في الكتاب المقدس تعلمنا إنَّ الضمير مرتبط بحقيقة ملكوت الله الجديدة، في شخص السيد المسيح نفسه. وإنَّ إرادة الله تتَّضِح في التعاليم بشأن ملكوت الله وفي الأوضاع الرّاهنة. فمن المهمّ جدًّا تمييز “علامات الأزمنة”. بالنسبة إلى المؤمنين، بيسوع المسيح هو نفسه أساس الحياة الدينيَّة الأخلاقيَّة وغايتها.
والأخلاق التي يعتمدها في بشارة الخلاص لا تنفصل عن شخصه بالذات.على الإنسان أن يتبع وصيَّة يسوع ويفتح قلبه على كلمة الله، ويخلق الظروف المؤاتية لتقبّلها. عليه أن يسمع الكلمة، ويحفظها، ويتَّخِذ قراراته، إنطلاقًا من هذا الموقف الأساسي.
وتظل تصورات الضمير التي وردت في رسائل القديس بولس ذات مقاييس ثابتة، وتظهر هذه التصورات في رسالة القديس بولس إلى أهل رومية حيث ذكر قائلاً:” لأَنَّهُ الأُمَمُ الَّذِينَ لَيْسَ عِنْدَهُمُ النَّامُوسُ، مَتَى فَعَلُوا بِالطَّبِيعَةِ مَا هُوَ فِي النَّامُوسِ، فَهؤُلاَءِ إِذْ لَيْسَ لَهُمُ النَّامُوسُ هُمْ نَامُوسٌ لأَنْفُسِهِمِ، الَّذِينَ يُظْهِرُونَ عَمَلَ النَّامُوسِ مَكْتُوبًا فِي قُلُوبِهِمْ، شَاهِدًا أَيْضًا ضَمِيرُهُمْ وَأَفْكَارُهُمْ فِيمَا بَيْنَهَا مُشْتَكِيَةً أَوْ مُحْتَجَّةً، فِي الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ يَدِينُ اللهُ سَرَائِرَ النَّاسِ حَسَبَ إِنْجِيلِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ.”(رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 2: 14-16) حيث يوضح فيها القديس بولس أن اليهود تحكمهم قوانينهم، أما غير اليهود أو المسيحيين فهم يحكمون أنفسهم بالنواميس النابعة من أنفسهم، ويظهر أثر الناموس محفورًا في قلوبهم، حيث إن ضمائرهم تشهد عليهم. وهكذا يعد الضمير لدى القديس بولس جزءًا أساسيٍّا من صاحبه؛ وهدية مباشرة وشخصية من لله إلى المؤمن؛ وهو رأي سوف يزداد أهمية مع ظهور العديد من الإنقسامات والطوائف. لكن الضمير لديه يؤدي أيضًا دورًا قضائيٍّا أعم، فهو يقضي بين الأفكار المختلفة، وأخيرًا فهو يشهد أمام لله يوم القيامة.
وفي الكتاب المقدس يشير تعبير” القلب” إلى كلمة الضمير، حيث ورد قائلاً:” “وَبِهذَا نَعْرِفُ أَنَّنَا مِنَ الْحَقِّ وَنُسَكِّنُ قُلُوبَنَا قُدَّامَهُ.”(1 يو 3: 19)، “لأَنَّهُ إِنْ لاَمَتْنَا قُلُوبُنَا فَاللهُ أَعْظَمُ مِنْ قُلُوبِنَا، وَيَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ.” (1 يو 3: 20) وبذلك نعرف أنّا من الحقِّ ونُقنع قلوبنا بأن تطمئنّ أمامه. وإن كان قلبنا يبكِّتنا فلنا حينئذ ثقة أمام الله”. في هذه الآيات كلمة قلب تعني “الضمير”. ويصدق على ذلك القديس مرقس الرسولي حيث ذكر قائلاً: “فَنَظَرَ حَوْلَهُ إِلَيْهِمْ بِغَضَبٍ، حَزِينًا عَلَى غِلاَظَةِ قُلُوبِهِمْ، وَقَالَ لِلرَّجُلِ: «مُدَّ يَدَكَ». فَمَدَّهَا، فَعَادَتْ يَدُهُ صَحِيحَةً كَالأُخْرَى.” (مر 3: 5).
