الثلاثاء , نوفمبر 19 2024

قيامة السيد المسيح من بين الأموات: والتحوّلات التاريخية!

د.ماجد عزت إسرائيل

بعد القرار التاريخي بصلب السيد المسيح، قال الرب لصالبيه: “إِذْ كُنْتُ مَعَكُمْ كُلَّ يَوْمٍ فِي الْهَيْكَلِ لَمْ تَمُدُّوا عَلَيَّ الأَيَادِيَ. وَلكِنَّ هذِهِ سَاعَتُكُمْ وَسُلْطَانُ الظُّلْمَةِ».” (لو 22: 53).”اَلآنَ دَيْنُونَةُ هذَا الْعَالَمِ. اَلآنَ يُطْرَحُ رَئِيسُ هذَا الْعَالَمِ خَارِجًا.” (يو 12: 31).

فكانت هي الساعة الأخيرة في عمر العالم العتيق والإنسان الأول. “وَلكِنِ الآنَ قَدْ قَامَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ وَصَارَ بَاكُورَةَ الرَّاقِدِينَ.” (1 كو15: 20). وبذلك عرف الإنسان أنه يوجد حياة أخرى بعد الموت إي ملكوت سماوي، المسيح هو نفسه ملكاً عليه، وإليه ينقل الإنسان الذي يلده بروحه، مجدِّداً كل مَن يعتمد ويؤمن باسم ابنه؛ ينقله الآب من الظلمة الأولى وسلطان الشيطان إلى ملكوته الأبدي ونوره العجيب: “الَّذِي أَنْقَذَنَا مِنْ سُلْطَانِ الظُّلْمَةِ، وَنَقَلَنَا إِلَى مَلَكُوتِ ابْنِ مَحَبَّتِهِ،” (كو 1: 13).

وهذا ما أكده مخلصنا الصالح قائلاً: “… وَأَمَّا أَنَا فَقَدْ أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ.” (يو 10: 10). وبالقيامة عرف العالم إن ﺍﻟﺼﻠﻴﺐ ﻫﻮ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ ﺇﻟﻰ تحقيقها.

والصليب صار كسيفِ لهيب النار المتقلِّب لحراسة الطريق المؤدِّي إلى ملكوت الله حتى لا يدخله أحد ولا شيء ما من الخليقة العتيقة! أي أن الرب يسوع المسيح هو الطريق الوحيد لنقل الإنسان من الأرض إلى السماء.

والقيامة هي الباب الجديد الذي افتتح به الرب أزمنة الخلاص وبهجة الملكوت وأنار طريق الخلود.

  وبقيامة يسوع المسيح من بين الأموات تحوُّل تلاميذه ومريديه ومحبيه إلى مبشرين لكل بقاع المسكونة بعد أن كادوا يتركوا كل شيء وراءهم راجعين إلى الجليل،هؤلاء الرعاة والفلاحين وصائدو السمك، والصيارفة وغيرهم الذين خانوا وأنكروا سيدهم بشكل مؤسف بين عامة اليهود، تحولوا خلال ثلاث أيام إلى مجتمع متحمس من المبشرين مقتنعين بالخلاص وقادرين على شق طريقهم بكل جسارة ونجاح بعد قيامة المسيح.

وكان لسان حالهم يقول: “مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. فَمَا أَحْيَاهُ الآنَ فِي الْجَسَدِ، فَإِنَّمَا أَحْيَاهُ فِي الإِيمَانِ، إِيمَانِ ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي.” (غل 2:20). وأيضًا “لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا قَدْ صِرْنَا مُتَّحِدِينَ مَعَهُ بِشِبْهِ مَوْتِهِ، نَصِيرُ أَيْضًا بِقِيَامَتِهِ.” (رو 6: 5).

