الدكتور صلاح عبد السميع
تعتبر ظاهرة الدروس الخصوصية أحد أهم المشكلات فى التعليم المصرى و التى تعجز الحكومة عن إيجاد حلول اجرائية لها حتى الآن وقد تبقى عن بداية العام الدراسي الجديد أيام معدودة .
ومن المؤلم أن نعرف أن هناك نحو 26 مليون أسرة فى محافظات الجمهورية، تنفق على الدروس الخصوصية ومجموعات التقوية حوالى 47 مليار جنيه، بنسبة 37.7% من إجمالى الإنفاق على قطاع التعليم، وذلك حسب نتائج بحث الدخل والإنفاق 2017 – 2018 التى أعلنها الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء .
هذا وتجرم مصر ظاهرة الدروس الخصوصية، وتعاقب وزارة التربية والتعليم المدرس الذى يثبت تورطه فى إلقاء الدروس بالفصل من العمل، وفي حالة كونه من غير المنتسبين للوزارة يتم التقدم ببلاغ ضده للنائب العام واتخاذ الإجراءات القانونية حيال المركز الذى يعمل فيه.
ونظرًا لتجريم الظاهرة فإن جميع مراكز الدروس الخصوصية فى مصر تعمل بمخالفة للقانون وبدون تصريح وفى حال ضبط أي من هذه المراكز يتم إغلاقه وتشميعه بالشمع الأحمر، وإحالة القائمين عليه لجهات التحقيق، لذا فإن مافيا الدروس الخصوصية يقومون ببعض الحيل لفتح المراكز.
ومن خلال استعراضى لتصريحات السيد الأستاذ الدكتور طارق شوقى وزير التربية والتعليم المصرى فيما يخص الدروس الخصوصية والنظام الجديد للدراسة بمراحل التعليم العام فى العام الدراسي الجديد 2020 / 2021م حيث صرح بما يلى :
“الدروس الخصوصية بمثابة إهدار للأموال دون جدوى من ذلك، حيث إنها لن تجدي نفعًا في نظام التعليم الجديد” .
” نقدِّر الضغوط التى تُمارَس عليكم للحجز في السناتر والدروس الخصوصية، لكنها لا تخدم العملية التعليمية، ودَعُونا نعمل بالنظام الجديد”
” الوزارة من جانبها ستوفر كل الآليات لوصول المادة التعليمية للطلاب، سواء المنصات التعليمية، أو بثّها على موقع الوزارة، أو البرامج التليفزيونية على القنوات المجانية، والكتب التفاعلية”
“إن السناتر سوف تظل مغلقة و لن يتم فتحها مرة ثانية، على أن يتم تدريب المعلمين و توفير كل الأدوات الرقمية الخاصة بالتعلم، و لا حاجة للدروس الخصوصية، و أي شيء غير معتمد من الوزارة لسنا مسئولين عنه” .
” أن الدروس الخصوصية لن تعود بالنفع على الطلاب في نظام الأسئلة الجديدة، و وجودها سوف يضر بالعملية التعليمية، و هذا لا يرضى الوزارة، لأنها تريد تطبيق نظام تعليمي يليق بمصر ويضمن تكافؤ الفرص” .
من قراءة التصريحات السابقة لوزير التعليم يتضح أن الوزارة لديها الرغبة فى تطوير نظم التدريس والاختبارات ،وأن النظام الجديد يعتمد على الفهم وليس الحفظ والتلقين، إضافة إلى أن نظام الامتحانات مختلف تماما عن الامتحانات التقليدية من خلال امتحانات الكتاب المفتوح والإلكترونية التي تحتاج إلى الفهم أكثر من الحفظ، بالتالي ليس هناك فائدة من الدروس الخصوصية.
