دينا المقدم
لدى كل إنسان منا ظل واحد، عدا “قناصة الاستطلاع” فلديهم أكثر من ظل.
يتصور البعض أن رجل الظل، يجب عليه أن يكون صاحب مواصفات خارقة، مثل تلك التى تكتب عن شخصية “سوبر مان” مثلًا، ومنذ زمن لعبت روايات رجل المستحيل للكاتب نبيل فاروق، دورًا هامًا فى ترسيخ صورة هذا الرجل، الذى يرتدى قبعة سوداء، ويتميز بمواصفات خارقة.
رجال الظل قادرون على المستحيل، ودائمًا ما يفوزن فى كل المغامرات، فترسخت فى أذهاننا صورة البطل الخارق، ولم نلتفت لمشاعره واحتياجاته كإنسان طبيعى مثلى ومثلك.
ومنذ فترة وأنا أبحث عن تقرير، أو مقال، يحلل، أو يتحدث عن الجانب الإنسانى والخاص لرجال الظل، هذا ـ الجانب ـ المحرم عليهم أنفسهم الاقتراب منه.
هؤلاء الرجال الذين يعيشون حياتهم بالكامل بشخصيات ليست كـ طبيعتهم، وفى الحقيقة، ما أصعب على المرء من أن يعيش حياة أخرى، غير تلك التى يفترض أن يعيشها فى حياته.
ربما نحن نرى إنها نوع مشوق من أنواع المغامرات، أن ننتحل شخصيات أخرى، ونخوض عمليات استخباراتية تتميز بالإثارة والأكشن، لكن من المؤكد أنه شئ تعيس، ومحزن جدًا أن تمارس حياتك باسم وهوية غيرك، بل أحيانًا تموت دون أن يعرف أحد من أنت؟ فى علم النفس، يعد تعبير الإنسان عن ذاته وشخصه، هو فعل صحى، يحافظ على صحة الإنسان النفسية، إلا أن رجل الظل يضحى بكيانه النفسى، والشخصى؛ من أجل الحفاظ على أمن الأوطان والشعوب، وهو أصعب على المرء من الاستشهاد فى الحروب.
لو تعلمون، فالجندى فى المعركة يعرف أنه يخوض حربًا، وسيرزق الشهادة على أرضه، باسمه وهويته ورتبته، إلا أن رجل الظل لا يعلم بأى اسم، وأى جنسية، وفى أى أرض سيموت؟ أتعلم ما مدى قسوة أن يعيش الإنسان ولا يستطيع التعبير عن نفسه وأفكاره ومشاعره؟! إن رجل الظل يختلف عن رجل الجيش، ـرجال الجيش يعلمون جيدًا متى يبدأون، ومتى ينتهون من مهمتهم، ولديهم حياة حقيقية تعبر عنهم بشكل جيد إلى حد ما.
إلا أن رجل الظل حياته ليست ملكه أبدًا، ولا يستطيع التعبير عن أى نوع من أنواع المشاعر الإنسانية لأن أهم صفة من الصفات الواجب توفرها فيه، هى الصمت.. الصمت التام والدائم فى جميع المواقف، وكذلك الهدوء فى أكثر المواقف صخبًا إضافة إلى قوة الملاحظة وهى حالة فوقان دائم للعقل حتى وقت النوم وسرعة البديهة فمحرم عليهم الخطأ.
فالخطأ يعنى الخطيئة كذلك فإن من أبرز تلك الصفات، حسن التصرف الدائم من منا يستطيع ذلك وسرعة التكيف تحت أى وضع وأى ظروف وأى مكان ونكران الذات فأمن وطنه وشعبه الأولى والأهم دائما فمحرم عليهم النسيان أن يكون خاليًا من جميع الأمراض النفسية حتى ممنوع عليهم الاكتئاب البشرى البسيط حتى الاكتئاب الذى نصاب به جميعًا بسبب ضغوطات الحياة، وأن يتخذ قراره ويتحمل نتائجه اما النجاة واما الموت دون مشورة ودون تشجيع ليس هذا فحسب، فرجل الظل يتمتع بعقلية التحليل والاستنباط والارتياب والشك فى الجميع حتى فى ذاته احيانا أتعلم ما مدى قسوة ذلك على النفس، أن تعيش وأنت تشك فى جميع من حولك؛ لأن الثقة الدائمة يمكن أن تحطم عملك، أو تؤذى وطنك؟.. لذا يخضع رجال الظل طيلة فترة عملهم إلى رقابة فى كل شىء، فى العمل، والإجازة، ومع العائلة التى نادرا ما يجتمع بهم والأصدقاء، والحسابات المصرفية، وأسلوب العيش، إضافة إلى مراقبة جميع اتصالاته مع علمه الكامل بذلك….هل تستطيع أن تعيش مراقب طيلة الوقت ياعزيزى حياة مليئة بالصعوبات، التى لا يتحملها إلا الأبطال ينكر ذاته وينفيها فرجل الظل عندما ينفك من العمل، يذهب للتدريب، والتعليم، وتلقى الدورات المستمرة، حتى نهاية الخدمة بل وحتى نهاية حياته رجل الظل مطلوب منه أن يعيش فى صف العدو أحيانا لذا لو كان الجندى يحتاج للتدريب فى الجبهة، فرجل الظل قد يحتاج أن يطيل لحيته، ويمسك مسبحة فى مسجد ما فى مدينة عدوه، على حدود بلاده ويسمع باذنيه إهانة وطنه وارضه يختلف توصيف الطاعة بين الجندى ورجل الظل، فالجندى ملزم بالطاعة بدقة، والابتعاد عن أية صلة بالعدو، والحرص منه، بينما يدرب رجل الظل على التعايش مع العدو، ومن يذهب للعمل مع العدو، يجب أن تكون له قدرات خارج معاييرنا نحن تمامًا، ناهيك عن أن رجال الظل لا يستمتعون بحياتهم، وبعضهم لا حياة له من الأساس سوى فى الظل حياتهم ليست بسيطة أو سهلة..مشاعرهم مدفونة وارواحهم متعبة وعقولهم لا تستريح..فلا تستهين بالصورة البطولية فى الروايات والوثائق والاعمال الدرامية….وراء الستار ألم لا يسمح البوح به على الإطلاق تحية إجلال، واحترام، لرجال الظل.