الأحد , ديسمبر 22 2024
د.إيهاب أبورحمه

د. إيهاب أبورحـمه يكتب : مجــزرة الأطــباء !

مما لا شك فيه أن الأطباء هم عصب الفريق الطبي و هم مع باقي الفريق يمثلون خط المواجهه و الدفاع الأول مع التمريض الذي يعاني ضغط عملٍ عنيف قبل موجات فيروس كورونا و بعدها ولا ننسي دور باقي الأعضاء من يتحملون المشقه في انجاز العمل الطبي علي أكمل وجه من الفنيين و عمال النظافه .

شيئاً ما يبدو غريباً ، فأعداد وفيات الأطباء و باقي الطاقم الطبي أصبحت جليه للعالمين دون تفسير واضح من المسئولين رغم أنهم في كثيرٍ من الأحيان يلقون بالتهم علي الأطباء أنفسم من جراء الإهمال الحادث بينهم اجتماعياً علي حد قول أحد المسئوليين من قبل .

حتي هذه اللحظه و في أقل من عام ٣٣٠ (علي لسان عضو نقابه عامه) شهيد من الأطباء فقط بخلاف باقي وفيات الطاقم الطبي و العدد في زياده مستمره ، و لوحظ أن شهر يناير شهد ما يزيد عن ٥٠ شهيداً حتي كتابة هذه الكلمات ، أرقام مفجعه و محزنه ولا تفرق بين الشباب و الشيوخ في مهنة الطب .

أرقام هي الاعلي في نسب وفيات الأطباء علي مستوي العالم بلا جدال ، أصبحنا نسمع في صباح كل يوم عن استشهاد العشرات رغم أن هذه الأرقام ليست أكيده فهناك من شهدت وفاتهم شخصياً ولم تدون وفاتهم في الأسماء المعلنه.

أشهر داميه حزينه علي جموع الأطباء فنحن معشر الأطباء اليوم أصبحنا إما شهوداً علي واقعٍ مرير أو شهداءاً في منظومة صحيه متهالكه نعاني فيها ويلات الضعف و الجهل المدقع الذي ذاقة الشعب المصري عبر عشرات السنين المنقضية.

نمر بأوقات عصيبه ، دامعه ، حزينه و كئيبه علي جموع الأطباء و أسرهم ولا أحداً يبالي بهؤلاء الأبطال ولا يشعر بكم المعاناة التي تكبدتها أسر هؤلاء المواطنين في بلدهم الحبيب مصر ، لا إعلام يذكرهم بل يتفرغ بالإهتمام بهؤلاء الفنانين الذي ضحوا بحياتهم من أجل إسعاد المصريين بتمثيل فن أضاع القيم و الأخلاق في أغلبه ، ضحوا بحياتهم من أجل حفنة اموال بل حقائب أموال فانيه وكان الناتج هو انهيار الاسره المصريه و قيمها التي اعتدنا عليها من قديم الأزل.

إعلام يذكر ليل نهار شهداء جنودنا الذين يستحقون الإشادة و يتناسون مصريه شهداء الأطباء تماماً رغم أن أعداد شهداء الأطباء فاقت الخيال ، يتباكون علي أسر شهداء جنودنا الابطال و يتناسون أسر شهداء الأطباء بلا مبررٍ واضح فكلهم شهداء من أجل مصر و شعبها العظيم.

حتي نقابة الأطباء أضحت مجرد سرادق عزاء لمواساة الأطباء و أسر الشهداء دون ردة فعلٍ واضحه إلا من بعض الأنشطة و المحاولات كإعفاء أبناء الشهداء من مصروفات الجامعات (الحكوميه المجانيه) في محاولات أراها ضعيفه هزيله لا تضمن لمنتسبيها حياه كريمه و لا لشهدائها تكريماً يليق بهم .

ولن أتحدث عن تكريم وزارة الصحه للأطباء فلم يعد للحديث قيمة بعد أن رفضت اجازات العاملين من أرباب الأمراض المزمنه ملقيةً بهم بين براثن الموت و في هشيم النيران المشتعله جراء عدوي قاتله تغزو العالم ، و كذلك زيادة عدد ساعات العمل متناسيةً أن هذا الضغط العصبي و الإرهاق البدني من شأنه أن يضعف الطاقم الطبي و يعرضه بصوره أكبر لعدوي قد تقتله متناسيةً أنها لا توفر لهم أدني حقوق الحياه الكريمه و متناسيه أن راتبها لا يكفي قيمة المواصلات المطلوبه للذهاب إلي مستشفياتها.

و مع كل ما سبق من إهمال يظل التقدير الشعبي المفقود أكثر ما يحزننا ، فما أن تتحدث عن حزنك علي وفاة زملاء لك ضحوا بحياتهم من أجل حياة شعبنا حتي تجد من يلقي علينا بالاتهام و التقصير في زيادة أعداد الإصابات بل و الوفيات و يتحدث عن أننا نتباكي علي زملائنا من أجل مكاسب دنيويه زائله رغم أن هذا المواطن يعمل بنصف قوته في عمله رسمياً و لا يتجرأ علي المضي قدماً أمام أبواب المستشفيات خوفاً منا نحن معشر الأطباء والتمريض و تناسوا أن الكثير منا تعرض و قد يتعرض مجدداً لعدوي قد تودي بحياته كما انه هو نفسه من يتباكي علي الفنانين الذين تعد لهم التقارير المبكيه في برامج إعلامنا العظيم.

كثيراً ما شعرت بالخوف خوفاً علي أحبابي من عدوي قد أنقلها لهم و كثيراً ما جال بخاطري مصير أسر الأطباء التي انتهت حياة عائلهم الأوحد بعدوي كورونا اللعينه مع هذا الإهمال الغريب الذي نعانيه حتي أني أصبحت علي قناعه تامه أنه و مع انتهاء هذه ألازمه اللعينه لو قدر لنا ربنا الحياة سنحتاج إلي علاج نفسي مكثف للتخلص من آثار هذه ألازمه .

رائحه الدماء تحيط بنا و رائحة الموت لا تفارقنا فلو تركنا أنفسنا للتباكي علي كل مريض شهدنا تدهور حالته أو وفاته لن يضحي هناك طبيب في مصر و في نفس اللحظات لا يمكن أن ننسلخ عن واقعنا و لحظات الآلم التي تحتضننا . أيام عصيبه و شاقه نتحملها برضا و عزيمه نحارب المرض و الجهل الذي أصاب الكثير في زمانٍ أصابت الدراما العنيفه العفنه عقول شبابنا فأصبحوا لا يبالوا بل لا يصدقوا ما نراه ليل نهار.

إهمال شعبي عجيب و إصرار علي الإهمال يودي بحياتنا جميعاً إلي مجهول لا ندري مصيره و إهمال تام لضحايا انتهت حياتهم بتضحية غاليه لا يقدرها أحد تاركين خلفهم أسرهم لمجهول بعد فقدان العائل و الظهر و السند، شباب تركوا أبناءاً رُضع لغيابات الحياه و شيوخ فقدنا خبراتهم و علمهم في كارثه بشريه لم يقدرها أحد ولن يشعر بها المغيبون إلا بعد فوات الأوان .

رحم الله زملاءنا و تقبلهم الرحمن من الشهداء والأبرار و جعلهم مع الصديقين و الأخيار.

شاهد أيضاً

“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “

بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.