مختار محمود
في مثل هذا اليوم قبل ثماني سنوات بالتمام والكمال، وتحديدًا في السادس عشر من يوليو 2013، كانت مصر على موعد مع التاريخ والجغرافيا سويًا، عندما تم استوزار مجدد الدين والدنيا، وشيخ الوزراء ووزير الشيوخ الأستاذ الدكتور محمد مختار جمعة لحقيبة الأوقاف.
ولا يختلف اثنان ولا يتناطح عنزان على الطفرة التي أحدثها معالي الوزير في مجال الدعوة الإسلامية والخطاب الديني، حتى إن الرجل آثر أن يفعل كل شيء بنفسه، مستغنيًا عن خدمات من يفوقونه علمًا وعُمرًا ومكانة ومكرمة؛ حرصًا على أن يخرج في صورة مثالية أقرب للكمال، وهذا حُسن ظن بنفسه وقدراته ومقوماته وإمكاناته الخارقة والاستثنائية.
طاف الوزير خلال السنوات المنقضيات، ولا يزال يطوف أنحاء مصر محتكرًا خطبة الجمعة التي تحولت من خلاله إلى عمل مشوّه أجوف لا قيمة له ولا تأثير؛ فحققت الهدف المطلوب وهو انفضاض المصلين عن المساجد التي صارت خاوية على عروشها؛ بعدما أدركوا أنهم لن يستفيدوا شيئًا مذكورًا من خطب الوزير الموحدة والمجففة والمُعلبة وسابقة التجهيز، فصار هذا العمل المشهود دُرة التاج والعِمَّة!
والحقَّ أقول: إن الوزير نفذ كل هذه الجولات المكوكية في قرى ونجوع مصر، وفي مساجدها الكبرى وزواياها الصغرى متجردًا من أية موهبة أو حضور أو كاريزما؛ فالرجل لا يكادُ يُبين، ويعاني تعثرًا في نطق بعض الحروف مثل: حرف الراء، كما لا يتقن حفظ القرآن الكريم، وكثيرًا ما أظهر عجزًا لافتًا في قراءة فاتحة الكتاب وقصار السور، ومنصة الفيديوهات المصورة “يوتيوب” تحفل بما يندي له الجبين، رغم تدخلات معالي الوزير السافرة من أجل حذفها.
كما ضرب معالي الوزير خلال السنوات المنقضيات المثل الأعلى في الزهد والإيثار، فلم يكتف باحتكار المنابر واحتقار زملائه وتجاهلهم وتجميدهم، ولكنه ولَّى وجهه أيضًا شطر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، وفرض نفسه كرهًا عليها، فصار له في الإذاعة برنامج يومي أقرب للسياسي أو الفكاهي منه إلى أي شيء آخر، وبرامج في التليفزيون لا يتابعها أحد، ومداخلات في الفضائيات يتحدث خلالها عن إنجازاته التي لا يراها غيره، وفي المقابل اختفى علماء الأزهر الأكابر في ظل سطوة ونفوذ الشيخ “نمبر وان”.
ولأنَّ معالي وزير الأوقاف لا يبغي جزاءً ولا شكورًا من وراء مجهوداته الأسطورية والخرافية، ولا يشغله أن يعرف بها أحد، فإنه حرص على أن يكون موجودًا عبر جميع منصات التواصل الاجتماعي، حيث ينشر عليها كل صغيرة وكبيرة، حتى لو كان قرارًا إداريًا بخصم أو مكافأة أو مساعدة محتاج، وكأنه ينفق من ماله الخاص، وهذا أمر يُحسب لفضيلته دون شك.
ولأنَّ معالي الوزير ليس مشغولاً بثناء البشر وأحاديثهم، كما أسلفنا، وإنما يفعل ما يفعل؛ ابتغاء وجه الله تعالى، فإنَّ عميد الوزراء ومعاونيه الأقربين يطلبون بالأمر المباشر من كل العاملين والمنتمين لوزارة الأوقاف بضرورة التفاعل الإيجابي مع كل ما ينشره الوزير مدعومًا بتعليقات مادحة وشاكرة للوزير والدعاء له بطول البقاء في منصبه.
ولأنه يستحيل أن يقبض الوزير على كل هذه المهارات: خطيبًا ومذيعًا وناشطًا على مواقع التواصل الاجتماعي، دون أن يكون مؤلفًا مبدعًا، فوضع الكتاب وراء الكتاب، حتى ضجت المكتبات بها. ولأن الوزير مشهود له بالتباسط والتواضع فإنه يحرص بنفسه على ترويج كتبه في المؤسسات الصحفية وأثناء رحلاته بالمحافظات، حيث يلتقط الصور التذكارية مع المحافظين على طريقة مرجان أحمد مرجان وديوانه: “أبيع نفسي”..شكرًا معالي الوزير وعقبال 80 سنة في الوزارة.