نستكمل سويا اليوم الجزء الخامس من سلسلة الأنهار المتشاطئة ويشمل موقف القضاء الدولي من قضية سد النهضة )
لقد تحركت مصر في قضية سد النهضة وفقًا لقواعد القانون الدولي.
بداية بالتفاوض، ثم اللجوء إلى الاتحاد الأفريقي
ومنه إلى مجلس الأمن ثم إعادة الملف مرة ثانية
من مجلس الأمن إلى الاتحاد الأفريقي.
ومن المؤكد عزيزي القارئ أن قواعد القانون الدولي
المتعلقة بالأنهار الدولية تتفق وحالة سد النهضة
فقاعدة الإخطار المسبق تلزم أي دولة مشاركة
مع دول أخرى في نهر دولي بإخطار باقي الدول
قبل تنفيذ أي مشروع على النهر مسبقًا
وكذلك البيانات لبحث كافة الأبعاد والمخاطر
وأيضًا قاعدة مبدأ الاستخدام المنصف والعادل
والتي تضمن توزيع مياه الأنهار الدولية وفقًا لمعايير دولية معينة
ومبدأ حسن النية والذي بمقتضاه لا تستطيع أية دولة يمر بها نهر مشترك مع دول أخرى أن تفعل ما تشاء في هذا النهر، فضلاً عن قاعدة عدم تحقيق الضرر الناتج عن إقامة أي مشروع على حقوق ومصالح الدول الأخرى.
عزيزي القارئ إن قواعد القانون الدولي سالفة الذكر والتي تتوافق وحالة سد النهضة، وأيضًا المسار القانوني الذي سلكته مصر للتوصل إلى حل لأزمة السد مقابل التعنت الأثيوبي لا يعني أن الأزمة توقفت عند هذا الحد، ولكن هناك طرق أخرى قانونية وشرعية لمصر أن تلجأ إليها مثل القضاء والتحكيم الدوليين، وقد تم تنظيم سبل الوصول إلى هذين الخيارين بشكل قانوني لخدمة مصالح الدول فيما تتنازع بشأنه.
وبالرغم من أن القانون الدولي يعطي حق لجوء الدول المتنازعة إلى القضاء أو التحكيم الدوليين.
إلا أنه يجب موافقة الأطراف المعنية بالاتفاق
على عرض النزاع على محكمة العدل الدولية أو التحكيم على غرار ما حدث في تحكيم طابا.
ويتسأل البعض ماذا سيحدث إذا ما عرضت قضية سد النهضة على محكمة العدل الدولية؟ بداية تم إنشاء المحكمة في 26/7/1945م وهي إحدى الأفرع الرئيسية لمنظمة الأمم المتحدة، وتتألف من قضاه ينتخبون بغض النظر عن جنسيتهم على أن يكونوا من المشرعين الدوليين المشهود لهم بالكفاءة في القانون الدولي، وتضم خمسة عشر عضوًا (قاضيًا تنتخبهم الجمعية العامة ومجلس الأمن).
ويحق لمصر طرح قضيتها العادلة أمام محكمة العدل الدولية.
حيث أن هذا حق للدول وحدها دون غيرها من أشخاص القانون الدولي طلبًا للفصل في منازعة قضائية على أن تكون تلك الدول أطراف في الدعاوى التي ترفع أمامها.
وقد اتاح النظام الأساسي للمحكمة حق اللجوء إليها للفصل في منازعة قضائية لثلاث طوائف من الدول:
أولها الدول الأعضاء بمنظمة الأمم المتحدة وثانيها الدول غير الأعضاء بالمنظمة لكنها منضمة للنظام الأساسي للمحكمة وثالثها دول غير أعضاء بالمنظمة وفي ذات الوقت غير منضمة للنظام الأساسي للمحكمة.
وجدير بالذكر أن محكمة العدل الدولية تختص بالفصل في منازعة قضائية، كما يحق اللجوء إليها لطلب رأيها الاستشاري.
وبما أن مصر وأثيوبيا دول أعضاء بالمنظمة، فيحق لهم اللجوء إلى المحكمة للفصل في النزاع القائم بينهم في قضية سد النهضة.
ويمثل هذا ولاية اختيارية للمحكمة أي يقوم اللجوء إليها بناًء على رضا كافة الدول أطراف النزاع بعرض أمر الخلاف على المحكمة للنظر والفصل فيه، ولابد من التراضي من جميع الدول أطراف النزاع، وإلا استحال عرض هذا النزاع على محكمة العدل الدولية.
ونحن نرى أنه ومع تعنت أثيوبيا فمن المحتمل ألا تلجأ إلى محكمة العدل الدولية مع مصر مما يجعل قبول النزاع أمام المحكمة أمرًا مستحيلاً.
ويثبت عزيزي القارئ رضا الدول أطراف النزاع بعرضه على المحكمة إما في اتفاق بعقد بين دولتين أو أكثر بمناسبة نشوب نزاع معين بينهما.
وإما برضا الدول أطراف النزاع بعرضه على المحكمة في اتفاق يبرم بين دولتين أو أكثر قبل نشوب أي نزاع بينهما سواء اتخذ هذا الاتفاق شكل نص يرد في معاهدة يقضي بقبول اللجوء إلى المحكمة عند اختلاف الدول أطراف المعاهدة مستقبلاً حول تطبيقها.
وقد يكون إثبات الرضا على هيئة إبرام معاهدة مستقلة يقتصر موضوعها على تنظيم مسألة لجوء أطرافها من الدول إلى المحكمة للفصل فيما قد ينشأ في المستقبل من منازعات، وكذلك يثبت رضا أطراف النزاع بعرضه على المحكمة في تصريحات خاصة تصدر عن الدول أطراف النزاع أو بعرضه في مذكرة خاصة ترسل من الدول أطراف النزاع إلى محكمة العدل الدولية أو إلى مسجلها. أو قبول الدول أطراف النزاع الترافع أمام المحكمة دون الدفع بعدم اختصاص هذه المحكمة أو بعدم ولايتها. عزيزي القارئ إن ما تقوم به مصر الآن من تنمية على مختلف المجالات يؤكد أنها لا تفكر إلا في صالح شعبها، وتحقيق الرخاء والتنمية له، وتسعى إلى الحل السلمي لإنهاء الأزمة حفاظًا على شعبها والقارة الأفريقية.
ونحن نثق في القيادة المصرية وفي حقيبتها الدبلوماسية التي بها العديد من الحلول للقضاء على أزمة سد النهضة.
د.هويدا عبد المنعم دكتور قانون دولي عام مستشار أكاديمي قانوني مجموعة جاستس الدولية.
مع تحيات إدارة جاستس الدولية للإستشارات المستشار نشأت عبدالعليم