بقلم الســيـد صــابر
دائماً ما يؤدي الواقع الصعب إلي رؤية تتجاوزه، لذلك
وفي المحاضرة الختامية للفوج الثالث من المتدربين المشاركين في “البرنامج القومي لتنمية أبناء سيناء” والذي تٌقدمة وزارة الشباب والرياضة تحت إشراف الأستاذ “إيهاب بيتا” مدير مدرية الشباب والرياضة بشمال سيناء والأستاذة “قدرية طلحه” مدير عام التعليم المدني والإدارة المركزية للبرلمان والقيادات الشبابية بوزارة الشباب والرياضة، والمنعقد في المدينة الشبابية بالعريش بهدف تنمية أبناء سيناء وتأهيلهم ورفع قدراتهم وتدريبهم علي المشاركة الإجتماعية.
تناول الأستاذ “إبراهيم العناني” المحاضر والمدرب بالتعليم المدني موضوع الهوية والتعريف بالهوية ومكوناتها وكذلك مفاهيم الوطن والوطنية والمواطنة، بالاضافة الي عرض فيديوهات تتناول أهمية تقديم المصلحة العامة علي المصالح الفردية ثم خصص النصف الثاني من المحاضرة للإستماع الي رأي الشباب والفتيات المشاركين عن المشاكل التي تعوق تنمية محافظة شمال سيناء وعن سٌبل التنمية فيها وكانت أبرز المشاكل التي طرحها الشباب هي كالتالي ..
أن فكرة الإعلام عن أبناء سيناء مغلوطة ولا تطابق الواقع، مما يدل علي أن الإعلام بعيداً جداً عن نبض الناس الذي من المفترض أن يعبّر عنهم وأن يعمل علي إيصال مشاكلهم إلى الجهات التنفيذية في الدولة، ويبدو أن حال الإعلام المصري عكس ذلك تماماً وقد أجمع الشباب علي هذا الرأي وطالب بعضهم بأن يكون لمحافظة شمال سيناء قناة خاصة بها وأن يكون العاملين فيها من أبناء سيناء العارفين بمشاكل أهلها ، فلا حاجة الي إعلام حكومي كسول ولا إعلام خاص يسكن في أبراج عاجيه منعزلاً عن المجتمع يأخذ معلوماته من مصادر غير موثوقة وربما يتعمد تزييف الحقائق لصالح أيديولوجيات أخري فهذا الإعلام الكسول والبعيد كل البعد عن الحقيقة لا بد أنه إعلام فاسد ومشبوه.
واقترح الشباب أيضاً ان يكون هناك مستشار للرئيس من الشباب في كل محافظة يعمل علي إيصال نبض الشارع السيناوي إلي الرئيس مباشرة ويكون همزة وصل بين الناس وبين الجهات التنفيذية، وفي الحقيقة أن هذا الاقتراح وحده يدل علي وعي الشباب السيناوي الذي يسوقهم الإعلام علي أنهم معدومين!، فتسلق ذلك الهرم الكبير من الجهات التنفيذية لإقامة مشروع ما أمر بطيئ جداً ولن يكون مساعداً في تنمية سيناء أبداً، بل سيكون عامل إحباط لكل صاحب مشروع أو إبتكار تنموي، لذا لابد من وسيلة مواصلات سريعة للتواصل مع الجهات التنفيذية المعنية بدلاً من التدرج الهرمي البيروقراطي الصعب.
كما طالب الشباب برفع الحظر نهائياً وتسائلوا ” كيف تتحدثون عن تنمية سيناء في ظل حظر التجول وغلق الكثير من الطرق وحظر الاتصالات الذي تسبب في إنهيار الكثير من المشروعات الصغيرة ؟! ” وليس إنهيار المشروعات الصغيرة فحسب وإنما كانت هناك شكاوى من صعوبة التنقل وإرتفاع تكلفة المواصلات وما يترتب عليهما من مشاكل أخرى، ولا شك أن هذا كله أثّر بشكل قوي علي معدل الإنتاجية في المحافظة الأمر الذي يؤدي بالتأكيد الي نتائج كارثية.
كما طالب الشباب بحق أبناء سيناء في دخول الكليات العسكرية وتوظيفهم وعدم تهميشهم، وأضافت إحدى الفتيات قائلة “ان أبناء سيناء يعملون علي تنمية أنفسهم ويكتسبون الكثير من المهارات، ولكن البيئة المحيطة لا تستثمر هذة المهارات الأمر الذي يجعلهم يلجئون الي السفر الي الخارج أو الي المحافظات الأخرى لتحقيق ذاتهم”، ولا شك أن هذا يجعلنا نخسر أفضل الموارد البشرية التي يمكن أن تساهم بشكل فعّال في تنمية المحافظة. ولا ريب في أن هذا هو واقع مصر بأكملها حيث أنها تخسر أفضل مواردها البشرية لنفس الأسباب، وما يزيد المشاكل تعقيداً أن الإعلام يغفل عن هذه الأسباب، فيتهم الفرد دائماً بالتقصير ويلح علي فكرة تحقير شأن الفرد المصري بطرق ضمنية وبأسلوب غير مسؤل ويدمر صورتنا الذاتية عن أنفسنا كمصريين، الأمر الذي يسبب بكل تأكيد علماء النفس والاجتماع نتائج كارثية.
