الجمعة , ديسمبر 20 2024
أخبار عاجلة
فيروس

“الغسل المميت” أيام مغسل كورونا

بقلم مهندس / محمد توفيق ورسومات نجلاء الفرشوطى  

الحلقة الأولى  بداية  الأيام

مرت الايام والسنوات ما بين أحلام الصبا وأحلام اليقظة . وما بين واقع الحياة من هوايات لعب الكرة والعمل والتعليم. في ظل ضيق العيش وضعف المستوى المادي حيث كنا أسره فقيره .

اقبلت على التعليم وكنت من الأوائل في مدرستي ، وكنت دائما من الطلاب المتفوقين المعدودين في مراحل التعليم المختلفة ، واحد خريجي الكليات ذات التعليم العالي وتخرجت مهندسا ، واديت خدمتي العسكرية  بكل حماس وخرجت من الخدمة العسكرية بشخصية بها قناعات كثيرة مختلفة عما كنت  قبل الخدمة العسكرية . ووفقنني الله وبمعاونة احد اخوتي  بالعمل  في قطاع حيوي في الدولة

وتزوجت ووهب لي الله بنين وبنات ومرت الأيام حتى دخلت في الخمسين في عمرى ، ومرت الأيام بكل ما فيها  كأنها شريط  سينما ، وترامت الأخبار من هنا وهناك أنه ظهر فيروس غامض ظهر في الصين ، وليس له علاج ولا احد يعرف عنه شيء ، وشيئا فشيئا انتشر بين البلاد نتيجة لحركة السفر والمسافرين ، وأنه سريع الانتشار وشديد الخطورة  وأن ذألك الفيروس دخل مصر.

والحكومة لم تقفل الحدود بعد والسياح مازالوا يأتون إلينا من كل مكان مما أدى إلى انتشار ذألك المجهول. لا احد يعرف له علاج او أي مدخل إليه ، وانتشرت العدوى في البلاد لأننا أخذنا الأمور بإهمال وعدم الجدية ولم نلتزم بشيء من احتياطات السلامة .وكنا في الجنائز وواجب العزاء مازلنا نفتح الدواوين والمندرة لكى نأخذ العزاء في الميت .

وكنا كما نحن من عاداتنا في العزاء عندما نلتقى نأخذ بعض بالأحضان حيث كان العزاء والواجب فرصة لكى ترى البعيد والقريب. وتجتمع الناس في الواجب ويتحدثون في كافه شئون حياتهم ، وكنا نأخذ بعضنا البعض بالأحضان الحارة وبقوة ومازالت الشيشة موجودة في الدواوين .

وانتشر المرض وانتشرت العدوى وظهر لدينا وفيات وظهر الخوف والرعب من تغسيل الأموات وترامت الأخبار تأتى بأمور لا يوجد بها أي انسانيه .

فمنهم من الوفيات لا يغسل .ومنهم من ينزل الى القبور بواسطه الاخشاب بل سمعت العجب .

منهم من يلقى في القبر عن بعد ، ولكن اخطر ما جاء في الاعلام واخذ مساحة كبيرة من الحوار والمناقشة  أن قرية كاملة خرجت لكى تمنع دفن احد موتى ذألك الفيروس الغامض في مقابرهم .

يا الله وصلنا لهذا الحد من عدم الإنسانية أو الرحمة . هنا اختلطت المشاعر لدي واختلط التفكير والحيرة .

أمور غريبة تحدث ما بين الاستغراب والدهشة والفجاءة  والحزن الشديد .

كيف يكون  ميت لا يدفن . هل يترك حتى يتعفن  او يترك للكلاب في العراء تنهشه .وكثرت الحيرة  وكثر والتفكير في امور غريبه وتزاحمت الافكار.حتى الارض لا ترضى بنا ان ندخلها .

وايقنت يومها اننا امام شيء غريب وعظيم قد يحدث وانتشرت الجائحة الغير متوقعه  كورونا .

واصبح الفيروس في كل مكان وحاره وتكدست المستشفيات وزادت العدوى وزادت الاحداث وزاد المرضى  وعمت الفوضى وساد الذعر والخوف . كأننا في كابوس لا ندرى أي تفاصيل فيه ولا نعرف كيف نحكيه . وزاد الموتى وانسحب المغسولون من الميدان.

كنت منذ زمن ليس ببعيد قد تطوعت في احد الجمعيات الخيرية ببلدي .التي تقدم الخير والمساعدات الى اهلنا الفقراء في القرى والنجوع .وذات يوم طلب منى احد الاصدقاء النزول الى قريه لكى نرى ونستكشف احد حالات  الأهالي  من الفقراء وكانت  معي احد السيدات التي تقوم بعملها على اكمل وجه وتم تقديم المساعدة .

