الإثنين , ديسمبر 23 2024
مختار محمود

مسجد الإله آمون!

مختار محمود

“وزراء رد الفعل”..أبلغ وصف ينطبق على وزراء الحكومة الحالية. ليس هناك وزير قادر على المبادرة من تلقاء نفسه. إمَّا إنهم يخشون المبادرة وإمَّا لا يملكون مقوماتها، ولذا فإن قراراتهم تبقى دائمًا وأبدًا “رد فعل”، أو صدىً لتوجيهات وقرارات وتحركات وإشارات وإيماءات الرئيس. في موكب المومياوات الملكية الذي أبهر العالم كله بحضارة مصر وتاريخها العريق.. لم يشأ وزراء مصطفى مدبولي تفويت الفرصة، حيث قرر وزير التربية والتعليم المتعثر إداريًا بإجماع المختصين والطلاب وأولياء الأمور تدريس اللغة المصرية القديمة في مناهج المرحلة الابتدائية.

أراد طارق شوقي مغازلة الرئاسة، وتوصيل رسالة مفادها بأنه على الدرب سائر وماضٍ ومواكب، فاتخذ قرارًا بتدريس اللغة الهيروغيلفية، دون أدنى استعداد، في الوقت الذي تتخبط فيه قراراته العشوائية يمينًا ويسارًا، ويشهد التعليم في عصره سقوطًا مدويًا، أمّا التربية فلا تسأل عنها منعًا للحرج! وزير التعليم الذي يعاني مشاكل متراكمة في جميع المراحل التعليمية بسبب سياسته العرجاء والعاجزة، أراد أن يقدم قربانًا جديدًا يحفظ به نفسه من إقالة محتملة ومستحقة، فأطلق قراره المذكور؛ ظنًا منه بأن مثل هذا الطريقة في الإدارة قد تنطلي على الرئاسة، وتحميه من إبعاده عن منصبه الذي جاءه بالتنظير الذي لا يسمن ولا يغنى من جوع.

الدليل على أن قرار الوزير كان مجرد صدى لموكب المومياوات الملكية، أن رسائل ماجستير ودكتوراه عديدة أوصت في فترات سابقة بضرورة تدريس رموز الكتابة الهيروغليفية وما يقابلها من معانٍ باللغة العربية في المناهج التعليمية، بشكل مبسط يدفعهم دفعًا قويًا نحو التعرف على تاريخنا القديم من مصادره الأساسية دون تدخل من الآخرين الذين كنا وما زلنا – للأسف الشديد – نستقي تاريخنا عنهم، ورغم ذلك لم يهتم أحد.

قرار تدريس الهيروغيلفية ربما كان وجيهًا، لو جاء دون مناسبة، أو اعتمادًا على توصيات باحثي الماجستير والدكتوراه الذين يتم إهالة التراب على رسائلهم، ولكنه جاء في سياق معروفة دوافعه، من أجل الشو الإعلامي وتجنب الإطاحة بالوزير في أقرب تعويم للحكومة العالقة.

كان ينبغي التمهيد لهذا القرار من خلال وسائل الإعلام المختلفة، ودور الثقافة، ومراكز الشباب، وغيرها من وسائل نشر الوعي، ومن خلال مختصين قادرين على توصيل الفكرة للمواطنين وأولياء الأمور، يوضحون لهم فوائد تعليم الهيروغليفية بالمدارس، وإذا اقتنع ولي الأمر فمن السهل بعد ذلك أن نجد التلميذ المهتم بمعرفة هذه الكتابة والسعي نحو إتقانها. وإذا كان وزير التعليم استبق جميع زملائه بهذه الخطوة، فإن وزير الأوقاف لن يفوتها بطبيعة الحال، هذه عادته ولن يشتريها، وربما يصدر توجيهاته خلال أيام بإلقاء خطبة الجمعة باللغة الهيروغيلفية، أو ترجمة خطبه وبرامجه وكتبه التي لا يحتفي بها أحد، إلى اللغة الهيروغيليفية، وربما يتفاعل أكثر، فيقرر إطلاق أسماء الفراعين على المساجد الجديدة والكبري، فيكون عندنا: مسجد الإله آمون، ومسجد الإله رع، ومسجد أخناتون، ومسجد سيتى ومسجد كبير الكهنة، وهكذا.. وزيرة الصحة والسكان قد تدخل أيضًا على خط الاحتفاء باللغة الهيروغيلفية فتخاطب زميلها الدؤوب وزير التعليم العالي والبحث العلمي، والتوصل لاتفاق من أجل تحويل مناهج التعليم الطبي إلى اللغة الهيروغيليفية.

وفي ظل تسابق الوزراء للاحتفاء باللغة الهيروغيلفية، فإن وزيرة التجارة والصناعة “نيفين جامع” قد تشعر بالخجل وقلة الحيلة في مجاراة زملائها الوزراء، فتطلق أسماء المومياوات الملكية على المصانع المغلقة والمعطلة والمحتملة، أو تكتفي بتغيير اسمها إلى “نيفين معبد”.

شاهد أيضاً

“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “

بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.