وأعطى أولاده وزوجته ليأكلوا فجاءه شخص وقال له عليك مبلغ كذا وكان المبلغ كبيرا لشخص قدم حديثا فوقف الرجل محرجا وأخرج كل ما في جيبه وأعتقد أنه طلب أن يأتي بالباقي في الأسبوع القادم. هذا الموقف المحرج هو من يجعل بعض أعضاء الكنيسة يخرجون مباشرة بعد انتهاء صلوات الكنيسة حتى لايضع نفسه في موقف محرج أمام أسرته وأمام الناس.
لو أن الرب يسوع كان يريد أن يعلم تلاميذه أن هذه هي الطريقة التي نحصل بها على المال من أجل الخدمة لطلب ولو دينارا واحداً من الخمسة آلاف رجل بأسرهم الذين قدم لهم طعاماً مجانيا ولكنه يعلم أن الطعام هو وسيلة لتجميع الناس فقراء وأغنياء دون تمييز لذا أطلق عليها آباء البرية لقمة الأغابي أو المحبة . لقد رفضت حتى فكرة أن يوضع صندوقا قريبا من المائدة فيخرج الغني مبلغا أمام الفقير ونضع الفير أو الذي لا يملك المال في هذا اليوم في موقف محرج أيضاً لذا من الأفضل أن نكتب لافته من يريد أن يتبرع لخدمة الأغابي بمال فليضعه في صندوق داخل الكنيسة.
اليوم أريد أن أطرح أمامكم موضوعاً أكثر خطورة من الطعام على شركة أعضاء الكنيسة، وهو أمر تتميز به كنائسنا، بكل أسف، أتحدث هنا عن مقولة تتردد بين الأقباط كثيراً حين تسأل البعض لماذا لا تذهب إلى هذه الكنيسة فيقول لك لقد ذهبت ولم أجد من يرحب بي ويفرح لوجودي معهم بينما حين ذهبت لطائفة أخرى أو لكنيسة أمريكية وجدت أن الكاهن والشعب يلتفون حولي بوجوه بشوشة تعبر عن فرحة قلبية بوجودي وسطهم.
هكذا كانت الكنيسة الأولى حين كان كل شيء بينهم مشتركاً وكان ينضم للكنيسة الآلاف كل يوم. هذه يا أحبائي هي إضافة الغرباء التي تحدث عنها الكتاب فإضافة الغربة ليست فقط أن تستضيف أشخاصا في بيتك الخاص فقط بل في الأولى تستضيفهم في بيت أبيك السماوي وأنا هنا أهيب بآبائي الكهنة أن يكون تنبيههم الأسبوعي للشعب في دقائق بعد إنتهاء العظة هو أنه عليكم أن تشتركوا في الكرازة والدعوة لشركة الجسد الواحد، عليك أن تلتفت حولك وإن وجدت شخصاً غريبا قم بالترحيب الشديد به وقدم له محبة حقيقية وساعده كي يندمج في عائلة المسيح بكنيستك.
لا أدري لماذا لا نعير هذا الأمر الهام اهتماما جيدا ونضعه في مثابة الكرازة والبشارة واعلم يا أخي البركة التي أخذها إبراهيم ولوط وأيوب وغيرهم بإضافتهم للعرباء، فحين وجد إبراهيم غرباء قادمون له أنظر ماذا فعل، يقول الكتاب ركض، طلب من زوجته إعداد الطعام، ركض مرة أخرى ليأخذ عجلا ليذبحه ليطهيه لضيوفه ، وقف يخدمهم وهم يأكلون وقد فعل هذا الأمر ابن ايه لوط أيضا ويقول عن هذا بولس الرسول: “لا تنسوا إضافة الغرباء، لأن بها أضاف أناس ملائكة وهم لا يدرون.” (عب 13: 2).
تمنيت أن يوضع أمر الرب ظاهرا أمام الشعب في مداخل الكنائس أو قاعاتها حين قال: ” وَإذَا نَزَلَ عِنْدَكَ غَرِيبٌ في أرْضِكُمْ فَلاَ تَظْلِمُوهُ، كَالوَطَنِيّ منْكُمْ يَكُونُ لَكُمْ الغَرِيبُ النَّازِلُ عِنْدَكُمْ وتُحِبُّهُ كَنَفْسِكَ لأنَكُمّ كُنْتُمْ غُرَبَاءَ في أرضِ مِصْرَ” (لا 19: 3334,) .