بسم الله الرحمن الرحيم
{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } النور35
مقدمة الناشر
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم ، لم تعد قضيّة ((المناداة بتطبيق الشريعة الإسلامية في الدول الإسلامية)) بالمسألة الثانوية أو العابرة بالإمكان غض الطرف عنها أو تجاهلها . لما للدين لدينا من خصوصية تتسامى عن أن يناله المساس أو الخدش ، إلا أننا نجد أن القانون السائد في كافة المجتمعات لا يخرج عن أن يكون تطبيقاً لتلك الشريعة الشاملة الكاملة غير أن هناك بعض القواعد القانونية التي أصابتها الانحراف عن أحكام الشريعة الإسلامية ، وأن تلك الفزاعة ما هي إلا درب من دروب التضليل التي تُفرض علينا وننساق إليها لأسباب تنتهي بنا إلى المزيد من الاختلاف والخلاف وترسيخ الخلافات ليس إلا وعلى الرغم من أن مجرد النظر سطحيًا للمقارنة بين الشريعة الإسلامية السمحاء والقوانين الوضعية ما يجده بعضنا أو أكثرنا مساس بشريعتنا الإسلامية الشمولية إلا أننا يجب أن نتيقن بأن تلك القوانين الوضعية الحديثة ترتبط بعلاقات وطيدة بالشريعة الإسلامية خاصة فيما يتعلق بمرحلة تأسيس تلك القوانين الوضعية الحديثة ، وما يثير الدهشة أن تلك العلاقة هي علاقة الجزء بالكل أو علاقة الفرع بالأصل وهو ما ينهي الجدل الدائر حول السؤال الذي نبحث عن إجابات دقيقة عنه منذ فترة ليست بالقصيرة ـ وهي تشغل تقريبًا عقل كل مسلم، وتستأثر باهتمام المفكرين والمثقفين في العالم الإسلامي – وهو : هل تطبق الدول الإسلامية أحكام الشريعة الإسلامية ؟ وهو ما نحاول الاجتهاد في هذا المؤلف للإجابة عنه أو عن جزء منه .
لمّا كان بين الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية من الارتباط إلى الحد الذي يُعتبر فيه الثاني فرع من الأصل العام وهو الأول ، فإن لهذا الارتباط مدلولاته البعيدة والعديدة ، خاصة وأن هذا الارتباط ينطلق من روح الإسلام وديمومته وشموليته وحركة الشريعة الإسلامية وحيويتها بالقدر الذي يعبّر فيه عن مدى مواكبة هذا القانون الرباني لمتطلبات الزمان ومقتضياته . ومهما قيل أو يقال من بعض الأوساط والأقلام المأجورة الموجهة التي لا يروق لها الحديث أو السير في هذا الاتجاه ورغم تباين الاتجاهات في أوساط المدارس الفقهية ، فإن هناك شعورًا عامًا أخذ يفرض نفسه بقوة لا يرى ضرورة فتح هذا الملف أو التأصيل النظري لإطاره وإنما يرى وجوب غلق هذا الباب والنظر لكلاً من الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية على أنهما قطبين متنافرين لا ارتباط بينهما
فإذاء التطورات المتلاحقة التي يشهدها العالم في عصرنا الراهن ، وفي ظل التراجع المروع للتيارات الإيديولوجية في غمرة تخلّف الأفكار المشوهة وعجزها عن تقديم الحُجج المقنعة ، فإن دور الإسلام ـ هنا ـ يزداد أهمية ويفرض عليه أن يسترد شموليته واعتلائه ووضعه الذي سُلب من المتأسلمين ، واعترافنا نحن المسلمون رغم أنف المدعين بأبوية الشريعة الإسلامية كونها « الأب الشرعي » للقواعد الأصلية للقوانين الوضعية الحديثة التي استفادت منها الإنسانية جمعاء .
لابد ـ بادئ ذي بدء ـ من إلقاء بعض الضوء على النصوص الشمولية للشريعة الإسلامية وأحكامها ومبادئها وضوابطها والجزاءات المقررة لقاء مخالفاتها ، بعيداً عن الأفكار المنحرفة والمفاهيم المغلوطة التي لصقت بها في فترات التراجع الحضاري المأجور ، وغياب الوعي وهيمنة الانحراف ولا ريب ، ليس هناك أقدر على معالجة هذه الإشكاليات من روّاد الإصلاح والتغيير ، لما يتسمون به من فهم عميق للإسلام وغيرة بصدقِ علية، وبهذا تكون الشريعة الإسلامية قد استردت ما سُلب منها من قبل الغرب المستنسخين الذين قد استولوا على مبادئها وقواعدها الأصولية وقاموا بتطويرها أحياناً في ضوء ما تدعو له أحكام الشريعة الإسلامية نفسها من خلال القياس والتطوير إلا أنهم قد قاموا بالتطبيق الجزئي لمناهج الشريعة الإسلامية في القياس والتطوير دون التقيد بمبادئ الشريعة ومرجعيتها الفقهية الأصولية أحيانًا . ونظرًا لأهمية المناقشة الموضوعية والتفصيلية للعلاقة بين القوانين الوضعية والشريعة الإسلامية فإنني آمل أن تكون الأفكار والأُطروحات المثارة في هذا الكتيّب مساهمة جادّة في التأكيد على أن شريعتنا الإسلامية السمحاء المستنبطة من القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة هي قبلة وزاد القوانين الوضعية رغم أنف المدعين بتأسيس مدارس القوانين الوضعية الحديثة والمعاصرة ، في هذا المُنعطف الخطير الذي يمرّ به العالم الإسلامي ، وهو يتوثب لأخذ موقع متضائل تحت الشمس لا يتناسب وموقعه الحقيقي المستحق ، وفي وقت سُلبت فيه رسالة السماء ليُدعى باستنساخها لقطاء النسب لمن لا يستحق أمثال : مدارس القوانين الوضعية الحديثة . سائلين الله تعالى السداد والتوفيق .
الفصل الأول
- القانون الطبيعي بين الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية الحديثة .
إن أغلب مدارس القانون الوضعي الحديث تعتمد على مصادر رئيسية مشتركة مثل القانون الطبيعي والعرف والعادة بالإضافة إلى التشريعات التي تصدرها المحاكم العليا ولكن يمثل القانون الطبيعي النواة التي ارتكز عليها القانون في تشكيله ، وقد عُرف القانون الطبيعي بأنه : مجموعة قواعد سلوكية كامنة في الطبيعية وثابتة لا تتغير بمرور الزمن ولا تختلف من مكان إلى آخر وهو قانون مثالي يكشف عنه العقل البشري ولا يجده . (1)
ويرى أرسطو : أن العدل هو القانون الطبيعي الذي يجب أن توضع على أساسه القوانين الصادرة عن إرادة المشرع .
