ماجد سوس
استيقظ العالم على يومٍ مظلم من أيامه ، على خبر مفجع بسيطرة حركة طالبان الإسلامية المتشددة على دولة أفغانستان بعد أن دخلتها القوات الأمريكية منذ عشرين عاماً لتحريرها من إرهابيي القاعدة وبعد أن دحرت طالبان وسلمت حكم البلاد للشعب وقد قامت الولايات المتحدة في هذه الفترة بصرف مليارات الدولارات على بناء بنية تحتية وطرق وكباري ومدارس ومستشفيات والعمل على تحرير المرأة وتعليمها وفي ذات الوقت أنشأت الولايات المتحدة جيشاً قويا بأسلحة متطورة قوامه ثلاثمائة ألف جندي بل أكثر من هذا حين قررت الخروج من أفغانستان تركت لهم معدات ودبابات وسيارة مدرعة إذا فماذا حدث ؟إ
إنه الفساد يا سادة المستشري بين رجال الحكومة بداية من الرئيس الهارب الناهب لأموال شعبه الفقير من جه ومن الجهة الأخرى بناء طالبان لقاعدة شعبية على مدى سنوات مع تجنيدها لكثير من الشباب داخل الجيش النظامي دون أن يقابله أي حراك حكومي لا على مستوى التعليم والإعلام ولا على المستوى الخدمي، لذا تجد انهيار الجيش والشرطة والمؤسسات كان أسرع مما توقعته طالبان نفسها.
و” طالبان” هي كلمة جمع وليس مثنّى لكلمة طالب في لغة الباشتو الأفغانية وقد نشأت حركة طالبان عام ١٩٩٤ بين طلاب متعصبين ينتمون إلى البشتونية في المدارس الدينية في ولاية قندهار الواقعة جنوب غرب البلاد على الحدود مع باكستان على يد الملا محمد عمر مجاهد (١٩٥٩-٢٠١٣) وقد بايعه الطلاب أميراً لهم، وقد وصل عدد أعضاء الحركة إلى ٣٨٪ من عدد السكان.
طالبان هي جماعة سُنيّة تدّعي أنها تعتنق المذهب الحنفي، وهو أمر غير حقيقي على مطلقه، لأن هذا المذهب أقل المذاهب تشدداً ويتعامل مع أصحاب الأديان الأخرى باعتدال، ولكن ما رأيناه في طالبان مختلف عن نهج الحنفية فحرّمت على النساء التعليم وكشف الوجه، وفرضت عقوبة على سائقي التاكسيات لكل من ينقل نساء كاشفات الوجه أو الخارجات بلا محارم.
كما تقوم الحركة بتحريم الموسيقى، في الأماكن كافة، وعقوبة المخالف السجن، وعلى الرجال عدم قص اللحية، ولدى هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مقاس خاص بطول اللحى، ومن يخالف هذا يُعتقل حتى تطول لحيته. الصلاة ممنوعة إلا في المساجد، ومن الأشياء الغريبة منع تربية الحمام واللعب بالطيور، ومن يُخالف هذا يعاقب بالسجن وبذبح الطيور الذي يملكها. حتى الأطفال لم يسلموا من تشددهم فقاموا بتحريم اللعب بالطائرات الورقية، وبالنسبة للفن قامت بتحريم غالبية أنواعه تمثيل، غناء، رسم، والنحت، وقد قامت طالبان بكل أسف بهدم التماثيل والمعابد والمباني الأثرية التي لا تقدر بمال.
طالبان في الماضي لم يكن لها تنظيم قوي مُنظّم كالإخوان المسلمين، فليس عندها هيكل إداري
ولا لوائح تنظم شؤونها الداخلية وبرامجها، ولكن أعتقد أنها تعلمت الدرس جيداً وقامت بتنظيم نفسها وترتيب البيت من الداخل وإلا لما وصلت لهذا النجاح في أيام قليلة. المُلا الحالي هو هبة الله أخوند زاده، ويتمتع بصلاحيات واسعة، ويلقب بأمير المؤمنين، وله حقوق شرعية فلا تجوز مخالفة أمره، كما لا يجوز عزله إلا إذا خالف التعليمات الدينية، أو عجز عن القيام بمسؤولياته، ويبقى في منصبه حتى الموت.