وفي رسائل القدّيس بولس في الرّسالة إلى العبرانيّين، يستشهد بتعبير “الضمير” حيث ذكر قائلاً:” الَّذِي هُوَ رَمْزٌ لِلْوَقْتِ الْحَاضِرِ، الَّذِي فِيهِ تُقَدَّمُ قَرَابِينُ وَذَبَائِحُ، لاَ يُمْكِنُ مِنْ جِهَةِ الضَّمِيرِ أَنْ تُكَمِّلَ الَّذِي يَخْدِمُ، وَهِيَ قَائِمَةٌ بِأَطْعِمَةٍ وَأَشْرِبَةٍ وَغَسَلاَتٍ مُخْتَلِفَةٍ وَفَرَائِضَ جَسَدِيَّةٍ فَقَطْ، مَوْضُوعَةٍ إِلَى وَقْتِ الإِصْلاَحِ.وَأَمَّا الْمَسِيحُ، وَهُوَ قَدْ جَاءَ رَئِيسَ كَهَنَةٍ لِلْخَيْرَاتِ الْعَتِيدَةِ، فَبِالْمَسْكَنِ الأَعْظَمِ وَالأَكْمَلِ، غَيْرِ الْمَصْنُوعِ بِيَدٍ، أَيِ الَّذِي لَيْسَ مِنْ هذِهِ الْخَلِيقَةِ، وَلَيْسَ بِدَمِ تُيُوسٍ وَعُجُول، بَلْ بِدَمِ نَفْسِهِ، دَخَلَ مَرَّةً وَاحِدَةً إِلَى الأَقْدَاسِ، فَوَجَدَ فِدَاءً أَبَدِيًّا. لأَنَّهُ إِنْ كَانَ دَمُ ثِيرَانٍ وَتُيُوسٍ وَرَمَادُ عِجْلَةٍ مَرْشُوشٌ عَلَى الْمُنَجَّسِينَ، يُقَدِّسُ إِلَى طَهَارَةِ الْجَسَدِ، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ يَكُونُ دَمُ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِرُوحٍ أَزَلِيٍّ قَدَّمَ نَفْسَهُ للهِ بِلاَ عَيْبٍ، يُطَهِّرُ ضَمَائِرَكُمْ مِنْ أَعْمَالٍ مَيِّتَةٍ لِتَخْدِمُوا اللهَ الْحَيَّ!(رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين 9: 9-14)، وأيضًا في رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية حيث ورد قائلاً: “لِذلِكَ يَلْزَمُ أَنْ يُخْضَعَ لَهُ، لَيْسَ بِسَبَبِ الْغَضَبِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا بِسَبَبِ الضَّمِيرِ.” (رو 13: 5). وكذلك في رسالة القديس بولس الأولى إلى أهل كورنثوس حيث ذكر قائلاً: “وَلكِنْ لَيْسَ الْعِلْمُ فِي الْجَمِيعِ. بَلْ أُنَاسٌ بِالضَّمِيرِ نَحْوَ الْوَثَنِ إِلَى الآنَ يَأْكُلُونَ كَأَنَّهُ مِمَّا ذُبِحَ لِوَثَنٍ، فَضَمِيرُهُمْ إِذْ هُوَ ضَعِيفٌ يَتَنَجَّسُ.” (1 كو 8: 7). ويؤكد القديس بولس على أن الإنسان يؤمن بقلبه “لأَنَّ الْقَلْبَ يُؤْمَنُ بِهِ لِلْبِرِّ، وَالْفَمَ يُعْتَرَفُ بِهِ لِلْخَلاَصِ.” (رو 10: 10)، وإن كان يستخدم الرّسول الكلمة بمعناها الكتابي العادي كتعبير عن المركز الرّوحي في حياة الإنسان، فمن الواضح أنّ هذا الإستعمال يتضمَّن الضمير الذي كما رأينا يحتلّ مركز القلب.
وفي رسالة القديس بولس الرسول الأولى إلى تيموثاوس أكد على تعبير “الضمير” فورد قائلاً:” وَأَمَّا غَايَةُ الْوَصِيَّةِ فَهِيَ الْمَحَبَّةُ مِنْ قَلْبٍ طَاهِرٍ، وَضَمِيرٍ صَالِحٍ، وَإِيمَانٍ بِلاَ رِيَاءٍ. الأُمُورُ الَّتِي إِذْ زَاغَ قَوْمٌ عَنْهَا، انْحَرَفُوا إِلَى كَلاَمٍ بَاطِل. يُرِيدُونَ أَنْ يَكُونُوا مُعَلِّمِي النَّامُوسِ، وَهُمْ لاَ يَفْهَمُونَ مَا يَقُولُونَ، وَلاَ مَا يُقَرِّرُونَهُ.” وَلكِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ النَّامُوسَ صَالِحٌ، إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَسْتَعْمِلُهُ نَامُوسِيًّا (1 تي 1: 5- 8). كما ذكر القديس بطرس الرسول عن الضمير قائلاً:” لأَنَّ هذَا فَضْلٌ، إِنْ كَانَ أَحَدٌ مِنْ أَجْلِ ضَمِيرٍ نَحْوَ اللهِ، يَحْتَمِلُ أَحْزَانًا مُتَأَلِّمًا بِالظُّلْمِ.” (1 بط 2: 19). وأيضًا”وَلَكُمْ ضَمِيرٌ صَالِحٌ، لِكَيْ يَكُونَ الَّذِينَ يَشْتِمُونَ سِيرَتَكُمُ الصَّالِحَةَ فِي الْمَسِيحِ، يُخْزَوْنَ فِي مَا يَفْتَرُونَ عَلَيْكُمْ كَفَاعِلِي شَرّ”.رسالة بطرس الرسول الأولى 3: 16).
الخلاصة….أنَّ الضمير إنّما هو الرّابط الحيوي ما بين شعور الإنسان بالذات وما بين الشعور بالله. وهنا نطرح سؤال ماذا لو كان هذا الضمير يمثل عبئًا زائفًا وغير ضروري بدلًا من أن يمثل صوت لله؟ وماذا يحدث لو تعرض الضمير للتأثيرات الخارجية المستبدة أو الزائفة ؟ وهل يتأثر الضمير الإنساني، بالتحيز الجاهل، وأن كان ذلك كذلك فما هى المحصلة النهائية للحكم على هذا الضمير ؟ للحديث بقية.