كما يعتقد توما الاكويني : أن القانون الطبيعي هو انعكاس لحكمة الله مثلما هو الحكم أو القاعدة التي تعلم الصواب لأنه يفيض بالضرورة من ذات الله المقدسة ويحدد طبيعة الأشياء كما هي قائمة في ذات الله . (2)
أما عن القانون الطبيعي في الشريعة الإسلامية فقد يرى غالبية أئمة الإسلام أن القانون الطبيعي يطابق الشريعة الإلهية حسب الفطرة والعقل الذي جعله الله حجة .
ولذا قال علماء الإسلام : كل ما حكم به العقل حكم به الشرع وكل ما حكم به الشرع حكم به العقل .
فإن القانون الطبيعي الذي جاء ذكره واتضحت معانيه في كل المواضع السابقة يشبهه قول المعتزلة الذين قالوا : بالحسن والقبح الذاتيين فما حسنه العقل فهو حسن وما قبحه فهو قبيح وإن لم يرد شرع . (3)
ولا يخرج القانون الطبيعي في الشريعة الإسلامية عن ما جاء بالقرآن الكريم : ( إِنَّ الله يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالمنكَرِ وَالْبَغْي يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) . ( النحل/90 )
( إِنَّ اللهَ يَأمُرُكُمْ أَن تؤدوا الأَمَانَاتِ إِلى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمِ بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ، إِن اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ، إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً ) .
( النساء/58 ) ، ( وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آباءنَا وَالله أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إنَّ اللهَ لاَ يَأمُرُ بِالْفَحْشاءِ ، أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُون .
قُلْ أَمَرَ رِبّي بِالْقِسْطِ وَأَقيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِد وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الّدِينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) . ( الأعراف/ 28 ) ـ
وهنا يمكن أن نرى التشابه الإجمالي في الاستناد إلى القانون الطبيعي بين القانون الوضعي وأحكام الشريعة الإسلامية بمجرد النظر السطحي للأمر أما إذا ما دققنا النظر نجد أن القوانين الوضعية الحديثة باعتبارها الأحدث فهي تتخذ من الشريعة الإسلامية قبلة لها في هذا الأمر ، إلا أن تلك القبلة غير مستقرة لما قد يشوب القوانين الوضعية من انحراف عن مبادئ عامة بغرض تحقيق أغراض أخرى تختلف وتلك المبادئ الأصولية لأحكام الشريعة الإسلامية، ونرى أن مبادئ الأصل (الشريعة الإسلامية) تتسامى عن القانون الوضعي الحديث ، في أنه عند أهله لا يعدو كونه مجرد فكرة فلسفية مثالية تبرر التشريع والوضع باعتبار أن العدل هو دعامة القانون الأساسية, والعدل عندهم هو ما صاغته نظريات فلاسفة القانون الوضعي الحديث بعد التأثر والاستفادة من الكُتب والمراجع العظام التي سُلبت من المسلمين أبان الحملات الاستعمارية التي شنها الغرب على معالم العالم الإسلامي قبل أن يثوروا على أنفسهم بما تعلموه من مراجع أئمة الإسلام التي سُلبت من العالم الإسلامي خلال فترات الاحتلال أخذاً في التطور حتى انتهى إلى قيام ثورة علمانية في العصر الحديث ضد بذور القانون الطبيعي كانت على مستوى التجاهل العملي ,ووصلت في بعض الأحيان إلى التجاهل النظري لتلك المبادئ التشريعية التي لازمتهم في غضون مرحلة التأسيس .
على سبيل المثال : ( فان ادوارد كوك قاضي القضاة البريطاني قد صرح بأن للقانون البريطاني حدوداً مشتركة مع القانون الطبيعي وبالتالي فالقانون العام قادر على أن يقر بأن قانوناً برلمانياً باطل لأنه يخالف العقل، ولكن هذا الموقف لم يكن مذهباً و متبعاً من قبل سواء في بريطانيا أو في غيرها ) . (7)
وقد رأينا كيف أن البرلمان البريطاني قام أخيرًا بتشريع زواج الرجل مع الرجل مع أنه يخالف العقل والفطرة . والعقبة التي تجعل من القانون الطبيعي مجرد هامش أخلاقي في التشريع الوضعي هو أن طبيعة القانون الموضوع بيد نخبة معينة من البشر تستند بشكل أساسي على توجهاتها والمصالح التي تمثلها . وهو السبب في الانحراف الواضح بين أحكام الشريعة الإسلامية التي هي زاد القوانين وبين القوانين الوضعية الحديثة ، وهو ما يعبر عن كمال الشريعة الإسلامية لأن القانون الطبيعي لا يتكامل إلا مع القانون الإلهي الذي يجسد قيم العقل بشكل موضوعي بعيد عن الاتجاهات الذاتية والنفعية . ومن هنا نجد أن أصل القوانين الوضعية الحديثة قبل التحريف عليها هي أحكام الشريعة الإسلامية التي تتسم بالتجرد والثبات وتتسامى عن الجدل .
الفصل الثاني
مفهوم القانون بين الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية
- مفهوم القانون .
- الغاية من القانون .
- انحراف القانون الوضعي .
- مفهوم القانون :
القانون في اللغة كما على لسان العرب تعني : ( الأصل ) وقانون كل شيء طريقه ومقياسه . وفي المعجم الوجيز : القانون في الاصطلاح أمر كلي ينطبق على جميع جزئياته التي تُعرف أحكامه منه .
فالقانون في اللغة يحمل معنى عام يطلق على ( كل قاعدة أو قواعد مطردة حمل أطرادها معنى الاستمرار والاستقرار والنظام ) . ( 8 ( ولاشك فإن معرفة معنى القانون يغني كثيرا عن فهم أبعاد القانون من ناحية الخصائص والضيق والتوسع وغيرها من الصفات الأخرى .