الحركة لها مجلس شورى مركزي يتم اختيار أعضاءه بالتعيين ومعظم أعضاءه من قادة الحركة، ولها مركز شورى في الولايات وهو يعاون الوالي والذي تعطى له صلاحيات واسعة وحركة طالبان لها دار إفتاء مركزية مقرها قندهار.
طالبان لا تؤمن بالديمقراطية وترفض استعمال لفظ الديمقراطية، لأنها “تمنح حق التشريع للشعب وليس لله”. ولا تؤمن بوجود دستور للبلاد أو أية قوانين وضعية فهي ترى أن القرآن والسنة هما دستور الدولة الإسلامية وإن الشورى ليست ملزمة بالتالي الحركة لا تسمح بتشكيل أحزاب سياسية، وأمير المؤمنين هو الخليفة الذي ينتخبه أهل الحل والعقد، ولا توجد مدة محددة لتولي منصب أمير المؤمنين.
التساؤل الذي يشغل بال المحللين في كل مكان، من وراء هذه الحركة بعضهم يعود بنشأتها إلى المخابرات الباكستانية، والأخرى تنسبها إلى المخابرات الأميركية إبان الحرب الأفغانية السوفياتية، لكن الحركة تنفي عن نفسها كل ذلك، وتحكي على لسان مؤسسها المُلا محمد عمر كيف نشأت وتطورت فيقول إن الفكرة نبتت في ذهنه بعد أن رأى الفساد المستشري في ولاية قندهار، حيث كان يتلقى علومه الدينية، ورأى أنه لا بد من وضع حد لهذا الفساد الذي أشاع الفوضى والإخلال بالأمن في ربوع البلاد، ودعا بعض طلاب المدارس الدينية فوافقوا على العمل للقضاء على هذا الفساد وبايعوه أميرا لهم في الثالث من أبريل عام 1996.
على أنه علينا أن نعود للوراء لنلقي بالضوء على صفحات التاريخ الأفغاني الدموي الحافل بالحروب الأهلية والصراع على السلطة بسبب تنوع وتعدد القبائل والفرق والشيع وتناحرهم الدائم لذا وجد بعض الناس ضالتهم وملاذهم في الوقوع تحت حركة تحاول توحيد القبائل، يأتي بعد هذا الفوضى الذي سببها الغزو السوفيتي لهم فالبلد كان يقودها حكم شيوعي دخل السوفييت ليحموه فانقسمت البلاد إلى ولايات شيوعية وأخرى إسلامية وأخرى بلا هوية فحدثت فوضى أمنية و إدارية بخلاف محاولة باكستان الدائمة للتدخل في أفغانستان بحجة امنها القومي مع الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة الأمريكية تحسباً لتحركات روسيا خصمها اللدود مع دور المشبوه الذي تلعبه تركيا وقطر في طالبان.
الوضع الحالي مؤسف طالبان تحكم وتسيطر، القاعدة تعود وتستيقظ فمقرها الرئيسي في أفغانستان، داعش وجدت ملعبا جديدا وأرضاَ خصبة لتقوم بالاعتداء على القوات الأجنبية وعلى الأفغان العزل الذين يحاولون الهرب خارج البلاد، وقد قامت بتفجيرين نتج عنهما خسائر بشرية كبيرة. في المقابل الولايات المتحدة أخرجت كل جنودها وجالياتها والمعاونون لها خارج أفغانستان بعد أن قامت بتعطيب طائراتها ومدرعاتها الحربية التي كانت تحمي بها المطار.
الأيام القادمة ستظهر لنا تداعيات استيلاء طالبان على الحكم وما انعكاساته على السلم والأمن الدوليين. هذا وقد سارعت العديد من دول العالم من بينهم الولايات المتحدة على إبقاء الباب مواربا أمام حركة طالبان علها تعود عن انتقامها ممن وقفوا ضدها في الماضي وتسلك مسلكا جديداً متسامح في إدارة البلاد داخلياً وخارجياً.