ماجد سوس يكتب:
لكل عصر إيجابيات وسلبياته ولكل مخلوق امرأة أخطائه وإنجازاته فسليمان الملك وقد مَلَك الحكمة بين يديه، لم تمنعه من السقوط في الضعفات، لِما لا وأبوه وقد كان قلبه كقلب الله غلبته بشريته وراح يهوى فهوى من مجده ومكانته وأتخذ قرارات لا تتفق ومشيئة الله هكذا فعل وفعل من بعده فكل الأنبياء أصابوا وأخطأوا ومن بعدهم الرسل الكرام فها بطرس يستخدم سيفه ثم ينكر سيده، وها توما يشك مرات ومرات ثم يكرز في أقصى بقاع الأرض ومن بعده بولس ينفعل على بطرس أمام الناس ويوبخه حين عاد للتهود أمام جنسه فأعتبره مُرائياً ، هكذا أيضاً رأينا آباءنا البطاركة منهم من بنى ومنهم من أكمل البناء منهم من زرع ومن من روى، منهم من نجح في أشياء ورسب في أشياء.
يؤسفني أن أجد في هذا الزمان ولا سيما على مواقع التواصل الاجتماعي أن الثوابت أضحت متغيرات والمتغيرات باتت ثوابت، فالروحانية، المحبة، الاحترام والتواضع ثوابت صارت متغيرات، تتغير حين لا يعجبنا القائل أو الكاتب أو المشارك، والمتغيرات جعلوها ثوابت فكل الممارسات المادية والحسية التي لا تمس ثوابت العقيدة والإيمان، جعلوها ثوابت يهان من يقترب منها خاصة إن كان من تمسك بها شخصا يحبونه فضاع الحق وتوقف البناء.
يوما وبعد أن أنهى بولس الرسول رحلته التبشيرية الأولى الت يشاركه فيها برنابا الرسول أراد بولس أن يبدأ رحلته الثانية فطلب برنامج أن يكون معهما مرقس الرسول وهو إبن أخت برنابا ولكن بولس رفض وقال لقد تركني مرقس في وسط الخدمة ونحن في مدينة مفيلية وعاد فلا أريده معي فأختلف بولس ويقول الكتاب أن المشاجرة أدت إلى المفارقة وكما يقول نيافة الأنبا سيرابيون، أطال الله عمره، في مقال نشره في مجلة الكرازة -أغسطس 2017، “أن الاختيار الإلهي لا يعطي عصمة للمختارين ولكن يعطيهم قوة ونعمة. كما أن حدوث ضعفات في حياة المختارين لا يشكّك في اختيار الله لهم، ولكن يؤكد حقيقة قالها القديس بولس الرسول «ليس أنّي قد نِلتُ أو صِرتُ كامِلًا، ولكني أسعَى لَعَلّي أُدرِكُ الّذي لأجلِهِ أدرَكَني أيضًا المَسيحُ يَسوعُ» (فيلبي3: 12-14)”.
في سبتمبر عام 403 م. عقد البابا ثاؤفيلس البابا الثالث والعشرون مجمعًا ضم فيه الأساقفة الموالين له في المجمع في مكان خارج القسطنطينية ودعا يوحنا ذهبي الفم ليمثل أمامهم ليحاكموه . شعر ذهبي الفم بمرارة الظلم ورفض المثول وكما كتب الباحث والمؤرخ القمص اثناسيوس فهمي ، أطال الله عمره، أن ذهبي الفم اشترط ” ن ينحى أعداؤه من المجمع الذين يضمرون له حكمًا مسبقًا دون انتظار دفاعه. وقرئت الادعاءات في غياب القديس ذهبي الفم، واتخذ بسرعة قرار الحكم في أقل مدة ممكنة، وبأكثر عدد من الاتهامات الملفقة من أساسها”. بعدها تم نفيه في جبل طوروس في شمال أرمينيا.
اختارت العناية الإلهية ابن أخت البابا ثاؤفيلس ليكون بطريركا على كرسي الإسكندرية باسم البابا كيرلس الملقب بعامود الدين البابا الرابع والعشرين وفي بداية عهده كبطريرك كان تأثرًا بالقضية التي ثارت بين خاله البابا ثيؤفيلس وبين القديس يوحنا ذهبي الفم، فعكف على دراسة هذه القضية وقام بإلغاء الحرْم دون الحاجة إلى عقد مجمع كنسي بل أكثر من ذلك قام بتكريم القديس يوحنا ذهبي الفم والاعتراف بفضله أمام الجميع، وأشاد بمؤلفاته الكثيرة ذات القيمة العظيمة، كما أنه أثناء قيام البابا كيرلس بتدوين قداس القديس مرقس الرسول دوَّن اسم القديس ذهبي الفم في قائمة أسماء القديسين الذين يُذكَرون فيه، وهكذا وضع البابا كيرلس حدًا نهائيًا لهذه القضية.
كلنا يعلم أن الكنيسة القبطية في العصر الحديث أعطاها الله بطاركة عظماء لا يختلف عنهما أثنان ولكن لكل بطريرك نقاط قوة ونقاط ضعف وهي حقيقة لابد أن نضعها أمام عينينا فكمال الله لا يمكن أن يوضع على البشر فحين جاء البابا كيرلس السادس أعاد للكنيسة قوة الصلاة واهتم بعمل قداسات يومية وظهرت منه عجائب كثيرة حتى أن الكنيسة بعد أربعين عاما سجلته كأحد قدسييها ولكنه لم يهتم بالإداريات ووقع بينه وبين المجلس ملي خلاف ضخم أدى إلى أن الريس عبد الناصر ألغى المجلس الملبي فتكونت مجموعات ضد البابا وحينما جاء البابا شنودة الثالث بدأ الناس يقولون كيف سيملأ كرسي البابا كيرلس السادس لكنه قام بنهضة ضخمة ملموسة ونجاحات في مجالات الخدمة المختلفة لكنه أخفق في إدارة ملف المحاكمات الكنسية وهذا لا يقلل مطلقا بعظمة هذا الأب وتعبه في الخدمة وحين جاء البابا تواضروس بدأ بنهضة كبيرة وتطوير للإكليريكية والمعاهد التعليمية وقد أظهر مرونة كبيرة في فكرة إعادة المحاكمات أو العفو عن آباء إمتدت مدة عقوباتهم لسنوات.
لقد قمت مؤخراً بتقديم مشروع قانون للمحاكمات الكنسية لقداسة البابا تواضروس والذي وعدني بدراسته مع القانونيين المختصين وراعيت في القانون أن يسمح للتقاضي أن يكون على درجتين ويكون هناك فرصة كاملة للمدعي عليه أن يدافع عن نفسه متمسكاً بالمبدأ الكتابي بأعطاء :” الرجل المبتدع بعد الإنذار مرة ومرتين، أعرض عنه” (تيطس ٣ :١٠) وتكون إجراءات المحاكمة بكل شفافية وعدالة وألا يصدر الحكم من أبدى رأيه في الأمر فلا يصح أن يكون مُصدر الحُكم يمسك في يديه الادعاء والقضاء في ذات الوقت.
نختلف أم نتفق فعلينا أن نعلم أن الكنيسة مجاهدة وستظل تجاهد نحو كمالها في المسيح ولا أحد يستطيع أن يتزكى أمام الله فالكل تحت الضعف وعلينا الآن أن نحمي المحبة لا أن نحمي الإيمان ، حماية المحبة أفضل من حماية الإيمان فالإيمان بدون محبة وإن نقل صاحبه الجبال سيهلكه حتماً .