فقد اختلف الباحثون في معنى هذه الكلمة حيث يرى الأكاديميون أن القانون : ( هو مجموعة القواعد العامة الجبرية التي تصدر عن إرادة الدولة وتنظم سلوك الأشخاص الخاضعين لهذه الدولة ) . ( 9 )
أي أن اللغة القانونية رصدته بوجه عام للدلالة على مجموع قواعد السلوك الملزمة للأفراد في المجتمع . ( 10 )
ويرى ترمان أرنو لد : أن هناك في كل مجتمع من المجتمعات عدد لا يحصى من القواعد والعادات والإجراءات والتدابير التي لها صفة الإجبار وكل هذا ما يطلق عليه في العادة صفة القانون . ( 11 )
ويرى بعض الباحثون : أن القواعد التي تحكم سلوك الأشخاص لم تكن تعرف في البلاد العربية باسم القانون وإنما كانت لها مسميات أخرى إذ كانت تدعى بالأحكام الشرعية أو بقواعد الفقه . ( 12(
على أنه يفهم من كلمات المراجع القانونية أن كلمة القانون في المصطلح الحديث تحمل معنى الإجبار والقسر والإلزام بالقوة لأنها (قواعد ملزمة تنظم سلوك الأشخاص في المجتمع على أنه يفهم من معنى الإلزام بأن له جزاءًا ماديًا توقعه السلطة العليا في الجماعة) . ( 13(
ولكن نستكشف من قراءة كتب الفقه القانوني في تعريف القانون أن كلمة القانون ليس بالمعنى الضيق الذي فسره الأكاديميون بل القانون كلمة تحمل في طياتها معاني أوسع من المعنى الاصطلاحي حيث أن القانون : قد يطلق بالمعنى العام مثل إطلاق الإنسان على الكلي الشامل للأفراد الخارجية ، وقد يطلق على المحيط الخارجي لهذا الكلي العام مثل القانون التجاري والقانون الدولي والقانون المدني وغيرها ) . ولا شك أن لفظ القانون يحمل معنى الإلزام والقسر الذي تفرضه السلطة على الفرد كواجب مكرر عليه في الالتزام بمسؤولياته الاجتماعية ، إلا أن للقانون رؤية أخرى إسلامية فهو مسؤولية ذاتية يتحملها الإنسان باقتناع ووعي وإيمان حيث لا يقف معنى اللفظ عند حد – الجزاء الرادع – فحسب بل أن القانون بهذا المعنى يشمل الشريعة بمختلف فروعها الفقهية والأخلاقية والتربوية مما يعم قانون الفرد والحكومة في مختلف مجالات الحياة ) . (14)
وهذا الرأي يعبر عن نظرة شمولية لمسألة القانون غير ضيقة لأن القانون ليس مجرد آلية تحتوي على مجموعة قواعد جامدة تأمر وتنهي بل القانون السليم هو الذي ينبعث من كافة المستويات ويندمج مع مختلف الجوانب الثقافية والأخلاقية والتربوية بحيث يتكامل مع العناصر الأخرى لتحقيق المثل الإنسانية وفق الرؤية الإلهية العليا .
- الغاية من القانون :
إن أهم الإشكاليات التي تواجه القانون الوضعي وتضعه تحت مرصد النقد ولا ريب ما يجعله قد انحرف عن الامتداد الطبيعي لأصله ( أحكام الشريعة الإسلامية ) هو عدم وضوح الغاية الأساسية لوضعه واختلاف غايته أحيانًا . الأمر الذي أدى إلى استغلال القانون استغلالاً سيئًا افقده مصداقيته في كثير من الأحيان . فتارة لا يتوانى أرباب المصالح الخاصة عن استخدام القانون وصياغته حسب ما تهدف إليه منافعهم ، وأخرى تستخدمه السلطات المستبدة لتبرير شرعيتها المطعون فيها وقمع الحريات . ومن جهة ثالثة يطغى نفس القانون ويخرج عن غايته عندما يصر البيروقراطيين على تطبيقه حرفيا ولو خالف روح القانون . لذلك فإن وضوح الغاية من القانون ومعرفة أبعاده يسلب الفرصة من الذين يمتلكون النفوذ والقوة في ترجمة القانون حسب منافعهم الذاتية . ومن هنا تأتي التفرقة بين القانون الوضعي الحديث وأحكام الشريعة الإسلامية في أن الشريعة جاءت متجردة شاملة ولا يعيبها النظرة البيروقراطية لبعض أحكامها ونصوصها ممن ينتسبون إلى لواء المناداة بها وعلى هذا فإن الحرية هي الغاية الأساسية التي يجب أن ينطلق القانون وفقها فإذا لم يستطع القانون أن يضمن الحريات للمجتمع أو يحافظ عليها أو قام بمصادرتها فأنه تنتفي ضرورته وجوهريته التي قام عليها ، ويرى الفيلسوف الألماني ( كانت) : أن القانون هو مجموع الشروط التي بها حرية الواحد يمكن أن تتحد مع حرية الآخر وفقا لقانون كلي للحرية . ويضيف قائلا : يكون عادلاً كل فعل يمكن أو قاعدته تمكن حرية كل شخص من أن تتعايش مع حرية كل شخص وفقاً لقانون كلي . (15(
إن الإشكالية المعقدة التي جعلت القانون الوضعي الحديث بعد الانحراف الذي أصابه في مراحل السن والتشريع في موضع الشك في قدرته على تحقيق الغاية هو أنه جعل الحرية في المرتبة الثانية وقدم المصالح والمنافع الآنية التي تخدم واضعيه ، وأما الغاية الحقيقية للقانون فهي تحقيق مصالح معينة هذه المصالح هي الغاية التي من أجلها أقام القانون هذا النظام الاجتماعي . (17) ، وهو منبت الانحراف الذي التصق بالقانون الوضعي الحديث خلال مراحل السن عن الطريق السديد الذي ارتسمته الشريعة الإسلامية في قواعدها الأصولية ( قانونها الطبيعي ) وما تضمنته من أحكام القياس والاجتهاد التي تضمن شموليتها وآلية تطويرها حتى تتمكن من مواكبة التطور المجتمعي والعلاقات بين الأفراد في الجماعة الواحدة أو الجماعات المتعايشة مع بعضها البعض في أرجاء الكون ، فالقانون الوضعي وضع في المقام الأول لتحقيق مصالح مجتمعية خلال مراحل تأسيسه ثم انحرف إلى تحقيق غايات نفعية تخدم قوى النفوذ التي تصوغ القانون خلال مراحل السن والتشريع ، واعتمدت قوى النفوذ في ذلك الأمر على من هم بالمعنى الدارج ( ترزية القوانين ) لذلك فإن الحرية عندهم أصبحت حرية نفعية عرضية وليست أصل مبدئي لذلك نرى أن الدول الغربية التي اعتمدت على الاستعمار في تحقيق مصالحها السياسية والاقتصادية تطبق الحرية في بلادها لكنها تقمعها في البلاد المستعمرة .
ومع أن ( نظام الحرية الشخصية في المجتمع الديمقراطي لا يتضمن الحرية للمواطنين فحسب بل لجميع السكان فإن للدولة السلطة لطرد أي أجنبي مقيم على أراضيها أو أن تعيده إلى وطنه عن طريق التسليم وليس هناك توضيح للخطر الكامن في جعل الحريات الشخصية الأساسية خاضعة لاعتبارات الصالح العام الغامض ) . ( 17(
الأصل أن القانون السليم الذي يحقق الغايات من وجوده هو القانون الذي يستطيع عند تطبيقه أن يحافظ على الحريات وينظمها بشكل تتوازن فيه حريات الأفراد مع عدم الإضرار بالآخرين أو سلب حرياتهم .
وأن يكون القانون متوسطًا بين إعطاء الحاجة بقدر وسلب الحرية بقدر فمن الواضح أن كل قانون يُسلب بقدره من حرية الإنسان ولذلك يجب أن يلاحظ في وضع القانون – الأهم ثم المهم – وتقدير كل جانب من الجانبين سواء بالنسبة إلى حرية الإنسان مع مراعاة حرية الآخرين أو بالنسبة إلى حرية الإنسان لرعاية الصالح لنفس الإنسان ) . (18)
أي أن القانون يجب أن يقف على مسافة متساوية من كافة أفراد المجتمع حتى يحقق الغاية المرجوة من وضعه والالتزام به .
