الجمعة , نوفمبر 22 2024
محمد عبد المجيد

الحظر الرابع لمصري في أوسلو!

أكاد لا أصدق أنني حظرت أربعة من أبناء بلدي الأم المصريين المقيمين في أوسلو في وقت وجيز!
قمت اليوم بحظرك، وأنت رابعهم، لكن عقلي لا يستوعب كيفية حشو النفس المصرية للمهاجر بكل هذا الغِل والبغضاء والكراهية والحقد.
أنا أقيم في أوسلو قبل أن تولد أنتَ، ومن سوء الحظ أنك عشت في العصرين الحجريين في مصر، ومع ذلك فقد انتقلتَ إلى بلد متحضر ومتمدن ومتسامح، وحصلت على ما لم تحلم به من قبل، وتنفستَ حرية وكرامة واحتراما من المجتمع.


كان المفترض أن ينعكس هذا عليك فإذا بك تنفث غِلاً ووشاية وكراهية ، ولم تنفعك هجرتُك قيد شعرة.
أنا أقيم هنا منذ 43 عاما ولم أصطدم بأي مصري، فلستُ في موضع الاستعلاء والكِبْر!
لم اصطدم في أظلم الأوقات عندما اعتدى ،جنسيـًا، مصري على ابنة صديقته البوسنية لأكثر من ثلاثمئة مرة، كما ذكر القاضي، ولما كبرت وتقدم لخطبتها شاب صعيدي بوسني وقامت بزيارته في كوبنهاجن وحكت له انتهاك جسدها من مصري صديق أمها، جاء بحرًا، وتوجه إلى المحكمة قبيل محاكمة المعتدي، وأفرغ فيه رصاصات قاتلة وأكملت هي بالسكين عليه.


ولم أصطدم مع المصري الذي اختطف فتاة من مكتب العمل، فقابلته بعد عدة سنوات في العاصمة الدانمركية، فقد عاد إليه رشده.
ولم أصطدم مع المصري الذي توسطت من أجله للعمل، فخان صاحب العمل مع زوجته، وتم طرده من النرويج.
ولم أصطدم مع المصري الذي دخل بيت صديقه، وبعد فترة كان المضيف الكريم قد طلق زوجته ليتزوجها الضيف غير الكريم.
ولم أصطدم مع الصديق الذي اتفق مع أجهزة أمن حسني مبارك أن يُدبر طريقة لتسليمي لهم بالادعاء أنني ضيف برنامج تلفزيوني في القاهرة للحديث عن المغتربين، فلما انتابني الشك واتصلت بالمركز الرئيس في دُبي، أبلغوني أنها حيلة للإيقاع بي.


ولم أصطدم مع المصري الذي طلب مقاسمتي في مجلة طائر الشمال لأنها على حد قوله( مجلة عربية) وهو عربي!
ولم أصطدم مع المصري الذي أبلغ أمن مطار القاهرة الدولي عني لعلهم يفترسونني لدى وصولي.
ولم أصطدم مع صديقي الذي ذهب لرئيس إذاعات الأجانب، وقال له بأني أسبب مشاكل بالتفرقة بين عرب أوسلو، رغم أن معظم برامج إذاعة صوت العرب من أوسلو كانت عن الانتفاضة الفلسطينية.


ولم أصطدم مع المصري الذي التقىَ بي وقال: لا أصدق أنني أتحدث مع محمد عبد المجيد صاحب الكلمة الحرة، ثم أرسل لي بعدها يسألني: لماذا تكره مصر والرئيس والجيش؛ فحظرته.


ولم أصطدم مع المصريين الذين يكذبون على الدولة بالزعم أنهم طلقوا زوجاتهم، وذلك لمضاعفة الأرباح الحرام التي تدخل جيوبهم وبطونهم.


ولم أصطدم مع المصري الذي كان يمر على مقاهي وكافتيريات أوسلو ويستأذن الجالسين في أن يشرب ما تبقىَ من كؤوس البيرة!
طوال أكثر من أربعة عقود وأنا في حالة سلام مع الجالية المصرية ، ولم أتأخر عن أحدهم في أي طلب من بيت الشباب حيث عملت لثلاثين مع عملي في الصحافة، أو من مدينة الطلاب في أوائل الثمانينيات، واشتركت في التجمعات والنوادي والنشاطات الثقافية والاجتماعية.


أستطيع أن أقص عليك ما يشيب له شعر الولدان من حكايات تجعلك تتأكد أن المصريين كلهم، وأنا منهم، نحتاج إلى علاج نفسي وعصبي وعقلي جمعي لعلنا نصبح مثل خلق الله الآخرين.
هل أنا آذيتك في شيء؟ هل كانت بيننا حوارات أو مشاكل أو خلافات؟
كل ما في الأمر أنك كعشرات الآلاف من المصريين المهاجرين تتمتعون بالحرية والعدالة والرفاهية في الوطن المضيف، وتدافعون حتى الموت من أجل بقاء الديكتاتورية والسجون والمعتقلات وظلم القضاء وحماقة الإعلام والتزوير وبيع الأرض والجُزُر والتفريط في النهر الخالد وإفقار أهلكم في مصر ودعم الطغاة.
أنت ككثيرين يتأكد من يعرفهم عن كثب أنه لو حكم مصرَ خنزيرٌ يحتضر لركعوا له، والمتدينون منهم سيقولون بأن الخنزير قد يكون حاملا رسالة سماوية.