هذا وفى ظل استمرار تهديد فيروس كورونا للعالم أجمع ، ولنظام التعليم بشكل خاص حيث فرضت بدائل كثيرة للتعليم عن بعد، وأصبح من الضرورى أن يحدث تغيير شامل لمنظومة التعليم من خلال تطوير المنظومة التعليمية وتجهيز البيئة المدرسية وتطوير الادارة المدرسية وصولاً الى المدرسة الذكية من خلال ، المناهج الرقمية ، والمعلم الفعال الذى يمارس دوره كموجه ومرشد لطلابة عبر تدريبه بشكل فعال استخدام المناهج الجديدة و استخدام المنصات التعليمية بشكل فعال ، واعداد الاختبارات الاليكترونية ، وتوظيف الانترنت بشكل فعال لتحقيق عمليتى التعليم والتعلم .
ومن خلال استقراء الواقع المجتمعى نرى عودة مراكز الدروس الخصوصية بشراسة ، وارتفاع اسعار الحصص لكل مادة ، وانسياق أولياء الأمور وراء الحجز المبكر للدروس ، وبالتالى الواقع يعبر عن استمرار الأزمة وانتشار العرض ، وبقاء المرض كما هو دون علاج .
المرض الذى يجب أن نتصدى له هو غياب الرؤية الحقيقية لمنظومة التعليم ، وغياب دور المدرسة بل موتها ان جاز التعبير من خلال غياب حقيقى لدور الادارة المدرسية ، والخصام الحقيقى بين اولياء الأمور وبين المدرسة ، وغياب المعلم عن المشهد التربوى ، وغلبة نظم التدريس التقليدية وكذلك الاختبارات التى لاتقيس الا مستوى التذكر .
ولكى نعالج المرض ونقضى على الأعراض ومنها الدروس الخصوصية ، يجب أن يتم الاعلان عن الرؤية والفلسفة الحقيقية لنظام التعليم والتى تبقى رغم تغير من يدير الوزارة ، وأن يتم تطوير المنهج بصورة شاملة وليس مجرد تغيير فى المقررات من خلال الاضافة أو الحذف ، وأن تتبع الوزارة نظام التدريب المستمر لكافة العاملين فى منظومة التعليم ، وان يكون الاهتمام بالمعلم المصرى على المستوى المادى والمعنوى لكى يستعيد هيبته ، وان يتم اختياره واعداده مستنداً الى معايير واضحة ، كما يجب على الدولة أن توفر آليات اعلامية بدلية من خلال القنوات الفضائية التى تسمح للبسطاء فى القرى والنجوع بمتابعتها ، ولا يكون الرهان على التواصل بالانترنت فقط كما يدعى البعض ، وكذلك وضع خطط واضحة ومعلنة لممارسة المعلمين التدريس لمجموعات عقب اليوم الدراسي وأن يتقاضى مقابل مادى يتم تحديدة ويعلن عنه رسميا من قبل الادارة المدرسية ، وأن تكون هناك آلية مراقبة ومتابعة لهذا النظام .
وعلى وزارة التربية والتعليم الا تنسي أن دورها الرئيس يتمثل فى التربية والتى تأتى من خلال غرس القيم وتأصيلها فى نفوس الأبناء ، ولهذا يجب التركيز على النشاط الذى يدعم تربية الأبناء ، والا يكون التركيز على المنصات التعليمية من اجل المادة العلمية للمقررات على حساب الجانب الوجدانى للأبناء ، وأن يكون نظام التقويم شاملا للجوانب المعرفية والمهارية والوجدانية للمتعلم .
وأخيرا سوف تبقى الدروس الخصوصية واقعا يفرض نفسه على المجتمع وسوف تنتشر كما ينتشر فيروس كورونا ، وسوف يستمر أولياء الأمور فى دفع الثمن ، وسوف تبقى المشكلة قائمة ومستمرة طالما بقى التعامل مع التعليم باعتباره استهلاك وليس استثمار ، باعتباره مجرد معارف ومعلومات وليس بناء وتربية للإنسان . والى أن ندرك ذلك علينا أن نمارس دورا حقيقيا فى تربية الوعى لدى أولياء الأمور وأن تكون هناك شراكة حقيقية بين اولياء الأمور وبين المدرسة ، والى أن يحدث ذلك نحن فى الانتظار .