هنا يمكن القول أن الشريعة الإسلامية قد أتت بالوظيفة الرئيسية للقانون وهي فقط إيجاد التوازن بين الحريات الاجتماعية ، فإن الإنسان يتطلب الحرية في كل شيء وأقر الإسلام له بذلك باستثناء ما فيه إضرار لنفسه أو إضرار بالآخرين وكذلك يتطلب الحرية في عقيدته وشريعته ولذا أقر له الإسلام ذلك فقرر له الانتخابات حيث قال سبحانه : ( وأمرهم شورى بينهم ) وفوض إليه اختيار مرجع التقليد والقاضي وكذلك ولي الأمر أو الإمام . وقد أشار القرآن إلى إمضاء هذه الحرية العقيدية والتشريعية في الإسلام حيث قال سبحانه : ( لا إكراه في الدين ) ، ( كل امرئ بما كسب رهين ) ، ( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ) ، ( ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ) (19) .
- انحراف القانون الوضعي .
لاشك أن القانون الوضعي هو الذي يحكم اليوم العالم من حولنا بدساتيره ومدوناته ، ولاشك أيضا أن أوضاع العالم هي انعكاس طبيعي لتشريعات هذا القانون وتطبيقاته ولو جزئيا إن لم نفرض انعكاسها كلياً باعتبار أن تحقيق قيم العدالة ورفع الظلم يمر عبر البوابة الرئيسية وهي القانون لذلك يمكن القول أن هناك العديد من أوجه الانحراف التي سلكها القانون الوضعي الحديث خلال مراحل السن والتشريع المختلفة التي مر بها بعيداً متحررًا عن أحكام الشريعة الإسلامية وتتضح من خصائصه ونتائجه ، وأثر ذلك في الاختلال والقلق والظلم الذي يشهده العالم اليوم بسبب هذا الانحراف .
فإن أول من استخدم كلمة الوضعية هو الفرنسي ( كونت ) الذي يعتبر مؤسس المدرسة الوضعية وهي تعني : أن المعرفة الوافية لا تتحقق إلا باستخدام الأسلوب العلمي في البحث عن الحقيقة من خلال الملاحظة وإخضاع النظريات للتجربة وهكذا نبذت الوضعية فكرة المعرفة الفلسفية أو المسائل الميتافيزيقية الواقعية . (20) ، والوضعية تمثل في هذه المرحلة ارتداداً خفياً عن أحكام الشريعة الإسلامية وظاهراً عن المبادئ الكنسية التي كانت حاكمة في القرون الوسطى ، لكن الوضعية كقانون بدأت تظهر على يد جرمي بنتام صاحب المدرسة النفعية الذي يرى :
أن السلوك البشري يقاس بمقدار اللذة والألم وسعادة الإنسان تزداد بازدياد الألم وسعادة كل إنسان مساوية لقيمة سعادة إنسان آخر والنفعية حينئذ لا تعني فعلا إلا ما يخدم الإنسان لزيادة سعادته .
وإذا كان المقياس الوحيد لبنتام هو نفع الإنسان وسعادته فإنه رفض ارتباط القانون بأي مبدأ آخر بحيث احتقر القانون الطبيعي ورفض ارتباط القانون بالدين والأخلاق ، إذ يرى ( أن فهم القانون لا يكون إلا بمعاملته كدراسة مستقلة متحررة من قضايا الأخلاق والدين وما شابههما وينتج عن ذلك أن مسألة تقرير شرعية أو عدم شرعية قاعدة قانونية ما لا يكون باعتبارها صحيحة أو خطأ عادلة أو غير عادلة، ذلك أن هذه المسائل مناطها لزوم القاعدة القانونية التي لا يؤثر على شرعيتها كونها جيدة أو رديئة ) . (21) ، وعلى هذا المبنى النفعي المستقل عن الدين والأخلاق والقيم والقانون الطبيعي شيد القانون الوضعي بناءه ، إلا أننا نرى أن تلك المفاهيم ما هي إلا مجرد حيلة خادعة لجأ إليها بنتام حتى لا نتأمل في القانون الطبيعي لتلك القوانين الوضعية الحديثة فنجد أغلبها تطبيقاً صريحاً لأحكام الشريعة الإسلامية قبل مراحل الانحراف بها حتى وإن لم يعترف هو بذلك . تلك الردة التي ترتب عليها جل مشاكل العصر المعقدة لنأخذ مثالا على ذلك ( الوضع مع تطبيق القوانين العرفية القمعية بشأن التمييز العنصري التي هي منافية للأخلاق حيث يقول المؤمن بالمدرسة الوضعية أنه يقبل صلاحيتها ولكنه يدينها على أسس أخلاقية وفقا لأي معيار أخلاقي يقبله وذلك شريطة أن تكون هذه القوانين سارية بشكل رسمي ضمن الإطار الدستوري للبلد ) وهنا يجب الحكم على الغاية لا على أسلوب التوصل إليها .
ذلك الإيهام المتعمد الذي يقضي بأن شرعية أي حكم لا يطعن بها كالتزام قانوني حين تتعارض مع بعض القيم التي أرساها الدين أو الأخلاق أو أي مصدر آخر غير قانوني . (22 (، حتى لا يترك مجالاً لمناقشة قواعده الحاكمة من منظور ديني فتتأكد زيف مزاعمه في اختلاقه لقواعد قانونية حتى وإن شاب بعض تلك القواعد انحرافا جزئيًّا أو كليًّا عن أحكام الشريعة الإسلامية .
