مدحت عويضة
كانت فترة ما قبل وما بعد ثورة 30 يونية هو فترة العصر الذهبي للقوة المصرية الناعمة في المهجر، نسي المصريون في الخارج وقتها إنتمائتهم الدينية ، وكأبناء الدول المتحضرة أنقسموا حسب توجهاتهم السياسية وليست الدينية.
جانب ضد كل الإحتجاجات والمظاهرات والفعاليات التي تطالب بالثورة ضد الإخوان ، وجانب قليل جدا كان يدعم الإخوان وهم أنصار التيار الإسلامي.
الفريق الأول كان يضم مسلمين ومسيحيين وبهائيين وأنصار نظام مبارك مع الليبراليين والعلمانيين واليساريين وكل الإتجاهات السياسية الأخري.
قاد هذه الفترة قيادات أقباط المهجر بحكم خبرتهم السياسية الطويلة في مقاومة الأنظمة وقدرتهم علي التواصل مع صانعي القرار في الغرب، بينما والحق يقال أن شباب الأحزاب وشباب ثورة يناير كانوا هم الفئة الأكثر مشاركة, لكن كان ينقصهم الخبرة السياسية في المهجر .
انطلقت شرارة الثورة بسيدني استراليا وليس من القاهرة بحسب فرق التوقيت, وعندما انتهي يوم القاهرة ، وذهب المتظاهرون في داخل مصر لبيوتهم كانت الثورة مشتعلة في أمريكا وكندا.
استمر التلاحم لما بعد الثورة وتم تكوين مجموعات ضغط في الخارج من أجل محاربة تسمية الثورة بالإنقلاب، وكانت الظروف في كندا أفضل من غيرها نظرا لوجود حزب المحافظين في الحكم، فجاء بيان الخارجية الكندية عن الثورة المصرية في قمة الإتزان وذلك بسبب مجموعات الضغط المصرية الكندية.
ثم أرتفع سقف القوي الناعمة من المطالبة بعدم إطلاق لفظ إنقلاب للضغط من أجل دعم الثورة المصرية، ووضعنا وقتها عنوانا يتناسب مع الفكر الغربي وهو
” مساعدة مصر في التحول الديمقراطي والقضاء علي الإرهاب”
وفتحت لنا كندا قاعات برلمانها لتستمع لمطالبنا في يوم خالد في ذاكرة المصريين الكنديين وهو يوم 25 نوفمبر 2013.
ونفذت الحكومة الكندية معظم طلباتنا بالكامل، حيث منحت الشرطة المصرية منح مجانية لمكافحة الإرهاب وقدمت بعض المساعدات الإقتصادية, وعرضت علي مصر المساهمة في تنظيم الانتخابات والطلب الوحيد الذي لم نستطيع تنفيذه وقتها وهو وضع تنظيم الإخوان كمنظمة إرهابية.
كل تحركاتنا في المهجر كانت نابعة من ضميرنا الوطني لم نتلقي تعليمات من أحد ولم نتواصل مع أحد من داخل مصر ، وكان الدعم الوحيد يأتي إلينا من الإعلام المصري الذي يلقي الضوء علي فعالياتنا وتحركاتنا
كان سفير مصر في كندا وائل أبو المجد في ذلك الوقت ، وفي كل مرة نلتقي معا يقدم لي شكره العميق علي ما نقوم به وكان يقول لنا أنتم تملكون قوة أكثر من البعثات الدبلوماسية أنتم تتوافر لكم المصداقية وحق التصويت أنتم تحملون الجنسية الكندية.
كبرت القوي الناعمة في المهجر وأكتسبت خبرات عظيمة، ولكن يبدو أن الحكومة المصرية
لم تقدر دورنا حق التقدير، وجاء التوافق المصري الأمريكي في أعقاب فوز ترامب سنة 2016
ليعطي القيادات في مصر شعور بعدم أهمية القوة الناعمة المصرية في المهجر وعدم الحاجة إليها، فتعمد
الإعلام المصري مهاجمة كثير من القيادات التي قدمت خدمات جليلة لمصر وتعاملوا معنا “كخيل الحكومة” الذي أدي دوره وجاء الوقت ليتلقي طلقة في رأسه.
أطلقوا علي كل من يعارض شئ سواء كان كبيرا أو صغيرا سلسلة الإتهامات المعروفة خاين عميل وإخواني حتي لو كان قبطيا.
تغيرت الأحوال الآن وجاء بيدن والذي يختلف عن ترامب إختلافا كبيراُ في مسألة “حقوق الإنسان” و”حرية التعبير” التي كانت أصلا هي نقطتي الخلاف الرئيسية بين المصريين في المهجر والنظام المصري.
والآن ظهرت حاجة مصر للقوة الناعمة المصرية مرة أخري، فلماذا لم نحافظ علي قوة تكونت بدون أن تكلف الدولة أي شئ من أي نوع.
لماذا تجاهلهم النظام ولم يقوم بالتواصل معهم ويستمع إليهم ويستفيد من خبراتهم؟
لماذا تعمد النظام إرسال رساله لهذه القوة العظيمة مفادها “دوركم خلص”؟؟. عموما ورغم الكثير من الجراح والألام التي في نفوس كثير من المصريين في الخارج إلا أنهم مصريون يعشقون وطنهم ويعشقون ترابه.
فمصر بلدنا وان جارت علينا تظل عزيزة وغالية علي قلوبنا، وأن كنا تركناها بالجسد فنحملها بين ضلوعنا.
وأعتقد أن المصريين بالخارج لن يرضيهم ترك الساحة في المهجر لجماعات تحمل العداء لهم ولأهلهم ولبلدهم.
لن نستطيع أن نقف مكتوفي الأيدي ونترك هؤلاء يضرون بمصالح بلادنا.
لربما يكون الإفراج عن الشباب الليبرالي هو بداية إعادة تكوين القوي الناعمة مرة أخري. فهناك مثلا “رامي كامل” المقبوض عليه منذ نوفمبر 2019 بتهمة تكوين خلايا إرهابية والإنتماء لجماعات إرهابية مع أنه “قبطي” وغيره من الشباب.
وأعتقد علي الحكومة المصرية القيام بتنظيم مؤتمر علي أرض مصر للقيادات المصرية في الخارج, للتحاور معهم والاستماع إليهم حتي في المسائل التي لهم فيها رأي معارض ومخالف للنظام، فليس كل معارض خائن بل يكون المعارض أكثر وطنية وحبا لبلاده من المؤيدين.
دعونا نحيي تحالف 30 يونيه بكل مكوناته الجميلة دعونا نتحاور ونتناقش في الأشياء التي نختلف حولها في حوار وطني راقي محترم.
أنها دعوة صادقة من أجل مصر, فمصر تحتاج للمصريين في الخارج في ذلك الوقت كحاجتها لهم في 30 يونية 2013.
سأكون من أسعد الناس لو تم قبول فكرتي وأن لم تقبل فيكفيني شرف المحاولة.