كنت فيما مضى لدى فكرة عن كيفيه تغسيل الميت, لأنى كنت منذ وعيت على الدنيا وفى بلدتي أحضر غسل بعض الأقارب الذين وافتهم المنية في بلدتي.
فكنت أحضر معهم عمل الأكفان وكيفية تخييط الكفن وكيفية قصه وصناعته.
ولكن الكفن الشرعي أسهل بكثير من الكفن الذى كنا نصنعه قبل ذلك.
لأن البدع في الأكفان كانت تتمثل في أننا لازم نخيط بنطلون وجلابية وشاش يلف على رأسه وطاقية, وبعد ذلك قماشة كبيرة بطول 2 متر أو أكثر وعرض متر ونصف يُلف بها الميت.
ولكن الكفن الشرعي كان سهلًا ميسراً .عبارة عن ثلاثة أدراج من القماش بطول 2 متر أو أكثر بعرض متر ونصف . ويلف فيها الميت ثم يربط في ثلاثة مواضع أو أكثر لكن تكون فردية .
وهذا سَهّل عليّ اقتحام مجال تغسيل متوفى كورونا ,لأنني لم أكن مغسلا أصلا, بل اقتحمتُ مجال الغُسل عندما وجدت الخوف والرعب في قلوب الناس من فيروس كورونا والمتوفين به ..
عندما انتشر أمر تغسيل متوفى كورونا وتفاعل الناس على الصفحات , قامت مديرية الصحة (الطب الوقائي ). بمبادرة طيبة حيث دعتنا الى محاضرة عندها.
هذه المحاضرة عن كيفية لبس بدل الوقاية وما تحتويه , بل إنها أعطت كل منا بدلةُ ومعها كل محتويات الوقاية .
بدلة — علبة قفازات — نظارة واقية —كزلك ( كيس يلبس في الارجل)— غطاء رأس – بل من لديه لحية كان معها واقي للحية — كحول عبارة عن جل ..كذلك كمامات من النوع الجيد .
وتم عمل محاضرة لنا عن كيفيه لبس كل هذه المهمات وتمثيل كيفية لبس هذه المهمات على الواقع مع الأطباء المختصين بالسلامة.
ومن التفاعل مع مبادرة تغسيل متوفى كورونا , تفاعل معنا أحد رجال الأعمال الخيرين في البلدة , ودعاني الى مكتبه والتقيت به وكان رجلا طيبا , بشوشا ودودا .
وأعطاني مهمات وقاية أخرى لي ولكل المغسلين , بل إنه تبرع بكل المهمات مجانا لأى مُغسل يريد أن يغسل كورونا في كل البلاد .
وتعرفت في وزاره الصحة على مغسلين قدامى وجدد. منهم من أخذه الحماس ويدخل مجال الغسل لأول مرة. ومنهم من كان يغسل قبل ذلك بزمن طويل .
وكان هناك تشجيع لنا ولكن في هذه الفترة كان هناك شك وريبة من كل الناس . وكأننا نحمل الفيرس وننقله لبعضنا البعض.
وتعرفت في وزارة الصحة على المغسل الرئيسي , هو من حمل كل التعب في الغسل في مدينة الأقصر ..
كان شابا في الثلاثين من العمر , به كل صفات الجدعنة كما يقول أبناء البلد , لولا الظروف التي لم تساعده لكان هو صاحب المبادرة الأولى لتغسيل متوفى كورونا , نشط صادق ملتزم أخلاقيا ودينيا , نحيف قليلا ذو لحية قليلة , دائما يلبى كل من يتصل به لكى يغسل في أي وقت من الليل والنهار, معه موتوسيكل يتحرك به ليلا ونهارا , لولا فضل الله علينا ولولا إقدامه في الغسل لتزاحمت جثث الموتى في مستشفيات الاقصر .
كان أحيانا يغسل طوال نهار رمضان ويفطر المغرب ويخرج للغسل ليلا, ولقلة إمكانيات المشرحة في المستشفيات كان يأتي بماء الغسل من مسافة بعيدة , بدون أن يساعده أحد , لأن أصحاب حالات الوفاة كانوا لا يتعاونون معنا في الغسل ولا يقدمون أي مساعدة لنا .
المغسل الرئيسي هذا أثناء ازدياد حالات الوفيات كان لا يفطر ولا يتناول طعام السحور في بيته .
لا يتأخر عن أي حالة غسل في أي مكان يتم منه الاتصال , وعلي يديه مارست الغسل لوحدي . بعد أن كنت متوجسا من ممارسة الغسل لوحدي , ولكنه شجعني وعلمني ترتيب الغسل , بعد أن كانت غائبة عنى أشياء كثيرة . لأ نه كان ذا خبرة كبيرة .
وكان يمارس الغسل منذ العشرين من عمره كما قال لي , فتعارفنا وصرنا أصدقاء بعد ذلك.
رغم أن وزارة الصحة أعطتنا مهمات الوقاية , وأعطتنا محاضرة في كيفية لبس البدلة وحضور أغلب المغسلين معانا في المحاضرة . إلا أنه عندما كثرت حالات الغسل في المستشفيات .
وجدت أن أغلب المغسلين في القرى والنجوع عندما زادت العدوى وزادت حالات الوفاة قد انسحبوا من ميدان التغسيل وتركونا وحدنا نغسل ميت كورونا .
بل إنه ظهرت الإشاعات أننا نتاجر بالغسل والمغسلين وأننا نأخذ أموالاً في مقابل الغسل , وكانت هذه الإشاعات تطلق بين الحين والآخر وعلى فترات , ولكن كل هذا قد زادنا إصرار في إكمال مشوار الغسل .
أنتظروا الحلقة الرابعة ..غسل في الحظر بالليل ..