تعيش مصرنا لحظات فارقه بل العالم اجمع يعاني ويلات فتره عصيبه و حرجه من انتشار عدو لا يري بالعين COVID 19 ، مجهول الهويه و الافعال ، عنيف الشخصيه ، لا يرحم من يتملك منه و قاسٍ لا يفرق بين صغيرٍ أو كبير رجل أو أمرأه.
هذا العدو كورونا و الذي نقاتل نحن معشر الأطباء ضده بكل ضراوة و بكل ما أوتينا من قوة و امكانات ولا نعرف ماذا سنجني من محاولاتنا و خطط علاجنا تلك التي تتغير بين الحين و الأخر.
ما أصعبها مهنه و ما أقساها لحظات نمر بها و ما أطولها أيام بل شهور نحارب فيها عدو مجهول لا قدرة لنا به ولا حول لنا ولا قوة في مواجهته ، عدو يصيبنا كفريق مكافح و يوقع بنا واحداً تلو الآخر تاركاً آثاره العميقه و المرعبه فينا.
قصص و حكايات لو قصصناها لشابت ولدان و زهقت الارواح رعباً مما نراه ، فما اصعبها لحظات أن تجد المريض في حاله ميؤس منها منتظراً حتفه بين الحين و الاخر و هو في قمة وعيه ، و ما أقساها دقائق و أنت تحاول تخفيف الآم ذويهم و أقاربهم .
مرضي يتمنون الموت من شدة صعوبة التنفس و من مرارة اجهزة التنفس الصناعي و من مضاعفات هذه العدوي المميته و اخرون يطلبون منا الرحمه من محاولات يعتقدونها يائسه و أن نضعهم علي أجهزه التنفس الصناعي ، فقد انتهت مقدرتهم علي محاوله التنفس بأجهزتهم الطبيعيه و لابد من تدخل خارجي .
مجرد مشاهد يمكن أن يتخيلها أحدكم بشق الأنفس و لكنها حياتنا اليوميه و المستمره منذ شهور كانت قاسيه علينا كطاقم طبي يعاني ولا أحد يشعر بكم هذه المعاناه ، حياه كئيبه محبطه و خاصة في بعض التخصصات التي عانت و مازالت تعاني كهذا التخصص اللعين الذي امتهنه عنايه مركزه و تخدير و كذلك أطباء الصدريه و الطوارئ في كل مكان.
أصيب أغلبنا بهذه العدوي و التي اختلفت في اعراضها من بسيطه لأعراض شرسه و كثيراً من زملائنا توفاهم الله بعد معاناة مع هذا الڤيروس اللعين و مازلنا مستمرين في طريقنا الذي كتبه علينا رب العالمين ، فرحم الله من توفاهم و احتسبهم من الشهداء و الصديقين ، لا نريد منكم جزاءاً ولا شكورا ولكن و فقط ما نريده هو التقدير و الرحمه و عدم الاستهانه بهذا الفيروس اللعين الذي افقد الكثير من الأسر لأناس أعزاء و مازال و سيستمر إلي أن يرحمنا الله برحمته .
أما عن حياتنا خارج أسوار المستشفيات والتي يخاف العامه من المضي قدماً أمام أبوابها ، هي حياه غريبه قلما تشاهد المصريين في التزام و كأن الفيروس لم يكن و لا يوجد و مازال البعض يشك في وجود الڤيروس القاتل في حياتنا حتي أنه هناك من سألته يوماً ألا تخشي هذا الڤيروس اللئيم ؟ أين كمامتك و لماذا لا ترتديها ؟ ألا تخاف علي ذويك و أحبابك ؟ فكان الرد العجيب أنت بتصدق يا دكتور الكلام ده و بعدين اهي الكمامه في جيبي !! طيب يا سيدي مش لابسها ليه ؟؟ أصل أنا بتخنق منها والله!!. وهذا أخر أسمر اللون قابلته ذات يوم في مخبز للخبز يعمل به ولا يرتدي أيضاً كمامه فحذرته من عدم ارتدائها فكان رده مفاجئ وأن الكورونا لا تصيبه بسبب طبقه (الميلامين) علي حد قوله !! . و غيرهم الكثيريين .
لا يتخيل أحدكم شعور أي طبيب و هو يودع مريضه الذي شفاه الله علي يديه و كم الفخر و الفرحه كما لن تتخيلوا حجم المراره لو مات أحدهم و خاصةً لو كان شاباً صغير السن . ولا أخفي عليكم سراً لو قلت لكم أن في هذه الموجه الثانيه والتي هي في الأساس تكمله للموجه العنيفه التي بدأت سابقاً منذ بضع شهور و لكن عنفها زاد مراتٍ
مضاعفه و أصبحنا نري أطفالاً و شباباً في مقتبل عمرهم بل و بدون أمراض مزمنه و هم يصارعون من أجل الحياه.وضع صعب و لا يشعر به إلا من أصابه أو أصاب عزيز عليه حينها فقط يعرف جيد حقيقه المآساه التي نعاني من ويلاتها منذ أشهر عديده و لكن حينها فقط قد لا ينفع الندم ولا الحسره علي أيام الإهمال و اللامبالاه التي يعيش فيها الكثيرين من أهلنا و أبناء وطننا.
شهور عديده و نحن نعاني من اللامبالاه و الذي يزيد من الضغط علينا ، نرجوكم أن تتوقفوا و تدركوا حجم المعاناه التي نعيشها و حجم الضغط الذي يقع علي عاتقنا منذ شهور إهمالكم يعود علينا بالشقاء فكل قطاعات مصرنا استراحت في منازلها لشهور و نحن في نفس الشقاء بسبب إهمالكم .
رحمة بنا و بمصرنا بل و بأنفسكم ، أفيقوا قبل أن يأتي اليوم الذي قد تذرف فيه عيونكم الدماء بدل الدموع حزناً علي عزيزٍ لكم قد تفقدوه بسبب إهمالكم فما أصعب الشعور بالندم و الذنب في يومٍ لا ينفع فيه الندم بعد فوات الأوان .