في ضوء ما أرسى القانون الوضعي الحديث مبادئه ظهرت الكثير من الثغرات والعيوب التي جعلت منه قانوناً خادمًا لمصالح قوى النفوذ أكثر من كونه خادمًا للعدالة ، فالقانون في هذه الحالة لا يستمد شرعيته – حسب زعمهم – إلا من قوة السلطة الآمرة بتطبيقه حيث يرى أوستن : أن القانون أمر ممن له السلطة السياسية العليا في الجماعة يقترن بجزاء دنيوي فالقانون في أساسه أمر وليس بنصيحة وهو أمر من حاكم سياسي سواء كان فردًا أو جماعة يصدره إلى أفراد الجماعة ثم يحملهم عليه عن طريق توقيع الجزاء على من يخالف الأمر كذلك يجب أن يتجه تفسير نصوص القانون إلى الكشف عن إرادة الحاكم مُصدر الأمر . (23) كون أن التشريع الوضعي هو بيد الحاكم والسلطة معًا ، هو الذي جعل البعض يعتقد أن طبيعة القانون الوضعي تقود نحو الاستبداد والديكتاتورية ومن هذا المنطلق فإننا نؤكد على أن الوضعية القانونية برفضها الاعتراف بنظام أو منهج أخلاقي يضبط التشريع القانوني أفسح المجال أمام الديكتاتورية الاستبدادية لكي توجه القوانين والذين ينفذونها لاقتراف أبشع الجرائم تحت مظلة السلطة القانونية ) . (24(
وعلى الرغم من أن القانون الوضعي قد فصل نفسه عن الأخلاق والدين وقيم القانون الطبيعي فإنه يجد صعوبة في أن يتجرد من بعض قواعده الأصولية التي استند عليها أبان التأسيس وقبل الانحراف بها تارة وعنها تارة أخرى بل ويجد الملاذ أحياناً في الردة عن ذلك لعلاج التداعيات المستمرة التي تطيح به ، والتي لا يمكن أن يجزم أحدًا أنها غير مستوحاة بل ومنقولة أحيانًا من تلك التي أرساها القانون الإلهي وتجسدت في أحكام الشريعة الإسلامية ، غير أن القانون الوضعي يجد صعوبة كبيرة في إقناع المحكومين بضرورة الالتزام الطوعي والإرادي بالقانون لذلك فإنه يعتمد على الإكراه المادي ، ذلك لأن القانون الوضعي يعتمد في ضبط سلوك الأفراد على القوة المادية التي تظهر متمثلة بالإكراه البدني بشتى الأشكال ، ومن المؤكد أن القوة المادية وحدها لا تستطيع حفظ النظام الاجتماعي وذلك لطبيعتها الغريبة فهي تستبدل بالعلاقات الاجتماعية علاقات آلية ، والحقيقة أن المغالاة في استعمالها الأمر الذي أدى إلى تصدع النظام الاجتماعي . (25)
وهنا نرى أن النتيجة المباشرة لانحراف القانون الوضعي عن مصدره الرئيسي وزاده وقبلته الأولى أنه أضحى لم يستطع حل المشاكل وإحلال الأمن بل على العكس من ذلك ازدادت الجرائم والانتهاكات وخاصة في المجتمعات الغربية التي تعتبر نفسها متطورة من الناحية القانونية على قدر انحرافها عن أحكام الشريعة الإسلامية ، والجدير بالذكر أن من أهم أسباب إرباك كل مرافق الحياة في كافة بلاد العالم الإسلامي لم تكن القوانين المستوردة وإنما انحراف تلك القوانين عن مبادئ القواعد الأصولية التي استند إليها واضعوها ، وعلى الرغم من ذلك فإن الزعم بأن نسبة التسعون بالمائة من قوانين المدارس الوضعية الحديثة ما هو إلا امتداد وتطوير منهجي لأحكام الشريعة الإسلامية ، لا شك أن الحكم على القاعدة القانونية من خلال النظر إلى صفة أو جنسية أو ديانة واضعها ليس بأصل فقهي أو قانوني وإنما يجب أن يكون الحكم عليها من حيث صلاحها أو جحدها والطعن عليها حكماً مجردًا في ضوء القواعد الأصولية لأحكام الشريعة الإسلامية وأحكام القانون الطبيعي الإلهي ، وهو الأمر الذي يمكن الزعم معه أن توجه أي من بلدان العالم أو رواد القانون الوضعي إلى تطبيق الشريعة الإسلامية وفقاً لضوابط ومناهج تطويرها لا يستلزم تعديل أغلب تلك القواعد القانونية .
الفصل الثالث
الفرق بين الأحكام الشرعية والقوانين الوضعية
- الخصائص .
- ضمانات الالتزام .
- – المقارنة بين خصائص أحكام الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية إن أهم مميزات الأحكام الشريعة الإسلامية وخصائصها الإيجابية التي جعلت منها قانوناً متجددًا وصالحًا لكل الأزمان والمجتمعات، وقدرتها على حل الكثير من المشكلات ومواجهة العديد من التحديات هي:
الدوام : بعيدًا عن أن القوانين الوضعية يضعها جماعة أو مجموعة أفراد إلا أن السبب الرئيسي في عوار بعض القوانين أن تلك الجماعة أو مجموعة الأفراد لم يلتزموا أثناء الوضع أو التطوير بأُسس ومنهجية القياس بما يتفق والقوانين الطبيعية التي هي إحدى إعجازات الشريعة الإسلامية التي لا يختلف عليها أحد ، بينما نجد أن هناك من القوانين التي التزمت بتلك الأسس والضوابط ، ولا ريب فإنها امتداد منطقي لأحكام الشريعة الإسلامية حتى وإن غُض منا الطرف عنها لأسباب عديدة منها أننا أحيانًا نخشى من أن نعترف بالتقصير البالغ في أن نتولى نحن تطبيق المناهج السديدة للتطوير والقياس للأحكام الأصولية للشريعة الإسلامية التي تتصف بالشمولية والدوام وتستلزم تطبيق مناهجها في القياس والاستدلال ، ومنها أيضاً ألا نعترف بأن الشريعة الإسلامية التي رسخت قواعد القانون الطبيعي الإلهي بريئة من أصحاب الأفكار الرجعية التي تهتم بذكر الألفاظ لا فهمها الذي يؤدي بإدراكه إلى تطبيق القياس السديد الواجب الاتباع بغير هوى منا أو تخيير في الإتباع فإن القوانين الشرعية ليست نصوص واجبة التطبيق فحسب إنما منها ما هو قواعد أصولية تستلزم الاستنباط لتطبيق الكبريات على الصغريات مع متجددات الزمان وهو ما جعلها تتصف بالكمال كونها وافية .
الاتساع في التطبيق : حيث أن القانون الإسلامي يملك القدرة على أن يضبط سلوك الكل بلا فرق بين اختلاف الشعوب والقبائل ، أما القوانين الوضعية حتى الديمقراطية منها فيختلف قانون كل بلد عن الأخرى .
إلا أن ذلك الاختلاف لا يستوجب الحكم عليه بأنه مخالف لأحكام الشريعة الإسلامية فيكون أحياناً امتداد منهجي لتطبيق الشريعة متى اتصف بالتجرد والالتزام بالقانون الطبيعي – فقد جاء الدين الإسلامي هدىً للعالمين وليس المسلمين أو المؤمنين فقط – لأنه يتضمن أحكامًا شرعية وفقهية توجب التفاهم والتقارب بين فصائل المجتمع الإنساني بعضهم مع البعض داخليا وخارجيا.
