لم يتحمل جسده المُنهَك بفيروس الكورونا والمُلقّح ضد الوباء الصمودَ وهو الذي صمد ضد العاتيات وصواعق الدهر والطائفية ومجتمع لا متسامح، وظل طوال خدمته يعتبره المسلمون قبل المسيحيين قمُّصَهم النقي، ونموذجا لرجل الدين الذي لا نرى منه إلا قلـّة تخدم الله والوطن والمعبد والمؤمنين.
القمّص صرابامون الشايب، أمين دير القديسين بالأقصر، صعد إلى جوار ربه في سلام وأمان بعدما حذّر المسؤولين من انتشار جائحة كورونا في الأديرة المنعزلة، فكانت العُزلة ثلاث: جسدية وحُزنا على أصدقائه المصابين وفجعا من إهمال قادم لأناس وهبوا أنفسهم للسلام.
القمص صرابامون الشايب، أسكنه الله فسيح جناته مع الصدّيقين والشهداء وحسُن أولئك رفيقا، كان حالةَ حٌب مجسّدة في نفس رقيقة لا يخاطبك إلا بالدعاء لك، ويُشعرك أنه حامل رسائل من المؤمنين وغير المؤمنين إلى السماوات العُلا.كان، رحمه الله، شهادة حيّة أن الاديان كلها يمكن أن تتوحد في قلب رجل واحد، فيراه كل صاحب دين كأنه نزل من السماء للقاء شخصي وخاص ووديع لتصفية أي شوائب تكون قد علقت بالقلب عن غير قصد.
كنت أشعر معه أنه في الكنيسة والدير والمسجد والمعبد يصاحبه رهط من الملائكة لحمايته ولملء قلبه بالبركات لئلا تنفد إذا قابل أحدا.
يختلط على الصديق الأمر فلا يدري، احيانا، أهو إنسان من لحم وشحم أم ملاك متخفي في صورة بشرية ليعلــّــم رجال الدين كيف يأنسون بالحُب بدون التمييز بين بني آدم.
قبل رحيله، غفر الله له، طلب من مُحبيه أن لا يتصلوا به ففيروس كورونا أرهقه، وحباله الصوتية بقي منها ما يكفي للأدعية والصلوات فقط.
كنت أفرح برسائله الفيسبوكية الموجهة لي كأنه يُحدد فيها موعدا للقاء دافيء؛ إنْ لم يكن في الدنيا فبجوار الله في الآخرة.
كان شجاعا على عكس أكثر رجال الدين، فيستمد شجاعته من إيمانه ومن قدرته على تجاوز عبادته إلى ما وراء الدين حيث الفكر يسع السماء والأرض بقدرته على التسامح.
كان القمص صرابامون الشايب يملك ابتسامة لا تدري معها إنْ كانت مصنوعة من الأدعية أم مُباركة بضحكات الملائكة.تغمده الله بواسع رحمته في جنة الخُلد حيث ينعم برؤية وجه الله، ذي الجلال والإكرام.
محمد عبد المجيد طائر الشمال عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين أوسلو في 8 مايو 2021