د.ماجد عزت إسرائيل
تحتل الكنيسة القبطية مكانة متميزة بين جميع كنائس العالم؛ وتعتبر مؤسسة دينية ذات تراث عريق يمتد أكثر من ألفي عام. وتعرف عبر تاريخها بالكنيسة الأرثوذوكسية Orthodox ومعناها الأصولية،لإنها أصل الإيمان في المسيحية،هذا الإيمان الذي دافعت عنه في العديد من المجامع المسكونية مثل مجمع نيقية 325م ، ومجمع القسطنطينية 381م، ومجمع أفسس431م، وظلت تدافع من أجل الإيمان ووحدة الكنيسة الجامعة الرسولية حتى مجمع خللقيدونية 451م المشؤم؛ الذي حكم على البابا القبطي ديسقوروس الأول البطريرك رقم 25(444-454م) وتلميذه القديس أنبا مقار أسقف إدكاو ”قاو“ بالنفي إلى جزيرة غانغرا.
ومن أجل وضع حد للجدل اللاهوتي عقد مجمع خليقدونية عام(451م) وقد حضره نحو630 أسقفا وعقدت جلساته ما بين( 8 أكتوبر451 وحتى 1 نوفمبر451م) وحرص الإمبراطور مرقيان وزوجته الإمبراطورة بوليكاريا ورجال البلاط على حضور جلسات المجمع ولم يحضر لاون أسقف روما وإنما أناب عنه أسقفين وقس وكان المجمع بالصورة التي عقد بها يدل على أن هناك مؤامرة تدبر، ومن الكنيسة القبطية حضر البابا ديسقوروس الأول ومعه تلميذه فيما بعد القديس أنبا مقار الأسقف.وقد رفض البابا ديسقوروس الأول وتلميذه قرارات هذا المجمع الذي حالت الظروف المدبرة من الإمبراطور وحاشيته من حضور آخر جلساته فحكموا عليه غيابيًا؛ بالنفي ومعه تلميذه إلى جزيرة غانغرا بآسيا الصغرى.
وقد عرفت جزيرة غانغرا أو جانجرا ﻗﺩﻴﻤﺎ باسم ﺠﺭﻤﺎﻨﻴﻜﻭﺒﻭﻟﺱ Germanicipolis، أو باللغة الأنجليزية باسم Gangra، ﻭحاليا تعرف باللغة التركية باسم ﺠﺎﻨﻜﺭﻱ أو گانگرا Çankırı وهي تقع ضمن ﺘﺭكيا ﺍﻷﺴﻴﻭﻴﺔ، في منطقة بفلاغونية في آسيا الصغري، بالقرب من البحر الأسود، وبالتحديد ﺘﻘﻊ ﺸﻤﺎل مدينة ﺃﻨﻘﺭﻩ، على خط عرض 40,36، وخط طول 33,37 وﻓﻲ ﻭﻻﻴﺔ ﺒﻭﺯﺍﻭﻭﻕ، على أحد روافد نهر قزل إرماق. وقد عقد بهذه المدينة مجمع غانغرا عام٣١٤م الذي قرار ضرورة بتولية الكهنة في الغرب، وأيضًا شيدت بذات المدينة أكبر أبرشية للكنيسة الرومانية الكاثوليكية.
ومن الجدير بالذكر كان أغلب سكان غانغرا من اليهود، وكان يعاني بعضهم من الأمراض فكانوا يذهبون إلى البابا ديسقوروس الأول فيصلي عليهم فيشفيهم الرب فآمن أهل الجزيرة بالمسيحية، فإغتاظ زعماؤهم لما فعله البابا، فذهب إثنان منهم إليه إدعى أحدهم بأن يده مشلولة وإدعى الآخر بأن رجله مقعدة ومضيا إليه يطلبان الشفاء، فقال لهم “حسب إيمانكم يكون لكم” ، فصارت يد الأول مشلولة وعرجت رجل الآخر، وصرخا من الألم وإعترفا لقداسته بما كان منهما فقال لهم “إن آمنتما بالسيد المسيح شفيتم”، فقالوا آمنا من كل قلوبنا فحصل لهم الشفاء وبشروا أهل الجزيرة كلها بما حدث لهم. وكان في الجزيرة أسقف نسطوري إستخف في بادئ الأمر بالبابا ولكنه بعد أن رأي تجلده والقوة التي عملها الرب على يديه رجع عن هرطقته وإلى الإيمان السليم.
على أية حال،عندما حضر البابا ديسقوروس الأول مجمع خلقيدونية عام 451م كان برفقته تلميذه أنبا مقار أسقف إدكاو ”قاو“، الذي منعه الحُجَّاب من الدخول إلى مكان المجمع لحقارة مَلْبسه حتى عرَّفهم الأب ديسقوروس أنه أسقف إدكاو. ولما دخل وسمع قول المُخالفين في المسيح، حَرَم الملك في المجمع، وقد استعدَّ أن يُسلِّم نفسه للموت في سبيل المحافظة على الإيمان الأرثوذكسي. فنفوه مع الأب ديسقوروس إلى جزيرة ”غانغرا“. ومـن هناك أرسله البابا ديسقوروس الاول من منفاه سرًا مع تاجر مؤمن إلى مدينة الإسكندرية قائلاً له: ”إنَّ لك هناك إكليل شهادة“.
ومن الجدير بالملاحظة أن البابا ديوسقورس الأول البطريرك رقم 25(444-454م) بعد نياحته دفن جسده الطاهر في جزيرة غانغرا أو گانگرا Gangra، ونتسأل هل من حق الكنيسة القبطية الأرثوذكسية طلب عودة جثمانه الطاهر إلى مصرنا الحبيبة بعد غياب وصل إلى أكثر من 15 قرن ميلادي ؟.