التسامي : لأنه مطابق للفطرة موجب للعدالة أخذ بالاعتبار ضعف الإنسان فلم يتعنت معه وهو مع هذا كله أسمى من أن يعجز عن الوفاء باحتياجات الناس – كل الناس – دون النظر إلى الجنس أو النوع أو اللون أو حتى المناصب فقد جاءت قواعده وأحكامه متجردة غايتها الوحيدة هي تحقيق العدل والمساواة . (26) ، ومن الخصائص المهمة التي تجعل من القانون الإسلامي متميزًا هي مرونة القانون وقابليته للاجتهاد حيث كان باب الاجتهاد منفتحا منذ عهد الرسالة ، أما الاجتهاد فهو حق طبيعي لحملة كل دين أو مبدأ يريد استيعاب الحياة وهذا الدين الذي شمل هذه الرقعة الواسعة والذي يريد الله عز وجل له شمول الأرض كلها لابد وأن يكون لحملته حق الاجتهاد في ضوء ضوابط ومنهجية القياس لاستنباط الجزئيات من الكليات . (27)
وهو ما إذا تم إدراكه الإدراك الحقيقي فلا يمكن لنا أن نلوم على بعض علماء القانون مثال السنهوري وغيره في أنهم قد تركوا قوانين الإسلام وأخذوا بقوانين الغرب حينما يكون الغرب هو الآخذ بأحكام الشريعة الإسلامية – وإن لم يعترف الغرب نفسه بذلك – ويكون محل اللوم أن العديد من علماء القانون الأجلاء لم يأخذوا ذلك في الحسبان واكتفوا فقط باستخدام القاعدة القانونية بعد أن وفر عليهم الغرب الجهد الكثير في القيام بالاجتهاد والقياس والاستنباط على قواعد القانون الطبيعي للشريعة الإسلامية ، غير أن هناك القليل من تلك القوانين قد خالفت بعض أحكام القانون الطبيعي خلافًا ظاهريًّا فقط واتفقت معها في المضمون وبعضها الأخر قد خالفها جملة وتفصيلاً وخاصة المستحدث منها الذي جاء بالتبعية للانحراف الذي أصاب القوانين الوضعية الحديثة المشار إليه بالفصل الثاني . فالكثير والكثير من القواعد الأصولية للشريعة الإسلامية هي قواعد أصولية لبعض القوانين الوضعية ومن تلك القواعد قول الله عز وجل : ( الذي جعل لكم الأرض ) و( أوفوا بالعقود ) و( لا ضرر ) (28)
وهناك الكثير من الخصائص والمميزات التي يتمتع بها القانون الإسلامي مثل البساطة واليسر فقد قال الله تعالى : ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) ، فالقانون الإسلامي وضع على اليسر سواء في الواجبات أم المستحبات وإنما الشدة تأتي أحيانًا على سبيل الاستثناء لا الأصل .
- ضمانات الالتزام بالتطبيق .
يكون القانون فعالاً ونافذًا عندما تصبح له القدرة على التزام وامتثال الناس لتنفيذه وقبول الناس له قبولاً قائماً على الاقتناع والإيمان به وربما لا يكون ذلك مؤثرًا بقدر كبير في الالتزام بالقانون على قدر شعور الناس بضرورة التنفيذ والالتزام . ونرى بعض الشيء من وجه التشابه فيما بين أحكام الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية حتى وإن اختلفت الأهداف فيما بينهم فإن أحكام الشريعة الإسلامية وقانونها الطبيعي قد تأسست على قاعدة الثواب والعقاب وهو ما لم ينحرف عنه القانون الوضعي الحديث فقد بُني على تلك القاعدة مع اختلاف الهدف فقد تستمد أحكام الشريعة الإسلامية قوة أكبر في كونها تحمل عقابين لا عقاب واحد بالمفهوم المجتمعي بل أن المشمول بالقانون فيها يخشى عقابين لا عقاب واحد أولهما لا ثانيهما العقاب الإلهي الحال أو المؤجل حتى وإن سبقه العقاب المجتمعي ولأن الله عز وجل فرض الشمولية لأحكام القانون الطبيعي للشريعة الإسلامية فقد قرر العقاب الدنيوي بشمول علمه ولما لإعجاز أحكام الشريعة الإسلامية والقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة التي جاءت جميعها لتحقيق النفع للبشر أجمعين وليس للمؤمنين والمسلمين فقط وهو ما يتضح من قول الله عز وجل
( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) (107) سورة الأنبياء ، وقول محمد صلى الله عليه وسلم : ( إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) .
وقول الله عز وجل ( للعالمين ) ولم يختص المسلمين أو المؤمنين دليل أخر يضاف إلى إعجاز القرآن والسنة في أن الدين الإسلامي ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم جاء بالنفع لكافة البشر وليس بالمسلمين فقط وهو ما يعلمه الغرب من غير المسلمين ويغضون عنه البصر حتى لا يعترفوا بتطبيقهم لأصول أحكام الدين الإسلامي في حين أنهم يبذلون الجهود العديدة لمحاربة الدين الإسلامي والحط منه واتهامه بالدين الإرهابي وغير ذلك من الاتهامات الأخرى ، وإلا فكانت أحكام الشريعة الإسلامية لم تلتفت لتطبيق العقاب المجتمعي واقتصرت على تطبيق العقاب الإلهي الذي هو الباعث الحقيقي والأول على الالتزام بها ولكن بالعلم الإلهي السرمدي يعلم الله عز وجل أن القانون الطبيعي لأحكام الشريعة الإسلامية قد جاءت لمخاطبة المسلمين وغير المسلمين ، من اعترفوا بمُحمد وتبعوه ومن لم يتبع – تلك هي حكمة الله عز وجل – .
فالقانون الوضعي قد وضع ضمانات الالتزام به من خلال نظرية الثواب والعقاب الدنيوي ولم يكتف بذلك فقط غير أنه لم يملك غيرها لفرض الأمن وضمان تقويم السلوك الإنساني ولأنه لا يمتلك جذورا متأصلة في عمق الوعي الإنساني العام فاستعاض عن ذلك بالباعث الأخلاقي وثقافة المجتمعات الموجهة ساعيًا للاستنساخ الباعث الديني عند المسلمون .
ذلك أن الناس ( يطيعون القانون لا لأنهم مرغمون على ذلك بالقوة بل لأنهم يقبلونه أو على الأقل يذعنون له وأن هذا القبول وليس تهديد القوة هو الذي يجعل النظام القانوني فعالاً ) . (30(
ونجد أن القوانين الوضعية تستمد قوتها وضمان الالتزام بها من خلال اقتناع المشمولين بها وهذا يكون نسبياً على قدر التزام المُقنن بقواعد القانون الطبيعي التي هي ترجع في الأصل لأحكام الشريعة الإسلامية في مرحلة التأسيس ، ونرى أن المشمولين بالقوانين الوضعية شأنهم شأن المشمولين بأحكام الشريعة الإسلامية تزداد استجابتهم للالتزام بأحكام القوانين وعدم الاعتراض عليها كلما جاءت متوافقة وأحكام القانون الطبيعي أي كلما جاءت متوافقة ومستنبطة الاستنباط الصحيح من أحكام الشريعة الإسلامية حتى وإن اختلفت أراء كل فئة على ماهية أو مرجعية القاعدة القانونية . فإن كلاً من أحكام الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية قد استمدت سلطتها وضمان الالتزام بها من خلال تحقيق الردع العام والردع الخاص ( الرادعان ) وهو أن يكون العقاب رادعاً للكافة قبل تحقيق الردع للمخالف لضمان عدم مخالفة القوانين وإن اختلفت طريقة كل فئة في تحقيق وترسيخ طريقة العقاب واختلفت أيضاً كل فئة في تقدير ونوع العقوبة .
الفصل الرابع
أثر انحراف بعض قواعد القانون الوضعي عن أحكام الشرعية الإسلامية
- مقارنة بين أحكام الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي الحديث .
- أسباب الانحراف .
- مقارنة بين أحكام الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي .
