الجمعة , نوفمبر 22 2024
مختار محمود

رسل الحكومة

مختار محمود

أوْلى الجاهليون اهتمامًا كبيرًا برسُلهم وسفرائهم وممثليهم ومندوبيهم، وكانوا يتقنون اختيارهم، حتى أنشدوا: إذا كنتَ مُرسلاً في حاجةٍ، فأرسل حكيمًا ولا توصِه.

وكانوا يُقدِّرون النصيحة والناصحين حق قدرهم، حيث أنشدوا: وَإِنْ ناصِحٌ مِنكَ يَوماً دَنا، فَلا تَنأَ عَنهُ وَلا تُقصِهِ. وكانوا يوصون باستشارة أولي الألباب والنهى والفكر السديد، حتى أنشدوا: وَإِنْ بابُ أَمرٍ عَلَيكَ اِلتَوى فَشاوِر لَبيباً وَلا تَعصِهِ.

وكانوا يتواصوَن بعدم أكل الحقوق وإهدارها، حتى أنشدوا: وَذو الحَقِّ لا تَنتَقِص حَقَّهُ، فَإِنَّ القَطيعَةَ في نَقصِهِ.

هذه المكارم الأربعة جميعُها تفتقدها حكومة الدكتور مصطفى مدبولي، فلا هى تختار رسلها جيدًا، ولا تسمع النصيحة بل تزدري الناصحين، وتدير ظهرها لأولي الفكر الشديد والعقل الرشيد وتدخلهم بياتًا مستديمًا، وتستعين بمن لا رأي له ولا عقل، وتتفنن في إذلال قطاعات كبيرة من شعبها وقهره وأكل حقوقه، وهو ما يتسبب في إحراجها دائمًا وإظهارها أمام الرأي العام كأنها “حكومة الجباية”، أو “حكومة الكراهية والغضب”، رغم أن رئيسها الدكتور مصطفى مدبولي كان -في وقت سابق- موضع ثناء وتقدير من البعض، ولكن يبدو أن دوام الحال من المُحال! في أزمة توثيق العقارات بمصلحة الشهر العقاري..أظهرت الحكومة “فشلاً مركبًا”، سواء في إقرار قانون غير دستوري أصدره مجلس علي عبد العال الذي ذهب إلي غير رجعة، أو من حيث التوقيت، أو من حيث مَن كلفتهم بالشرح والتوضيح والدفاع، أو من حيث عدم الاستئناس برأي المخلصين بضرورة إعادة النظر في القانون أو تعديله أو ترحيله، أو التفكير جديًا في البحث عن حلول لتمويل ميزانيتها بعيدًا عن جيوب الفقراء والمعدمين؛ إذ لا يصح أن يكون “جيب المواطن” هو مصدر الدخل الرئيس لدولة كبيرة مثل مصر! وجدت الحكومة نفسها في “مأزق كبير” الأسبوع الماضي؛ عندما افتقدت جهود عمرو أديب، فلم تجد رسولاً واحدًا قادرًا على إقناع المواطنين بالقانون المشبوه سيىء الذكر والسمعة، وجاء جميع رسلها ومندوبيها دون المستوى.

الوجوه التي لا تزال الحكومة تعتمد عليها في المساء لخداع الرأي العام والتماكر عليه فقدتْ صلاحيتها للأبد ولم تعد قادرة على الإقناع، وغدت وجوهًا كالحة باهتة باردة سمجة! يوم الخميس الماضي..خرج مذيع دي إم سي غاضبًا من منتقدي القانون الظالم، واصفًا إياهم بـ”الثعابين والأفاعي”، فهل هذا يصحُّ؟ فيما لم تنطلِ حيلُ أحمد موسى ولميس الحديدي على المشاهدين الذين يدركون يومًا وراء يوم، أنهم وقعوا بين فكي الرَّحى، وبين مِطرقة الحكومة وسِندان مذيعى التوك شو، وجاء غياب عمرو أديب القسري ليكشف الفجوة الكبيرة بينه وبين غيره، وليؤكد أن رسل الحكومة الذين تستخدمهم لخداع الرأي العام دون المستوى، وحان الوقت لتغييرهم، ولها فى “تامر أمين” أسوة سيئة! الحكومة وضعت نفسها في “ورطة”، وليست قادرة على الخروج منها، وهذه ليست الورطة الأولى، فقد سبقتها وسوف يأتي بعدها “ورطات عديدة”؛ طالما أصرت على التفكير بدون عقل، والتصرف بدون رشد، ووضعت المواطن الغلبان خصمًا لها تسعى إلى كسره، أوالرهان على قوة تحمله وصبره، ورفضت الاستماع إلى النصيحة، واعتمدت على نفس العقول المنفصلة عن الواقع والتي لا تشعر بمرارة العيش وقسوة الحياة، وامتنعت عن التراجع عن قراراتها الخاطئة والمتعسفة، واستسهلت استنزاف جيوب الغلابة والمعدمين.

حكومة الدكتور مصطفى مدبولي في حاجة إلى مراجعة نفسها، والتخلي عن أخطائها، واعتماد طريقة مثالية في إدارة وتصريف الأمور، وإبعاد من لا يحسن التفكير والتدبير، ولا يجيد مخاطبة الرأي العام، وأن تنقب عن أفكار عصرية بديلة لعصر المواطن والاستيلاء على أمواله وممتلكاته بطريقة غير قانونية وغير إنسانية؛ فلا يصح أن يكون الجاهليون أكثر انفتاحًا وأرجح عقلاً من مصطفى مدبولي ووزرائه!

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

قومى استنيرى

كمال زاخر رغم الصورة الشوهاء التى نراها فى دوائر الحياة الروحية، والمادية ايضاً، بين صفوفنا، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.