أشعر بحزن شديد عندما يطلب مني صديق أو شخص لا أعرفه أن أعثر له على عمل في النرويج.شروط الحصول على الاقامة والعمل هي اللجوء السياسي، والزواج من نرويجية، والعمل في الدبلوماسية، والتخصص النادر جدا وهذا يساعد فيه صاحب العمل بطلب إلى الشرطة.
أما الهجرة بالمفهوم العربي المتعارَف عليه فهي متوقفة منذ عام 1975، وقبلها كان الأمر سهلا، واستقبلت النرويج عشرات الآلاف من الباكستانيين عام 1968 ثم جاء المغاربة بدءًا من 1972، وبعد ذلك كان اللجوء السياسي( البعض يطلق عليه اللجوء الإنساني) والمنظمات الدولية هي التي تُشرف عليه، فجاء اللبنانيون، ثم الفلسطينيون، ثم العراقيون، ثم الإيرانيون، ثم السوريون، وقبلهم جاء فيتناميون وتشيليون وأفارقة …كل جماعة بحسب الصراعات والحروب في بلدها الأم.
أشعر بألم شديد يعادل ضخامة حُلم الهجرة لشخص يرى مستقبله في بلد آخر، خاصة في الغرب، لكنني لا أملك العثور على تصريح عمل وإقامة لأقرب الناس لي.
قد يبدو الأمر صورة من صور الأنانية، فالمهاجر المقيم استقر، وتزوج، وأنجب بنين وبنات، وكبر أبناؤه فأنجبوا له أحفادًا، وبالرغم من ذلك فهو يعجز عن استقبال نملة صغيرة ويتوسط لها لرخصة عمل وإقامة .
أتفهم الإحباط في إقامة سدٍّ أمام الحُلم؛ لكن كيف السبيل، فالنرويج ليست مثل دول الخليج أو ليبيا أو العراق أو الأردن يرفع صاحب السلطة أو المال أو المواطن الأصلي سماعة الهاتف ثم يجد طالبُ العمل حلمه قد تحقق في ساعة أو بعض الساعة.
للمرة المئة بعد المئة، أعتذر لكل من يظن أنني أستطيع الذهاب إلى الشرطة النرويجية متوسطا لحالم في الهجرة.
حتى الزيارة تتطلب إجراءات لدى السلطات هنا ومنها الإقرار الضريبي ومساحة السكن وضمان إقامة الزائر لفترة محددة … الخفي نفسي حُزن شديد، فأنا أيضا سافرت من مصر منذ 47 عاما، ولكن كانت الأمور سهلة ومُيسرة حتى أنني حصلت على الجنسية النرويجية بعد ثلاث سنوات ونيف، وكنت كلما بحثت عن عمل ( في بيوت الشباب، في مدينة الطلاب، في الترجمة مع الشرطة النرويجية، في التدريس، في قسم تصدير المطبوعات بالجامعة ..) كانت الأمور أسهل من إلقاء التحية، حتى المشروعات الخاصة بي مثل( المكتبة العالمية) و( إذاعة صوت العرب من أوسلو) و( مجلة طائر الشمال) وإصدار عشرين كتابا دون حاجة لرخصة من أي جهة رقابية.
كنتُ كغيري محظوظا في زمن التحام الهجرة مع العمل في إنسيابية عجيبة، لذا فأنا أشعر وأحسّ وأتألم وأتوجع وأتخيل جنوح خيال طالب الهجرة أو السفر للإقامة، ولا أريد أن أصدمه، ولا أرغب في الكذب عليه.أرجو أن أكون قد أوصلت اعتذاري لمن يهمهم الأمر.
محمد عبد المجيد طائر الشمال عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين أوسلو في 27 يونيو 2020