   كانت قيامة السيد المسيح أمرًا هامًا جدًا للمجتمع المسيحي بمدينة أورشليم حيث إعاد هيبة ومكانة اتباعه (الرسل) بين المجتمع اليهودي الذي اِنزَعَجَ بقيامة مخلصنا الصالح “وَبِقُوَّةٍ عَظِيمَةٍ كَانَ الرُّسُلُ يُؤَدُّونَ الشَّهَادَةَ بِقِيَامَةِ الرَّبِّ يَسُوعَ، وَنِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ كَانَتْ عَلَى جَمِيعِهِمْ،” (أع 4: 33). وحقا قد اِنزَعَجَ رؤساء اليهود لهذا الحدث التاريخي الفريد،لأن المناداة بقيامة المسيح تثبت لاهوته وبره، وتدل علي أن اليهود صلبوه ظلمًا،وأنهم مطالبون بدمه.لذلك استدعوا اليهود الرسل وقالوا لهم:«أَمَا أَوْصَيْنَاكُمْ وَصِيَّةً أَنْ لاَ تُعَلِّمُوا بِهذَا الاسْمِ؟ وَهَا أَنْتُمْ قَدْ مَلأْتُمْ أُورُشَلِيمَ بِتَعْلِيمِكُمْ، وَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْلِبُوا عَلَيْنَا دَمَ هذَا الإِنْسَانِ».” (أع 5: 28). ولكن لمكانة الرسل عقب القيامة جعلتهم يردوا عليهم قائلين: “وَلكِنْ أَنْتُمْ أَنْكَرْتُمُ الْقُدُّوسَ الْبَارَّ، وَطَلَبْتُمْ أَنْ يُوهَبَ لَكُمْ رَجُلٌ قَاتِلٌ. وَرَئِيسُ الْحَيَاةِ قَتَلْتُمُوهُ، الَّذِي أَقَامَهُ اللهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَنَحْنُ شُهُودٌ لِذلِكَ.”  (أع 3: 14-15).

.. وكان التوبيخ الذي سمعه اليهود من الرسل “أنتم أنكرتم القدوس البار، وطلبتم أن يوهب لكم رجل قاتل. ورئيس الحياة قتلتموه” (أع 3: 14، 15).

  بقيامة السيد المسيح من بين الأموات ذهب الشهود الزور إلى مزبلة التاريخ ولا يعاد لهم صوت بين أركان المجمتع.

كانت المحاكم اليهودية عبر تاريخها تعتمد على وجود أكثر من شاهد”«لاَ يَقُومُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ عَلَى إِنْسَانٍ فِي ذَنْبٍ مَّا أَوْ خَطِيَّةٍ مَّا مِنْ جَمِيعِ الْخَطَايَا الَّتِي يُخْطِئُ بِهَا. عَلَى فَمِ شَاهِدَيْنِ أَوْ عَلَى فَمِ ثَلاَثَةِ شُهُودٍ يَقُومُ الأَمْرُ.” (تث 19: 15). فقد جمعوا اليهود عند محاكمة يسوع شهود زور كما جاء بالكتاب المقدس قائلاً: “.. وَلكِنْ أَخِيرًا تَقَدَّمَ شَاهِدَا زُورٍ”وَقَالاَ: «هذَا قَالَ: إِنِّي أَقْدِرُ أَنْ أَنْقُضَ هَيْكَلَ اللهِ، وَفِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَبْنِيهِ».” (مت 26: 60-61). “فَإِنْ لَمْ تَكُنْ قِيَامَةُ أَمْوَاتٍ فَلاَ يَكُونُ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ!” وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ، فَبَاطِلَةٌ كِرَازَتُنَا وَبَاطِلٌ أَيْضًا إِيمَانُكُمْ، وَنُوجَدُ نَحْنُ أَيْضًا شُهُودَ زُورٍ للهِ، لأَنَّنَا شَهِدْنَا مِنْ جِهَةِ اللهِ أَنَّهُ أَقَامَ الْمَسِيحَ وَهُوَ لَمْ يُقِمْهُ، إِنْ كَانَ الْمَوْتى لاَ يَقُومُونَ. لأَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمَوْتى لاَ يَقُومُونَ، فَلاَ يَكُونُ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ. وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ، فَبَاطِلٌ إِيمَانُكُمْ. أَنْتُمْ بَعْدُ فِي خَطَايَاكُمْ! (1 كو 15: 13-20).