وفى هذه القرية تعرفت على صديق لي إنسان طيب تلقائي عفوي يعمل في ادارة إحد المصالح الحكومية  .يرتدى نظاره يعمل العمل بعفويه . ويدب الكلام ويهبدة  ولا يهمه زعل الاخرين .كلامه تلقائي وفى انفعاله تلقائي . ضخم الهيئة حاد الملامح . ورغم ذلك  تعلوه الطيبة وحب الخير تعرفنا وصار بيننا تواصل على الفيس وتطبيق التواصل على التليفون  الواتس  .

كان هذا الصديق بجانب عمله يقوم  في بلدته بتغسيل الموتى والتلحيد أي النزول معهم الى المقبرة ووضعهم تجاه القبلة ودفنهم  كما يقول الشرع .

وفجاءة وجدت هذا الصديق على صفحته في الفيس بوك يكتب.

انه مستعد لتغسيل ودفن وتلحيد أي متوفى بهذا الفيروس في البلاد بل في أي مكان  لوجه الله وبدون أي مقابل. كل هذه الأمور تمت بعد احداث القرية التي رفضت دفن احد الموتى في مقابرهم.

فى ذلك الوقت كانت احداث عدم دفن احد الموتى في قريه من القرى مشتعلة وزاد اللغط وكثر الحديث بين الناس وفى وسائل الاعلام ولكن السؤال الأهم أين ذهبت الإنسانية؟

ميت لا حول له ولا قوه الكل يفترى عليه ، ميت لا يدفن هل يترك جيفه في العراء ؟ هل يترك حتى يتعفن في الهواء. أين ستر الميت ؟

ودرات الهواجس ، الابناء لا يدرون ماذا يفعلون في ابائهم اذا ماتوا أسئلة كثيره حيرت العقل.

ودرات الدنيا وانتشر الوباء وأصبح واقعا لا مفر  ولا هرب منه ولا وسيله لمقاومته.

في هذه الاثناء وجدت صديقي في العمل الخيرى ينزل منشور في صفحات التواصل الاجتماعي انه مستعد لتغسيل ميت كورونا ودفنه ولحده .تجاوبت معه مباشره وقولت له معك في أي مكان .

اتصلت به وقولت له انا معك وتوصلنا وكان بينا حوار دائم عن ماذا نفعل وماذا نرتدى .

وقام صديق اخر لنا بعمل صفحه اخذت اسم اكرام ميت كورونا تغسيل وتكفين ولحده.

وتم وضع التليفونات على الصفحة .وتفاعل الناس مع  الحدث.

ولم يمر وقت طويل فاتصلوا به من احد المستشفيات انه توجد حاله ميت كورونا حاله رجل لا تجد من يغسلها .

كان يوم جمعة وبعد الصلاة مباشره راكبا مواصلات من قريته البعيدة وفى خلال مشواره اتصل بي انه توجد حاله وفاة جاي معاياة .قولت له نعم انا جاي اليك .بمعنى انى ذاهب معك وبسرعه نزلت مسرعا اقود سيارتي  وعيون من حولي ترقبيني .

وبسرعه اخذت جوانيات واخذت كمامه سوداء قماش معي قالوا ان ممكن يتم اعاده استخدامها بعد غسلها

نزلت والعيون من الابناء والبنات ترصدني في صمت وخوف دفين بداخلهم. الكل يقول ماذا تفعل .ولكن صمتهم كان قويا واقوى من الكلام . صمت استمر ثواني معدودة حين جهزت نفسى للذهاب . ولكن الصمت كان كله أسئلة ولا سؤال فيها ولا كلام فيه.

نزلت السلم لا ادرى كيف نزلت . هل نزلت الى الارض ام قفزت الى الارض .

فتره اختلط فيها الخوف والريبة والإنسانية وفعل الخير ولكن كان فيها كثير من الثقة ان العمل فيه خير وانه لله تعالى .لحظات احسست فيها بكثير من التضحية وكثير من الإنسانية.

اخذت كمامه سوداء حيث قالوا لي ان هذه الكمامة كثيره الاستخدام  وزجاجه كحول .

وبعجاله ادرت سيارتي  ومر الوقت ما بين التفكير فيما انا ذاهب اليه .ووقفت على باب المستشفى .قولت لهم جاي لتغسيل حاله ميت كورونا .

فتحوا الباب  مباشره وكلهم نظرات وكل النظرات تساؤلات والكل يقول في صمت هل هؤلاء من كوكب اخر .لكى يغسلوا ميت مات بمرض لا يعرف له علاج.

دخلت وسبقني صديقي الى المشرحة المكان الذى يتم فيه التغسيل . وقمنا بالتغسيل على اكمل وجه وكل النظرات تنتظر هؤلاء الموجودين في الداخل مع ميت بوباء ليس له علاج.

والكل يسال  .من هؤلاء الذين يضحون بأنفسهم .من يكون هؤلاء الفدائيين المغامرين .

هل يبحثون عن مجد شخصي .ام ان عملهم لوجه الله حقا .وزادت التساؤلات كلما زادت العيون التي تنظر إلينا

وغسلنا الميت المتوفى بفيروس العصر كورونا غسلناه على أكمل وجه وبفرحه عارمه داخلنا وكفناه وكانت فرحتنا كبيره والتقطنا بعض الصور من داخل المشرحة التي غسلنا فيها .هذه الصور للذكرى لأول حدث في تاريخ تغسيل متوفى كورونا .بعد ذألك رششنا بعض بالكحول .وكأننا نقضى على الفيروس على ملابسنا .ولكن كنا نقضى على الخوف في داخلنا .

