د.ماجد عزت إسرائيل
يبدأ يوم الجمعة الموافق 5 مارس 2021م قداسة البابا فرنسيس بابا روما زيارة تاريخية لدولة العراق بعد سنين الحرب والإرهاب. ومن الجدير بالذكر أن هذه الزيارة البابوية الرعوية لبلاد الرافدين طال أنتظارها لأكثر من 20 عامًا فبعد أن تم إعلان زيارة المتنيح قداسة البابا يوحنا بولس الثاني (1920-2005م) عن نيته لزيارة العراق وخاصة مدينة أور- تقع في تل المقير جنوب العراق وهي الموطن الأصلي لأبو الآباء إبراهيم 2000 ق. م- لتكون أولى محطاته في عام 2000 م إلا إن ظروف العراق والحروب الطاحنة آنذاك لم تسمح بهذه الزيارة التاريخية الأولي لقداسته لبلاد الرافدين، وربما لو تمت هذه الزيارة لغيرت الكثير من الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية لمكانة العراق وظروفه في ذات وقت الحصار عليها. ولكن علينا إن نؤكد على ما ورد بالكتاب المقدس قائلاً: “لِكُلِّ شَيْءٍ زَمَانٌ، وَلِكُلِّ أَمْرٍ تَحْتَ السَّمَاوَاتِ وَقْتٌ:” (جا 3: 1).
على أية حال، فبمجرد الإعلان عن موعد زيارة البابا فرنسيس بابا روما لبلاد الرافدين في الفترة ما بين (5-8 مارس 2021م) تناول الأعلام بشتى أنواعه سواء كان محليًا أو عالميًا هذه الزيارة وبدأ تسلط الضوء على العراق من جديد بعد سنوات داعش العكاف، وخاصة أنها الزيارة الأولى لبابا روما للعراق وأيَضًا زيارة استثنائية للبابا في ظل جائحة كورونا. وكذلك زيارة محبة وإِصرار من البابا للتواصل مع العراقيين، وهذا ما أكده قداسته في رسالته المصورة في يوم الخميس الموافق 4 مارس 2021م حيث ذكر قداسته قائلاً:”أوافيكم حاجا تائبا لكي ألتمس من الرب المغفرة والمصالحة بعد سنين الحرب والإرهاب… أوافيكم حاجا يسوقني السلام”. وقد دعا قداسة البابا فرنسيس المؤمنين إلى الصلاة من أجل هذه الرحلة الأولى، والتي يأمل من خلالها تشجيع المسيحيين الذين يتراجع عددهم على البقاء في بلدهم وتعزيز تواصله مع الإسلام.
ومن الجدير بالذكر أن رحلة البابا فرنسيس للعراق في الفترة ما بين( 5-8 مارس 2021م) أي على مدار ثلاثة أيام حيث يزور قداسته عدة مدن عراقية وهي العاصمة بغداد والنجف والناصرية والموصل ( نينوي) وقره قوش في سهل نينوى، بالإضافة الى أربيل. وربما نؤكد هنا أن لهذه الزيارة أهمية خاصة في قلب بابا روما لشعب العراق. ولهذه الزيارة عدة إبعاد رئيسية أولها أعطاء أهمية لدولة العراق ودورها المتميز في بلاد المشرق عبر التاريخ حيث تشكل زيارة قداسته للعراق فرصة لتسليط الضوء على القيمة الجغرافية والتاريخية والإستراتيجية للعراق،هذا البلد العريق المعروف بتراثه وحضارته، كذلك الإشارة الأماكن المقدسة والآثار القيمة. كما لاينسى العالم العراق موطن أبو الأنبياء إبراهيم. ومن الجدير بالملاحظة في عام(2018م) اِهتَمَّ قداسة البابا فرنسيس برعيته بالعراق حيث اِختارَ بطريرك الكلدان”لويس روفائيل ساكو” ليصبح كاردينالا وقد لعب هذا البطريرك دوراً رئيسياً في نقل أزمة مسيحيوا العراق لوسائل الأعلام في العالم للعمل على أنقاذه من تحت يد الدواعش، وفي ذات اللحظة كان هذا البطريرك لسان حال شعب العراق لدى القاتيكان.
أما ثانيها فهو تشجيع المسيحيين العراقيين الذين نجوا من يد الدواعش على البقاء في أرض الآباء والأَجْداد. والحقيقة التاريخية أن المسيحيين العراقيين خلال فترة الدواعش تعرضوا للإبادة العرقية بكل أنواعها من قتل وهجرة إجبارية ونهب للممتلكات والأراضي والعقارات وسبي الفتيات والنساء، كما انعدمت الإنسانية فنهبوا المدافن(المقابر) ودمروا الكنائس وحطموا الأيقونات والصلبان أي إبادوا كل ما ينتمي أو يعبر أو يرمز للمسيحية وخاصة في الموصل وتوابعها من مدن وقرى بريف الشمال الجميل. وربما تكون زيارة قداسة البابا فرنسيس فرصة للتضامن وبلسمة جراح العنف من قتل وسبي ونهب وتهجير إجباري. وهذا ما يؤكد إصرار البابا على زيارة مدينة الموصل تحديداً لكونها كانت معقل الدواعش من ناحية، ومن ناحية آخرى تعد أعلى كثافة سكانية للمسيحيين العراقيين. وأيضًا الصلاة من أجل كل ضحايا هذه المدينة العظيمة أو مدينة النبي يونان، وكذلك الصلاة من أجل أن يسود السلام والمحبة والتعايش بين الجميع والبعد عن الحرب والعنف.
أما ثالث الإبعاد لهذه الزيارة الدعوة إلى السلام والتعايش والتعاون بين جميع طوائف المجتمع العراقي في ضوء المبادىء الإنسانية أي البعد عن التميز سؤاء كان من حيث الدين أو المذهب أو العرق أو اللغة أو اللون أو الجنس (المرأة أو الرجل). كما أن هذه الزيارة هي دعوة لعودة المهاجرين واللاجئين إلى موطنهم الأصلي العراق.
ومن الجدير بالذكر أن دولة الأمارات العربية لعبت دور تاريخياً في هذه الزيارة حيث قدمت هذه الدولة المساعدات المالية لمسيحيوا العراق من أجل إعادة ترميم وتعمير الكنائس التي دمرها الدواعش. علينا جميعا أن نصلي من أجل أن يوفق الله قداسة البابا فرنسيس في هذه الزيارة التاريخية. وأيضًا نصلي من أجل شعب العراق بكل طوائفه ومذاهبه بإن يعود وينهض من جديد شامخًا بين الأمم. كذلك نصلي من أجل الدواعش كي يعودا إلى صوابهم وهذا ما نتمناه !! سلام ومحبة لكل العالم!!