الإثنين , نوفمبر 25 2024
طلعت رضوان

ما مغزى تهمة ازدراء الأديان؟

طلعت رضوان

هل يمكن إقامة دعوى ازدراء الدين المسيحى ؟

هل يملك أحد مفتاح (صحيح الإسلام) ؟

 أعتقد أنّ تهمة (ازدراء الدين الإسلامى) التى تــُــوجــّـه ضد أى مفكر أو مبدع تأخذ العقل الحر لطرح عدة أسئلة : 1- أليستْ تلك التهمة (شماعة) لاعتقال أى عقل يـُـفكــّـر، ويـُـعيد النظر فيما يسمى (ثوابت الأمة) ؟

2- وإذا كانت تلك الثوابت ملكية خاصة للإسلامين المُـتشـدّين ، فلماذا يمنعون غيرهم من حق الاختلاف ؟

3- لماذا التغاضى عن الحقيقة التاريخية التى أتثبتتْ وقائع اختلاف فقهاء الإسلام ، بل وتعدد المذاهب داخل الدين الإسلامى ، وأحيانــًـا داخل المذهب الواحد ؟ لدرجة أنّ مذهب الإمام حسن بن على انقسم إلى إحدى عشر فرقة بعد موته (الشهرستانى فى الملل والنحل – ص352) ؟ ولماذا تجاهل حديث نبى الإسلام محمد (صلى الله عليه وسلم) الذى قال فيه:  ((ستفترق أمتى على ثلاث وسبعين فرقة.

الناجية منهم واحدة (أهل السنة) والباقون هلكى ؟ فلماذا أخذوا الجزء الأخير من الحديث وتجاهلوا الجزء الأول (73 فرقة) ؟ ووصل التشدد بواصل بن عطاء لدرجة أنْ قال ((لا تــُـقبل شهادة المتلاعنين ، فلم يجوّز شهادة على بن أبى طالب وطلحة والزبير)) (المصدر السابق- ص69) فهل واصل بن عطاء كان يزدرى الدين الإسلامى أم عبـّـر عن رأى قابل للنقاش ؟ وهل يمكن تكفير الأشعرى الذى قال ((لا نقول فى عائشة وطلحة والزبير إلاّ أنهم رجعوا عن الخطأ .

وطلحة والزبير من العشرة المبشرين بالجنة. ولا نقول فى حق معاوية وعمر بن العاص إلاّ أنهما بغيا على الإمام الحق فقاتلهم على مقاتلة أهل البغى)) (ص170) فهل كان الأشعرى يزدرى الدين الإسلامى أم عبـّـر عن رأى يحتمل الصواب والخطأ ؟

والخوارج اختلفوا مع على بن أبى طالب وقالوا له جملتهم الشهيرة ((حكــّـمتَ الرجال . لا حكم إلا لله)) ورأوا الخروج على الإمام إذا خالف السنة حقــًـا واجبـًـا . فكان رد الإمام على بن أبى طالب ((كلمة حق أريد بها الباطل)) ووصل غلوهم لدرجة أنْ لعنوا عليـًـا وكفــّـروه.

وطعنوا فى عثمان وفى أصحاب الجمل وصفين . فهل كان الخوارج يزدرون الدين أم عبـّـروا عن رؤية خاصة تحتمل الصواب والخطأ ؟ وبمراعاة أنّ العقل الحر يرفض تكفيرهم لغيرهم.

وكان من بين الخوارج فرقة اسمها (العجاردة) صاحبها (عبدالكريم بن عجرد) وكانوا من غلاة المُــتشددين فقالوا إنّ أطفال المشركين فى النار مع أبائهم .

وأنكروا سورة يوسف وقالوا ((لا يجوز أنْ تكون قصة العشق من القرآن)) ونفس الرأى قالته فرقة (الميمونية) لصاحبها ميمون بن خالد (الشهرستانى- المصدر السابق – ص226، 229)  فهل أصحاب تلك الفرق الإسلامية كانوا يزدرون الدين أم عبـّـروا عن آرائهم رغم شططها ؟  

وفرقة (اليزدية) لصاحبها (يزيد بن أُنيْسة) زعموا أنّ ((الله تعالى سيبعث رسولا من العجم ويـُـنزل عليه كتابـًـا وفيه أنْ يترك شريعة المصطفى محمد عليه السلام .