المهندس محمد توفيق جاد الله القباحى

في هذا الموقف عرفت اخيرا ان الإنسانية قد عادت مره اخرى في فعلنا هذا.

واقمنا صلاه الجنازة في المستشفى بعدما تم وضعه في الكرب ( مكان يوضع فيه الميت للذهاب به الى المقابر بعد ان يتم تكفينه وهو مصنوع من الخشب ).

وتم احضار الكفن من خارج المستشفى حيث ان هذا الغسل لهذا الميت هو اول تغسيل في تاريخ هذه المستشفى. لان المشرحة كانت قد تم بنائها حديثا. وكانت في ذألك الوقت لا توجد اكفان في المستشفى .

بعد ان قمنا بصلاه الجنازة. تتبعنا سيارة نقل الموتى الى المقابر ونحن سعداء وفى غايه الفرحة من الداخل لأننا قمنا بهذا العمل . ووصلنا الى المقابر وتم فتح الفسقيه (مكان دفن الميت وتلحيده). ولكن كانت المفاجأة اكبر مما توقعنا .

بعد ان وصلنا الى المقابر. وتمت الصلاة مره أخرى أمام المسجد المغلق بأوامر من الجهات الرسميه للحد من التزاحم .وللحد من انتشار الفيروس . كانت المسافة قريبة الى المقابر .

تم حمل الكرب بواسطه بعض الشباب المتحمس .

ووجدنا الفسقيه مفتوحه. ووضعنا الكرب فى انتظار الفحار( الشخص الذى يقوم بدفن الميت او المتوفى داخل المقبرة وسيوجه للقبلة ويتم وضعه على جانبه الايمن ومن الممكن ان يفك الأربطة التي يربط بها الكفن)

تأخر الفحار والكرب على الارض ولا احد يدرى ماذا يفعل وعم الصمت المكان وكثرت الهمهمات . ولا احد يتحدث يقول ماذا ننتظر .

فتوقعت ان الفحار خائف من القدوم لدفن  المتوفى ولحده  .لان الحدث لأول مره في تاريخ البلد.

ومر الوقت بطيئا سريعا كأننا على رؤوسنا الطير واقفه. وهنا سألني صديقي المغسل ايه في سؤال تلقائي كعادته .

همست له انه لا يوجد من يلحد المتوفى لان الفحار خائف ان يكون هناك عدوى من الميت .

فقال لي كيف اتجاه القبلة .فأشارت له الى الاتجاه. فقال لي قل لصاحب الوفاه  انى  مستعد صديقي مستعد لتلحيد ودفن الميت في المقبرة  او الفقسقيه بالمعنى العامي لدينا .

وكانه غريق انقذته قشه لكى ينجو . لان احساس رهيب ان لا تعرف كيف تدفن احد اقاربك .او كيف تدفن موتاك

فنادى بعلو صوته وسط الناس مع اختلاط مشاعر الحزن لديه توكل على الله وجزاكم الله خيرا.

فنزل صديقي الى الفسقيه وخرج بعد دقائق معدودة وتم كل شئ .وسط كميات من الشكر والتعجب وقد يكون الرأفة لحالنا .

وكانت النظرات تقول ان هذا الغسل المميت سوف يكون نهايتكم به .

واي مستقبل سوف ينتظركم ايها المقتحمون لوكر تلك الجائحة .حيث لا يعرفها احد.

هل هو مرض ام وباء ام ماذا ؟

وقام اهل الحى بشكرنا وتقديم الشكر بحراره وقوه لنا وافهمتهم انى من نفس بلدتهم .

وسوف اخذ صديقي معي .وركبنا السيارة ووصلت به الى موقف السيارات التي تذهب به الى بلدته وكأنني اقوم بتوصيله الى مصيره المجهول.

في طريق العودة قابلنا صديقتين له كانتا تطمئن عليه طول الطريق ومتابعه بالتليفون حيث كانت بينهما صله في الاعمال الخيرية.

واطمئنوا علينا وشجعونا وابتسمن لنا بنظره التفاؤل والتشجيع ووضح ان هناك ود واحترام  مع صديقي والسيدتين .

وعدنا وعدت الى منزلي .

ولكن لم تنتهى رحله الرجل القادم من الماضي مع الجائحة الغير متوقعه .والغسل المميت

.واصبحت مغسل كورونا .

الحلقة الثانية …..بدء التنمر ..والتشجيع:-

محمد توفيق جاد الله القباحى

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

المحاكمات (التأديبات) الكنسية … منظور ارثوذكسى

كمال زاخرالخميس 19 ديسمبر 2024 البيان الذى القاه ابينا الأسقف الأنبا ميخائيل اسقف حلوان بشأن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.