لا شك أن هناك من قواعد القوانين الوضعية ما انحرف عن القانون الطبيعي للقوانين الوضعية الحديثة المستمد من أحكام الشريعة الإسلامية وجاء ذلك لأنه لم يكن جديدًا على الحياة الإنسانية أن يشرع الإنسان لنفسه القوانين والأنظمة التي تعمل على خدمة بعض المصالح على حساب باقي أفراد المجتمع ، ويضع لها منهجًا بمعزل عن شرع الله وبمنأى عن إرادة المجتمع .
فقد دأب الطغاة من الناس منذ فجر التاريخ على فكرة الخروج على إرادة الحق والخير في هذا الوجود ، متخذين من مصالح أنفسهم آلهة تعبد ولو تتبعنا نشأة القوانين الوضعية التي تحكم حياة المجتمع لوجدناها تمثل مرحلتين المرحلة الأولى هي : مرحلة التأسيس وتتمثل في وضع القوانين الطبيعية للقانون الوضعي الحديث مع اختلاف أنواع واتجاهات المدارس الوضعية والتي لم تنحرف جميعها بصورة واضحة عن قواعد القانون الطبيعي لأحكام الشريعة الإسلامية .
والمرحلة الثانية هي : مرحلة سن القوانين وتتمثل في استنباط وتقنين بعض القواعد القانونية والتي لا يمكن وصف جميعها بالانحراف أو العوار إلا أن بعضها الآخر وخاصة الحديث منها جاءت تمثل إرادة الحاكم وتعبر عن أغراضه ومشيئته في الحياة ، بعيدة عن التطابق مع المصلحة الحقيقية التي تعبر عن مبادئ الحق والعدل التي ميزت مرحلة التأسيس وأضفت عليها بظلالها ، وجاء ذلك الانحراف ببعض قواعد القوانين الوضعية للتعبير عن الرغبة في تسخير القوانين لإرادة الطغاة وإخضاعها لأهوائهم ، فصاغوا من إرادتهم قوانين وتشريعات لتكون طوقًا يشددون به قبضتهم على رقاب الناس وحياتهم . وهو ما يشبه انحراف القوانين الوضعية القديمة عن المدونات القانونية السابقة العهد والتي كانت تعمل على ترسيخ القانون الطبيعي ومصالح الجماعات ، وعلى عكس ذلك كان دور التشريع الإسلامي فقد استهدف دوماً تحرير الإنسان والرأفة به والحفاظ على مصالحه وحياته ، فقد جاء قول الله عز وجل :
( وَمَا أَرْسَلنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لّلْعَالَمِينَ ) . (الأنبياء/107) والمتأمل في هذا النص يستنتج بجلاء ووضوح أن أهداف الإسلام وغاياته التي حددها القرآن هي تحرير الإنسان ، وإنقاذه من الظلمات إلى النور ، والأخذ بيده إلى آفاق الخير والسعادة .
ولو حاولنا وبطريقة واعية منصفة استقراء كل من الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية على مختلف مذاهبها واتجاهاتها الفلسفية والاجتماعية . كالرأسمالية والاشتراكية والشيوعية وأمثالها من القوانين والنظريات الوضعية الحديثة لاستطعنا أن نجزم أن أحكام الشريعة الإسلامية كانت العامل المشترك وزاد وقبلة كافة القوانين الوضعية في مراحل التأسيس التي انحرفت عنها تلك القوانين بعد ذلك لتحتفظ أحكام الشريعة الإسلامية بماهيتها الشمولية المجردة عن الأهواء والمصالح والأطماع ، فلأحكام الشريعة الإسلامية ميزان يوزن به ومقياس يقاس على أساسه لتحديد طبيعته وقيمته لا يجوز لأي من باحثيه ومستنبطيه الانحراف عنه ، بما يحفظ أثره وغايته ، واتساقه مع غاية الوجود الكبرى ذلك أن أحكام الشريعة الإسلامية تقوم على أساس من معيار ( الحق والعدل ) كقيم ثابتة في الحياة .
ويشكل هذان المفهومان الأساس والقاعدة التي يجري عليها التشريع الإسلامي بأسره ، فما من قانون ولا تشريع إلا وقد قام على أساس هذين المبدأين ، إلا وجاء مجرداً ونافعاً للمجتمع حتى وإن كان ذلك المجتمع غير إسلامي وإن كان المشمولين به غير مسلمين شأنه شأن سائر حقائق الكون الأخرى .
( بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِ عَلَى البَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ) . (الأنبياء/ 18) ، ( وَقُلْ جاء اَلْحَقُ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً ) . (الإسراء/ 81) فمن يستطيع أن يُشخص فكرة الحق التي تمنح الشيء ( قانونًا كان أو موضوعًا ) أهلية الحدوث واحتلال موقع محدد في عالم الوجود غير خالق الوجود الذي وسع علمه بكل شيء ؟ .
لذا جاءت بعض تشريعات المشرع الوضعي بعد الانحراف الذي طرأ عليها باطلاً لا يعرف الحق ، وجزافاً لا يعرف التقدير ، وزائلاً لا يملك الثبات وعبثًا لا مبرر لوجوده معبرة عن إرادة المشرع وهواه منحرفة عن قواعدها الأصولية في مرحلة التأسيس . وجاء وجه الانحراف الثاني لبعض القوانين الوضعية في مخالفته لمعيار العدل ، والعدل هو الميزان الذي توزن به الأشياء ، وتعرف قيمتها ، فهو وضع الشيء في موضعه ، وإعطاء كل ذي حق حقه . والذي أيضًا كان سمة من سمات مرحلة التأسيس للقوانين الوضعية الحديثة التي لم تشهد ذلك الانحراف بل والتي استمدت منه شرعيتها في المجتمعات المشمولة بها وتجد فيه الآن الملاذ الآمن للخروج من كبواتها المستمرة .
الفصل الخامس
- أثر انحراف قواعد القانون الوضعي الحديث على ثورات الشعوب .
- بعض مواضع ودلالات التزام القوانين الوضعية الحديثة بأحكام
الشريعة الإسلامية .
- أثر انحراف قواعد القانون الوضعي الحديث على ثورات الشعوب .
لا شك أن بعض الثورات التي يقوم بها الشعوب في المجتمعات إنما تكون ثورة على الانحراف الذي أصاب بعض قواعد القوانين الوضعية التي أصبحت تعبيراً واضحاً وصريحاً عن تسخير سلطة سن القوانين, والقوانين لخدمة مصالح فئة بعينها تربطها بعض العلاقات بأنظمة الحاكم وأصبحت تلك القواعد القانونية تستهدف مصالح كافة أفراد المجتمع لصالح شخص أو مجموعة أشخاص وهو الأمر الذي يؤدي إلى وجود احتقان مجتمعي يتزايد بصفة مستمرة إلى أن يؤدي إلى استثارة طوائف المجتمع المختلفة ، إلا أن كل أنواع الثورات غالباً ما يعقبها ما يسمى بالارتباك المجتمعي المؤقت والذي ترجع أسبابه إلى فقد شعور كافة طوائف المجتمع الذي حدثت فيه الثورة بالثقافة أو الباعث الاجتماعي الذي تستند عليه القوانين الوضعية وتستمد منه القوة الإلزامية لها وتكون إحدى سمات العديد من طوائف المجتمع تعمد مخالفة كافة القوانين السائدة في ذلك المجتمع والاستمرار والإصرار على تلك المخالفات لفترات متباينة قد تطول أو تقصر بالقدر الذي يتناسب والجهود المبذولة من مًثقفي هذه المجتمعات لترسيخ وإعادة تأسيس باعث مجتمعي جديد مناسب ومُقنع لكافة طوائف المجتمع لحثهم على العودة للالتزام بالقانون من منطلق الباعث المجتمعي وهذا ما لا يمكن الحديث عنه أو حدوثه إذا ما حدثت تلك الثورة في أحد المجتمعات المشمولة بأحكام الشريعة الإسلامية ذلك أن الشريعة الإسلامية تستمد القوة الإلزامية لقواعدها وأحكامها من الصفة الإلهية لا من الثقافة المجتمعية الموجهة فحسب .