ولا يمكن أن ننسى من تحدث من الشباب عن المشاكل الأزلية لسيناء وهي مشكلة عدم توفر المياه العذبة، ومشكلة الخدمات الصحية وصعوبتها في محافظة شمال سيناء حيث المستشفى المركزي الواحد الذي لا يقبل كثير من الحالات الحرجة فتكون النتيجة تحويلها إلى محافظة الإسماعيلية والسفر لمئتين كيلومتر حيث البٌعد عن الحياة والإقتراب من الموت، ناهيك عن سكّان وسط سيناء الذين يعيشون في مأساة بكل المقاييس إذ أن الموت يكون هو الأقرب في حالات الولادة القيصرية وحالات الحٌمى والحالات التي تتطلب تدخٌل فوري، وذلك لبعدها عن مدينة العريش لأكثر من ثمانين كيلو في الصحراء.
وكذلك ناقش الشباب مشكلة التعليم في المحافظة وقالت إحدى الفتيات أنه عندما أفتٌتحت كلية جديدة وهي كلية العلوم كان مقرها هو الدور الثاني من مبنى كلية التربية ، وقالت ان الطلبة يتلقون المحاضرات وأغلبهم واقفين، ولا شك أن هذا دليل علي مدى إهمال التعليم الجامعي في شمال سيناء كما أن الكليات المتاحة فقط هي التربية والعلوم والزراعة وكلية الآداب لازالت في طور النشأة، أما باقي الكليات فليس لها أي وجود في المحافظة، كما أن الجامعة الوحيدة الموجودة هي جامعة خاصة باهظة التكاليف، هذا هو حال التعليم الجامعي في مساحة سيناء الشاسعة التي لا يستهان بحجمها.
هذا وبالإضافة الي شكاوى الشباب مثل “لا أحد يسمعنا ولا أحد يٌريد أن يسمعنا” و “يتهموننا بالإرهاب ونحن أكثر الناس وطنية وأكثرهم تحّملاً للصعاب وللمسؤلية” و “الحرمان من التوظيف والتعليم والمياه العذبة جعلنا لا نشعر بإهتمام الدولة” وجدير بالإهتمام أن نتوقف عند هذه الشكوى الإخيرة إذ أن المواطنة أمر يتعلّق بمسؤلية الدولة تجاه إشباع حاجات المواطنين الأساسية، ومن ضمن هذه الحاجات هي الحاجة الي الإهتمام عبر وسائل الرعاية المختلفة التي توفرها الدولة، فأين حق أبناء سيناء في المواطنة ؟، هذا أقل ما يجب علي الدولة أن تٌقدّمه لأبناء سيناء إذ أنه حقهم الأساسي والضروري، وأي تقصير في هذا الحق من قبل أي من الجهات، يعد خلل في عمل هذه الجهات يجب أن لا نسكت عليه إذا كنّا فعلاً نٌريد نهضة حقيقية لمصر وإذا كنّا فعلاً صادقين في إرادتنا هذه.
وفي الختام أٌحب ان أتوجه بالشكر لكل القائمين علي البرنامج القومي لتنمية أبناء سيناء ليس فقط لإهتمامهم بسيناء ورغبتهم الصادقة في تنمية سيناء وإنما لأنهم أتاحوا الفرصة لعدد 2400 شاب وفتاة من محافظتي شمال وجنوب سيناء بجميع انحائهما لأن يعبروا عن مشاكلهم وأن يتشاركوا في حلها وأن يلتفوا حول هدف واحد هو تنمية سيناء وذلك من خلال نظام تعليم تبادلي يسمح بتبادل الخبرات فيما بينهم وبواسطة نخبة مميزة من المدربين المحترفين الذين يستحقون كل الشكر والتقدير ومنهم المدربة “رشا الخطيب” والمدرب “خالد الشافعي” والمدربة “هيام الطباخ” والمدربة “إيمان مصطفى”، كما نجدد الشكر للكابتن “إيهاب بيتا” والأستاذة “قدرية طلحه”، وكذلك الأستاذ “ابراهيم العناني” والأستاذ “فيصل”، ولا ننسى أن نشكر الكابتن “خالد مكاوي” علي الجهد العظيم الذي يقوم به في إدارة التعليم المدني، وأشكر كل المشاركين خلف الكواليس في هذا البرنامج القومي من عمال النظافة إلى الوزير، بكل أشكال المشاركة.
وأتمنى ان تبقى هذه الشعلة مضائه ومشتعلة حتى تٌنير طريق المستقبل أمام أبناء سيناء الذين انتظروا طويلاً مثل هذا الإهتمام الذي ولّد لديهم من جديد .. الأمل.
وهذه تحياتي لكم
ســيـد صــابر
أستاذ الفلسفة وخبير التنمية البشرية