بقلم سمير بديع البهجورى
فى بداية عملى بالتربية والتعليم ، كانت تصرف لنا تذاكر مجانية بالقطار ، مما يشجعنا على السفر — خاصة فى الصيف — للتمتع بجمال الأسكندرية ( عروس البحر المتوسط ) حيث نظافة شوارعها ، وذوق ورقة أهلها ، قلت مرة لأحد أصدقائى : ” يخيل إلىَّ أن الملائكة تأتى ليلا لتغسل شوارع المدينة وأشجارها ” …!! واكتشفت أن عربات الرش الخاصة بالبلدية تقوم بعملها هذا بدءا من منتصف كل ليلة .
أناقة السيدات بالفساتين الشيك ( تحت الركبة ) والمايوهات البكينى ، والشباب المهذب ، لم نسمع عن حالة تحرش واحدة ، اختلف الأمر منذ منتصف السبعينات مع موجة التصحر القادمة من بلاد النفط ، والتدين الظاهرى وانفلات الشباب ( وأحيانا الرجال ) بسبب الفتاوى الشاذة والشعب المتدين بطبعه ..!!
جالسا على الرمل الأبيض النظيف فى أحد البلاجات ، إلى جوارى شقيقان أكبرهما فى العشرين من عمره تقريبا ، الشقيق الآخر يصغره بأعوام قليلة ، كنت أظن أنهما توأمان لشدة التطابق بينهما .
لفت نظرى الشقيق الأصغر ، هو شخص مهذب ، حلو الكلام ، أنيق المظهر ، فقط آلمنى جدا أن رأيت كفّى يداه الإثنتين ، كل كف منهما خالٍ من الأصابع عدا أصبعا واحدا هو .. الإبهام ..!!
لم يكن هذا نتيجة حادث ، بل هكذا خلقه الله …!!
ترك الشقيق الأصغر مكانه وذهب ليقضى أمرا ، ربما لشراء بعض الأغراض ، فوجدتها فرصة . سألت شقيقه الجالس إلى جوارى :
— هل شقيقك هذا يكتب ويقرأ ..؟!
أجابنى وبعض الحزن باديا على وجهه :
أخى هذا حساس جدا ، أرجوك لاتسأله مثل هذا السؤال عند عودته ، هو متفوق جدا فى دراسته ، وخطه ( أحسن من خطى ) ..!!
ولما لاحظ هذا الأخ دهشتى ، قال وهو يبتسم :
— أخى لايمتاز بجمال الخط فقط ، وإنما هو ( خطاط ) ..؟!،
عاد شقيقه بعد دقائق ، وساد بيننا صمت ثقيل ، رغم أنى كنت أتمنى لو واصلت الحديث مع الشقيق الأصغر ، هناك هواية مشتركة فيما بيننا وهى إجادتنا لقواعد الخط العربى وكتابة ( اليفط ) … ولكنى احترمت رغبة شقيقه .
بعدها بسنوات قليلة قرأت مانشيت بالخط العريض فى جريدة أخبار اليوم يقول : ” أشهر خطاط بالإسكندرية بدون أصابع ” … والمقال بقلم الأستاذ مصطفى أمين رئيس التحرير شخصيا ..
لعلنا نعرف أن الله الخالق العظيم المحب للبشر قد ترك بصمة خاصة تميز كلا منا ، وعلى ولاة الأمور محاولة لكل من هؤلاء الأبناء ، كما فعلت أم أديسون المخترع العظيم فى الوقت الذى أرسلت فيه المدرسة خطابا لوالدته يبدى إعتذار المدرسة عن قبول الطفل أديسون لأنه غبى ..؟!،
