هاني صبري – المحامي
قامت الدولة المصرية باللجوء إلى مجلس الأمن الدولي وذلك بعد تعثر المفاوضات حول سد النهضة نتيجة المواقف الإثيوبية غير الإيجابية والتعنت غير المبرر منها على مدار عقد من المفاوضات المضنية، وكذلك المفاوضات التي عقدت في واشنطن برعاية الولايات المتحدة ومشاركة البنك الدولي والتي أسفرت عن التوصل إلى اتفاق يراعي مصالح الدول الثلاث والذي قوبل بالرفض من قبل أثيوبيا.
أن الدولة المصرية قد استنفدت كل سبيل للتوصل إلى حل ودي لهذا الوضع، عبر إبرام اتفاق، يحفظ ويعزز حقوق ومصالح الدول الثلاث، حيث إن اتخاذ أية إجراءات أحادية من إثيوبيا يكون من شأنها التأثير على فرص التوصل إلى اتفاق، ويؤدي إلى حالة يترتب على استمرارها تهديد للسلم والأمن الدوليين، وهو وضع غير مقبول بالنسبة لمصر.
وإزاء تعنت إثيوبيا طالبت مصر من مجلس الأمن الدولي التدخل من أجل تأكيد أهمية مواصلة الدول الثلاث التفاوض بحسن نية تنفيذاً لالتزاماتها وفق قواعد القانون الدولي من أجل التوصل إلى حل عادل ومتوازن لقضية سد النهضة الإثيوبي.
حيث تنص الفقرة الأولى من المادة 34 من ميثاق الأمم المتحدة علي ما مؤداه أن مجلس الأمن الدولي هو المنوط به أمر حفظ الأمن والسلم، وبنظر النزاعات والحالات، التي يترتب على استمرارها تهديد للسلم والأمن الدوليين ، كما أن المادة 35 تتيح للأعضاء بحث أمور السلم في إطار ميثاق الامم المتحدة.
وقد شهدت أروقة مجلس الأمن خلال الأيام الأخيرة مباحثات مكثفة، استجابة للطلب المصري، وتحركات مصرية على أكثر من مستوى لشرح موقفها الخاص بسد النهضة الإثيوبي.
في تقديري المؤشرات إيجابية داخل مجلس الأمن الدولي وأن مشروع القرار مؤيداً لوجهة النظر المصرية وسلامة موقفها القانوني، وأن قيام إثيوبيا بالإعلان بشكل منفرد وأحادي عن اعتزامها ملء السد في شهر يوليو 2020 هو وضع غير مقبول ويؤدي إلى حالة يترتب على استمرارها تهديد للسلم والأمن الدوليين.
لذلك يجب العودة الفورية إلى مائدة المفاوضات من أجل التوصل إلى الاتفاق العادل لجميع الأطراف. وحفاظاً على العلاقات الودية والدبلوماسية مع الدول الأفريقية ، شارك الرئيس عبد الفتاح السيسي أمس بقمة أفريقية مصغرة لرؤساء الدول الأعضاء بهيئة مكتب رئاسة الاتحاد الأفريقي عبر الفيديو كونفرانس لمناقشة قضية سد النهضة، وذلك برئاسة رئيس جمهورية جنوب أفريقيا والرئيس الحالي للاتحاد، وبحضور كلٍ من أعضاء هيئة مكتب الاتحاد ، بالإضافة إلى مشاركة السيد عبد الله الحمدوك رئيس وزراء السودان، والسيد آبي أحمد رئيس وزراء إثيوبيا.
ونتج عن هذه القمّة أنه تم الاتفاق علي تشكيل لجنة حكومية من الخبراء القانونيين والفنيين من الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا، إلى جانب اطراف دولية والاتحاد الافريقي، وذلك بهدف الانتهاء من بلورة اتفاق قانوني نهائي ملزم لجميع الأطراف بخصوص قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، كما أنه تم الاتفاق على أنه ليس هناك اتخاذ أى إجراءات أحادية بشأن ملء خزان سد النهضة قبل التوصل إلى هذا الاتفاق، وإرسال خطاب بهذا المضمون إلى مجلس الأمن وذلك لأخذه في الاعتبار عند انعقاد جلسته لمناقشة قضية سد النهضة يوم الإثنين المقبل.
في تقديري أن ما أسفرت عنه القمة الإفريقية المصغرة خطوة إيجابية للغاية تصب في مصلحة مصر، وتؤكد قدرة القيادة السياسية والدبلوماسية المصرية علي حماية الحقوق التاريخية لمصر في مياه النيل فهي قضية وجودية ومسألة حياة أو موت بالنسبة لكل للمصريين لا يمكن التفريط فِيهَا بأي حال من الأحوال حفاظاً علي الأمن القومي والمائي لمصر ولا يستطيع أي طرف إملاء شروطه علي الدولة المصرية.
نأمل أن تتوج مجهودات الدولة المصرية بصدور قرار من مجلس الأمن الدولي هي الخطوة الأهم لحل الأزمة، للوصول إلي اتفاق شامل بين كافة الأطراف المعنية بخصوص قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، ورفض أية إجراءات إحادية من جانب إثيوبيا، وعدم إلحاق الضرر بحقوق مصر في مياه النيل.