الجمعة , نوفمبر 8 2024
أخبار عاجلة
مختار محمود

“الجنزوري”..ورجل الدولة الذي كان

مختار محمود

“رجل دولة من طراز فريد”..هكذا نعى الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الوزراء الأسبق الدكتور كمال الجنزوري، الذي غيبه الموت صباح اليوم، عن عمر ناهز 88 عامًا، بعد مسيرة لامعة وحافلة، ترقى خلالها في عدد من أرفع المناصب، من بينها: منصب “رئيس الحكومة” مرتين.

وما لا يختلف عليه مُنصفان عاقلان هو غياب “رجل الدولة” بمفهومه العميق والشامل عن المشهد المصري بشكل عام، خلال السنوات القليلة الماضية، أو تغييبه وإجباره على الاختفاء، وينعكس ذلك بشكل مباشر وصريح على أداء الوزراء وكبار المسؤولين، وتفاعلهم مع الشأن العام.

واللافت أن الغياب لم يقتصر فقط على رجل الدولة، بل امتد أيضًا إلى رجل السياسة، ويبدو ذلك بجلاء، على سبيل المثال وليس الحصر، في مداخلات وتصريحات وحوارات الوزراء ومعاونيهم، سواء المُعدة سلفًا، أو المباشرة والتلقائية، وهو ما أدى في النهاية إلى نتائج وخيمة في ملفات مهمة وحيوية تمس الاحتياجات الأساسية للشعب الذي كان يُمنِّي النفس بطراز من رجال الدولة الحقيقيين والصادقين، يواكب مرحلة ما بعد الثورتين.

رجل الدولة.. هو رجل السياسة الذي أتقن فنون السياسة، ووظفها لخدمة النفع والصالح العام، وهو من يضع نُصب عينيه مصالح دولته وأمنها القومي، ويعمل لشعبها دون تمييز، مَن كان ضده ومَن كان معه، مَن ينتقده ومَن يصفق له بمقابل أو من غير مقابل! رجل الدولة.. يؤمن بالدولة والوطن والشعب، كل الشعب، يُسخِّر قدراته وإمكانياته لحماية مصالح دولته، والحفاظ على أمنها وتقدمها وازدهارها.

رجل الدولة.. هو رجل السياسة مُضافاً إليه كل القيم العليا للدولة، وكل المثل العظمى للسياسة، وكل المعايير المعتبرة للقانون.

يتشكل وعي رجل الدولة في عملية مُعقدة ومتنوعة، تضطلع بها المؤسسات العريقة في الدول التي تبدأ بالتعليم الفكري العميق، الذي يغرس مفاهيم الدولة، والأمن القومي في الوعي، ثم تقوم بيوت الخبرة بالتدريب والتكوين، وبعدها يقوم الحزب بالتنشئة السياسية والتدريب على المهارات، وتتولى التجربة في المؤسسات السياسية المتنوعة عملية صقل كل ذلك في إطار مفاهيم الأمن القومي والهوية الحضارية.

غياب رجل الدولة، بمعناه الدقيق، يمكن التأريخ له، بالفترة التي أعقبت ثورة 25 يناير 2011، بتعقيداتها وتحولاتها، وهو ما امتد أيضًا إلى جميع الدول التى ضربتها الثورات أو ما يُسمى “الربيع العربي”، حيث غاب الإعداد الجيد لرجال الدولة، تزامنًا مع انتهاء أسطورة رجل السياسة، فكانت النتيجة حكومات فاشلة وساقطة، حتى لو ادعت النجاح كذبًا، لم تستطع أن تنصف شعوبها أو تقودها إلى بر الأمان، فالمقدمات الخاطئة تقود دائمًا وأبدًا إلى نتائج خاطئة.

غياب رجل الدولة في مصر، سواء كان مقصودًا أو غير ذلك، يجسد مأسأة حقيقية، سوف تمتد فصولها سنوات أخرى، وسوف تثمر حصادًا مُرَّا علقمًا، ولن يكون في مصلحة الوطن الكبير، وليس الذي يتم اختزاله في أشخاص. استعادة رجل الدولة تتطلب الابتعاد عن الاختيارات العشوائية التي تحكمها “الكوتة” و “المجاملات” التى تصل إلى حد التمييز والعنصرية، وتجاهُل أصحاب الكفاءات الحقيقية والعقول النابغة القادرة على تحقيق المصالح العليا للوطن وبث الأمل في أوصال شعبه.

هل يقودنا نعي الرئيس للجنزوري، ووصفه بـ”رجل دولة من طراز فريد”، إلى البحث على من ينطبق عليهم وصف “رجال الدولة”، وتدريبهم وتأهيلهم وصقلهم، والاستعانة بخدماتهم في المناصب الرفيعة؛ انحيازًا للوطن، وليس شيئًا آخر؟!

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

صناعة الانحدار !!!

كمال زاخر الخميس ٧ نوفمبر ٢٠٢٤ من يحاربون البابا الحالى هم تلاميذ من حاربوا البابا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.