أسألك مرة أخرى: هل أنا آذيتك أو تشاجرت معك؟ هل سمعت من مصري في النرويج عن أي سلوكيات مُشينة مني أو أنني أستغل مكاتب الضمان الاجتماعي أو أنني كنت عاطلا عن العمل ليوم واحد طوال أربعة عقود؟
كل المشروعات الثقافية التي أسستها، معرض الكتاب العربي في مايو 1982، المكتبة العالمية 1983، مجلة طائر الشمال 1984، إذاعة صوت العرب من أوسلو 1987، كانت بجهود شخصية ذاتية ولم أتلق من النرويج التي أحمل جنسيتها كرونة واحدة في أي مشروع ثقافي( كما شهد بذلك وزير الثقافة في جلسة البرلمان النرويجي في نوفمبر 1987) ولم يعرف مكتب الضمان الاجتماعي وقع خطواتي ولو مرة واحدة.


طرحت من قبل عشرات المرات السؤال التالي: لماذا يكره المصريون المصريين؟
كان المفترض لو أن هناك ذرة عدل أن تجلس أنت أمامي لتتعلم مني، وأنا أقترب من 74 عاما وأقترب من نصف قرن في أوروبا( 4 سنوات في لندن وجنيف قبل أوسلو)، فأحدّثك حديث خبراتي الحياتية عن الحرية والكرامة والمحبة والتسامح والوطن وكراهية الاحتلال والوفاء للوطن المضيف وشرف العمل ….
أن تجلس في مواجهتي وتسمعني أحدثك عن الدفاع عن الظلم ومقارعة الطغاة ورفض التسول والمساواة والثقافة والحب والكتاب..


أن تنصت لي وأنا أحذرك أن تكون من الوشاة والمتعاونين والمرشدين عن أبناء بلدك الأم، فابن بلدك شقيقُك الذي لم تلده أُمك.
كالعادة ذهبت إلى صفحتك قبل حظرك ووجدتها مكتظة بالآيات القرآنية التي تحث على الفضيلة والصدق والمحبة والتسامح!
قد أتفهم انك خائف من قائمة المترقب وصولهم، ومن البيت الذي اشتريته في شرم الشيخ أو الغردقة أو الساحل الشمالي، لكنك لست خائفا من ضميرك فهو لا يقرع أو ينذر أو يؤنب أو يعاتب.
لو سمعت عما أعرف عن المهاجرين المصريين لتصببت عرقا رغم أنك أحد المشوهين للإنسان المصري في المهجر.
تطلب الصداقة فأوافق لأنك من المصريين النرويجيين، ثم أكتشف أنك مخبر أو متعاون أو كوهيني أو سيساوي بغيض أو اخواني متطرف أو مهاجر فاشل فامتلأ حقدًا!
ماذا يحدث في أعماق النفس المصرية؟


هل نحن مرضى عصاة على العلاج، أم أصحاب مشاعر ممزقة ومشتتة ومبعثرة لعب بها أباطرة الحُكم والتربية والتعليم والأديان والأحزاب والمال فخرجت من بين أيديها كتلة فساد إذا شهقت دخلت رئتيها غيبة ونميمة وغيرة وحسد، وإذا زفرت فوشاية وطعن في الظهر وتقرُّب إلى السلطات الأمنية.
سامحك الله فقد عكرت عليَّ صفو يومي، وأكتفي بهذا القدر فلو انفجرتْ كلماتي وحكاياتي عن نصف القرن المنصرم لما تحدث أحدٌ يقرأها مع مصري طوال عُمره.
ومهما دافعت عن السُلطة بكل قفاك، فأنت من الذين لا يتركون في الدنيا أثرًا أو كلمة طيبة أو فائدة واحدة من كل سنوات عُمرك.
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين

شاهد أيضاً

جورج البهجوري بنكهة وطن !!

بقلم عبدالواحد محمد روائي عربي فنان تشكيلي كبير عاصر كل نجوم الثقافة العربية محيطا وخليجا …

تعليق واحد

  1. انت قلت ووصفت جزءكبير من صورة المصريين لكن بمرارة منفعلة فما زالت الانفعالات بداخلك مثل كل المصريين انفعال يحب بعض الحقيقة
    ياسيدى تأكد ان هناك اناس مصريين عاديين بسطاء يتحللون بمكارم الاخلاق صحيح قليل ومثلك ايضا قلبل
    لكن رؤيتى ان غالبية المصريين اصبحوا مثل الدجاج او القطيع لا يعبؤا بشىء الا الكل والشرب والنقنقة حتى لو ذبح منهم واحد او الف
    نحن محتاجين لاعادة النظر بطرق التربية ووضع حدود من يتجاوزها تكون هناك عقوبة صارمة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.