- – بعض مواضع ودلالات التزام القوانين الوضعية الحديثة بأحكام الشريعة الإسلامية .
هناك العديد من الشواهد والأدلة على التزام قواعد القانون الوضعي الحديث بأحكام الشريعة الإسلامية وخاصة فيما يتعلق بالقانون الطبيعي لها وعلى الرغم من استحالة حصرها لكثرتها وتعدد مواضعها واتجاهاتها إلا أن من تلك الشواهد والأمثلة الحالات الآتية :
العدل أساس الملك .
ذلك المبدأ الذي هو أحد أهم مبادئ أحكام الشريعة الإسلامية وحيث أن الدساتير الوضعية التي تحكم أغلب دول العالم وخاصة المتقدمة تضمنته كأحد المبادئ الأساسية لها في العديد من المواضع وهو ما ينبثق عنه مبدأ عدم الانفراد بالحكم في شخص الحاكم ومبدأ المواطنة ومبدأ سيادة القانون ومبدأ انتخاب الأعدل والأصلح ومبدأ استقلال القضاء وغيرها من المبادئ الأخرى التي تميز الدساتير الوضعية الحديثة .
- حق الملكية وضوابطه وقيوده .
أحد المبادئ التي أرسته أحكام الشريعة الإسلامية ولا ريب فإن كافة القواعد القانونية في القوانين الوضعية الحديثة قد استندت عليه وتأثرت به بل وترتبت عليه في كافة مواضعها لتحديد ضوابط هذا الحق وحدوده والضوابط المفروضة عليه .
- مبدأ أدلة الإثبات والثبوت .
قد قررت أحكام الشريعة الإسلامية أدوات الإثبات وهي الاعتراف والكتابة وشهادة الشهود ، وبالنظر لكافة القوانين الوضعية الحديثة فإنها لم تخرج عن ذلك بل ولم تستحدث أدوات ثبوت أخرى غير تلك المقررة بأحكام الشريعة الإسلامية .
- – قاعدة لا ضرر ولا ضرار .
كونها القاعدة الأصولية العامة بأحكام الشريعة الإسلامية والتي نجد أنها أحد الضوابط الرئيسية لأغلب القواعد القانونية بالقوانين الوضعية الحديثة بل وإن تلك القاعدة هي الميزان التي تزن به المدارس الوضعية كافة قواعدها القانونية للحكم عليها بالقبول أو الرفض .
- مبدأ الحرية وعدم التمييز وحرية العقيدة .
تلك المبادئ التي التزمت بها حرفياً هيئات المجتمع المدني العالمي كهيئة حقوق الإنسان وغيرها من الجمعيات والهيئات الحقوقية الدولية الأخرى .
- حق الشُفعة .
أحد الحقوق المقررة في أحكام الشريعة الإسلامية والذي التزمت به كافة قواعد القوانين الوضعية الحديثة ونصت عليه في قواعد قوانينها المدنية كأحد أهم القيود المفروضة على حق الملكية .
- أحكام الولاية على النفس والمال .
ذلك الباب الذي جاء في أحكام الشريعة الإسلامية مفصلاً تفصيلاً دقيقاً وهو ما لم تنحرف عنه القوانين الوضعية الحديثة وهي تقرر قواعدها الحاكمة لعوارض الأهلية المؤقتة والدائمة وحكم تصرفات القاصر وغيرها من القواعد الأخرى .
- حقوق المرأة والذمة المالية لها .
على الرغم من أن انحراف القوانين الوضعية الحديثة قد نال هذا الباب من أبواب القوانين الوضعية إلا أن أغلب قواعد القانون الوضعي الحاكمة لحقوق المرأة وأهليتها وذمتها المالية لا تنفصل عن أحكام الشريعة الإسلامية في هذا الشأن .
- حق الجوار واحترام العقود والوفاء بالعهود والتعهدات واحترام حقوق الغير .
تمثل تلك المبادئ الدعامة الأساسية لعمل الهيئات الدولية كهيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن وغيرها والتي لا يملك أحد أن يدعي نسب تلك المبادئ لأي من القوانين الوضعية غير أن الموضع الوحيد لذكرها هي أحكام القانون الإلهي ( الشريعة الإسلامية ) .
الخاتمة
إن ما جاء من أفكار مسندة في هذا الكتاب إنني لا أملك إلا أن أتوجه بالشكر لأصحابها ، وفيما يتعلق بالأفكار الخاصة الواردة بالكتاب فإنها نتيجة اجتهاد واطلاع وتفسير وهي صواب يحتمل الخطأ أو خطأ يحتمل الصواب ، غير أني وجدت أن هذا الدرب من دروب الدراسة قد ناله الإهمال تارة والاستسهال تارة أخرى في حين أنه يجب أن يحظى بالاهتمام والعناية للوصول إلى إعجاز آخر يضاف لأحكام الشريعة الإسلامية من خلال المناقشات الموضوعية لتلك الأفكار، خاصة وأن هناك العديد من الأصوات التي تعلو وتتعالى للمطالبة بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية وتنتهج تشويه القوانين الوضعية الحديثة تشويهًا مطلقاً على غير سند موضوعي بدراسة قواعدها واستبيان أصولها ومرجعياتها ، فلا يجوز الحكم على القاعدة القانونية الواحدة حكمين مختلفين وتارة يأتي بأن المملكة العربية السعودية تطبق حكما من أحكام الشريعة الإسلامية وتارة أخرى أن تلك الدولة التي تعمل على تطبيق النص الوضعي الأخر تعمل على تطبيق قوانين ملحدة كما يصفها البعض ، وإنما يكون الحكم في ضوء النظر بنظرة مجردة لضوابط القاعدة وتوافقها مع أحكام الشريعة الإسلامية .
– فهل إذا قرأ وليم القرآن يكون أتى بترانيم أم أن الحكم هنا يكون حكماً مجرداً على ما قد سمعناه يُتلى من القرآن ؟
أخيراً أسأل الله عز وجل أن يجعل الجهود التي بذلت في إعداد هذا الكتاب في موازين حسناتنا جميعاً ، وإن كان جانبني الصواب في بعض مواضع القياس فأدعو الله أن يغفر لي ولكم وبالله التوفيق .