   بقيامة المسيح من بين الأموات حدثت تحوّلات تاريخية في بلاط الحكام فبيلاطس البنطي (26-36م) نمؤذجًا- الذي ذهب إليه يسوع لمحاكمته تحت ضغظ اليهود وصدر لنا هذا المشهد التاريخي الذي دونه معلمنا متى قائلاً: “فَلَمَّا رَأَى بِيلاَطُسُ أَنَّهُ لاَ يَنْفَعُ شَيْئًا، بَلْ بِالْحَرِيِّ يَحْدُثُ شَغَبٌ، أَخَذَ مَاءً وَغَسَلَ يَدَيْهِ قُدَّامَ الْجَمْعِ قَائِلًا: «إِنِّي بَرِيءٌ مِنْ دَمِ هذَا الْبَارِّ! أَبْصِرُوا أَنْتُمْ!».”مت 27: 24). أكد على إيمانه بقيامة المسيج وأيضًا زوجته وبكل تأكيد كل حاشيته وبلاطه حيث كتب بيلاطس  في رسالته إلى هيرودس، رئيس الربع قائلاً:”سلام:أعلم وتأكد، بأنّه في اليومِ أسلّمتَ يسوع لي،أَشفقت على نفسي وأُكّدتُ بغسل يداي بأنني بريءَ من دم من قام منْ القبرِ بعد ثلاثة أيامِ وقد تحقق سرورَكَ فيه، لأنك أردَتني أَنْ أُشترك معك في صلبِه، لَكنِّي علّمُت مِنْ المنفذين ومِنْ الجنود الذين حَرسوا قبرَه، أنه قام من الموت ولقد تأَكّدتُ مما قيل لي:فأنّه ظهر جسديا في الجليل، في نفس الشكلِ،وبنفس الصوتِ، وبنفس التعاليم، ومَع نفس التلاميذ، لَمْ يُتغيّرْ في أيّ شئِ، سوي التَبشير بقيامته بجراءة وبمملكةِ أبديةِ, وانْظرُ، إن السماء والأرض فْرحتا؛وبروكلا, زوجتي, تُؤمنُ بالرُؤى التي ظَهرتْ لها، عندما أرسلتَ لى الرجل, وقالت بأنّني لا يَجِبُ، أَنْ أُسلّمَ يسوع لشعب إسرائيلِ، بسبب نواياهم الشريرة، وعندما سمعت زوجتي بروكلا، بأنّ يسوع قد قام وظُهِرَ في الجليل، ذهبت مَع لونجينوس، القائد الروماني واثنا عشرَ جندي…”.  

   إن قيامة السيد المسيح من بين الأموات كانت السبب الرئيسي في تأسيس الكنيسة وبالتالي حدثت تحولات تاريخية في شتى العلوم والمعارف كعلم التاريخ والأديان واللاهوت والطقوس والفنون وغيرها من العلوم. هنا نؤكد أن مرحلة التغير المجتمعي في أورشليم أو في المسكونة كلها قد أخذ قرونًا ولاننكر تاريخنًا أن المؤمنين  الأوائل الذين شهدوا لقيامة السيد المسيح من بين الأموات كانوا في الأصل من اليهود، هؤلاء اليهود يراعون بكل دقة عاداتهم وموروثاتهم الدينية، مع ذلك فقد دعـى هـؤلاء يوم الرب، وهو يوم ذكرى القيامة من الأموات بـدلاً مـن يوم السبت. وأيضًا العماد أو التنصير فهي ذكرى للمؤمنين، كأنهـم قد ماتوا فعـلاً معـه ثم قاموا منتصرين “مَدْفُونِينَ مَعَهُ فِي الْمَعْمُودِيَّةِ،الَّتِي فِيهَا أُقِمْتُمْ أَيْضًا مَعَهُ بِإِيمَانِ عَمَلِ اللهِ،الَّذِي أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ.” (كو 2: 12).

  إن السيد المسيح كان يخبر تلاميذه دائما بالقيامة وينبأ بذلك عن التغير والتحولات التاريخية. حيث َقَالَ لَهُمْ: «هكَذَا هُوَ مَكْتُوبٌ، وَهكَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ وَيَقُومُ مِنَ الأَمْوَاتِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ،” (لو 24: 46). وهذا ما أكده الملاك قائلا “فَأَجَابَ الْمَلاَكُ وَقَالَ لِلْمَرْأَتَيْنِ : «لاَ تَخَافَا أَنْتُمَا، فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكُمَا تَطْلُبَانِ يَسُوعَ الْمَصْلُوبَ. لَيْسَ هُوَ ههُنَا، لأَنَّهُ قَامَ كَمَا قَالَ! هَلُمَّا انْظُرَا الْمَوْضِعَ الَّذِي كَانَ الرَّبُّ مُضْطَجِعًا فِيهِ. وَاذْهَبَا سَرِيعًا قُولاَ لِتَلاَمِيذِهِ: إِنَّهُ قَدْ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ. هَا هُوَ يَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ. هُنَاكَ تَرَوْنَهُ. هَا أَنَا قَدْ قُلْتُ لَكُمَا». “(مت 28:  5-7)”. للحديث بقية!

  كل عام وأنتم بكل خير وكل مصرنا الحبيبة والشرق الأوسط وعالمنا العربي والعالم بكل خير وسلام. ببركة قيامة السيد المسيح من بين الأموات المسيح قام… بالحقيقة قام.

شاهد أيضاً

رحمة سعيد

كيف نحمي البيئة من التلوث؟

بقلم رحمة  سعيد متابعة دكتور علاء ثابت مسلم  إن البيئة هي عنصر أساسي من عناصر …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.