وأنّ الرسول الجديد سيكون على ملة الصابئة المذكورة فى القرآن)) ( المصدر السابق – ص 248) فهل هناك تجاوز أكثر من ذلك ؟  

وذكر الشهرستانى أنّ ((الإمامية لم يثبتوا فى تعيين الأمة على رأى واحد ، بل اختلفوا أكثر من اختلاف الفرق كلها)) (ص331) ووصل الغلو بفرقة (الكاملية) أنْ كفــّـروا جميع الصحابة لتركهم بيعة على بن أبى طالب ، ولم يكتفوا بذلك وإنما طعنوا عليـًـا لأنه ترك حقه.

وكان عليه أنْ يـُـظهر الحق ، ولكنه – بعد ذلك – غلا  فى حقه)) (368) وعن أصحاب الحديث وأصحاب الرأى كتب (واعلم أنّ بين الفريقيْن اختلافات كثيرة . وليس يلزم من ذلك تكفير. بل كل مجتهد مُـصيب)) (ص 479)

 ولعلّ أهم سؤال هو: من يمتلك مفتاح (صحيح الإسلام) ؟ وأعتقد أنّ الترويج لتلك العبارة تضليل والتاريخ الإسلامى أثبتَ ذلك فى وقائع عديدة أشهرها أنّ أبا الحسن الأشعرى بعد تبحره فى الاعتزال ، صعد إلى المنبر وقال ((اشهدوا علىّ أنى كنتُ على غير دين الإسلام . وإنى قد أسلمتُ الساعة)) فكتب الأزهرى المستنير عبد المتعال الصعيدى ((وحينئذ يكون المعتزلة فى نظره كفارًا لا مسلمين .

وكان الأجدر به ألاّ يتنكر لمذهب مكث معتقدًا  صوابه أربعين سنة. فلا يصح أنْ ينفى الإسلام عنهم)) أليس هذا المثال فيه الدليل القاطع على أكذوبة (صحيح الإسلام)؟ التى روّج لها كثيرون ، ليس من عتاة الأصوليين الإسلاميين (فقط) وإنما من المثقف الماركسى الشهير(د. رفعت السعيد) أحد أقطاب حزب التجمع (اليسارى) وذلك فى سلسلة مقالات فى جريدة الأهالى (اليسارسة)

وإذا كانت المحاكم تقبل دعاوى (ازدراء الدين الإسلامى) فهل تقبل دعاوى ازدراء الدين المسيحى ؟ كما حدث فى وقائع عديدة فعلها غلاة الإسلاميين الذين أطلقوا على أنفسهم (سلفيين) بل إنّ من صوّرهم الإعلام ب (المعتدلين) اشتركوا فى الهجوم على الديانة المسيحية ، مثل د. محمد عمارة الذى قال ((إنّ الإسلام هو الدين الوحيد الذى تــُـناقض مصادره الأصلية أسس النصرانية.

والنظام الإسلامى هو أكثر النظم الدينية المُـتناسقة اجتماعيـًا وسياسيـًا ، وأنه حركة دينية مُعادية للنصرانية)) (موقع صيد الفوائد) إشراف (سليمان صالح الخراشى) واتساقــًـا مع موقفه هذا ، ولأنه يرى أنّ الوطن ملكٌ للمسلمين فقط لذلك فإنه ينتقد كل من يدافع عن وحدة شعبنا، واتهم التنويريين بالتزوير فكتب مقاله الشهير (عندما يـُـصبح التنوير تزويرًا) (أهرام 2 يناير2014)

وأختم بسؤال : لماذا لا يتعظ أعضاء ميليشيات (ازدراء الدين الإسلامى) بالعالم الجليل الشهرستانى الذى كتب ((وللأصوليين خلاف فى تكفير أهل الأهواء ، إنّ التكفير حكم شرعى ، بينما التصويب حكم عقلى .

والمُـبالغ المُـتعصب لمذهبه كفــّـر مخالفه. بينما المُـتساهل متآلف ولم يـُـكفــّـر)) (ص464) ولماذا لم ينبهوا لجملته الصائبة التى أثبتَ فيها أنّ التطور الإنسانى لا يعرف ولا يعترف بالثوابت فكتب ((نعلم – قطعـًـا ويقينــًـا – أنّ الحوادث والوقائع فى العبادات والتصرفات بما لا يقبل الحصر.

ونعلم – قطعـًـا أيضـًا – أنه لم يرد فى كل حادثة (نص) ولا يـُـتصوّر ذلك أيضـًـا . والنصوص إذا كانت مُــتناهية ، فإنّ الوقائع غير مُــتناهية ، ولذلك  فإنّ ما لا يتناهى لا يضبطه ما تناهى)) (453)

شاهد أيضاً

لماذا تصلي الكنيسة على المنتقلين !؟

جوزيف شهدي في الايمان  الارثوذكسي أن الكنيسة الموجودة على الارض تسمي الكنيسة المجاهدة وأن أبناءها  …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.